كاي زوجة ايام زمان.. قالوا لها ان ابن عمها سيكون من نصيبها.. وكانت هي ما تزال في الرابعة عشرة من العمر كل ما فيها حيوية الشباب واندفاعهم فكانت كالالة تعمل في الزرع مع اهلها ثم تعود الى البيت لتحمل الماء من النهر على راسها.. ثم تحلب البقر وبعدها تعمل اقراصا من روث البقر وتجففها لاستعمالها كوقود.. وكانت لا ترتاح الا بعد ان تضع راسها على الوسادة عند الليل وكان طيف ابن عمها يداعب خيالها فان كان ذلك فانه سياخذها معه الى المدينة التي يقال عنها انها جنة من الجنات والناس فيها يعملون بالكثير من المهن وهناك اسواق يبيعون فيها كل شيء ويقال هناك سيارات وفوانيس وهي تسمع عن ذلك دون ان تراه.
وتبقى بهذه الافكار حتى يغلبها النعاس فتنام لتنهض صباحا عند الفجر وتعد الفطور لاهلها وبعدها تذهب الى الزرع وهكذا يوميا.. وما ان انتهت من الحصاد مع والدها واخوتها جاء لهم النبأ بان عندهم زوارا. فسارع الاب وابنته الى لقائهم وترك اولاده يكملون العمل.. وكان يتوقع حضور ابن ا خيه من المدينة لزيارتهم بصدد خطبة (وسيلة) وما ان وصل دراهم حتى صدق ظنه فكان ابن اخيه ووالدته في زيارتهم فرحب بهم اشد الترحاب كما حيتهم وسيلة بوجل وكانت تدرك مغزى هذه الزيارة.. واجتمعت العائلة ليلا وتم الاتفاق على ان ياخذ كامل وسيلة بعد ان جهز لها غرفة الزواج واعطاهم من النقود ما يكفيها لشراء نيشانها وتجهيزها من قبلهم فليس بمقدوره الذهاب والاياب اليهم واتفق واياهم انه سياتي بعد جمعتين لاخذها.. وسترافقها والدتها ليلة زفافها وغادرهم كامل ووالدته صباحا لانه كان في سلك الشرطة ولم تحن اجازته بعد فلذلك لا يستطيع الغياب عن دوامه وكانوا هم ينظرون اليه على انه رجلا مهما بالدولة خاصة وانه يعرف القراءة والكتابة ويتكلم عدة لغات منها الفارسية والتركية والانكليزية لانه كان يعمل طباخا في هذه الشركات قبل ان يتطوع في سلك الشرطة.. وتم وضعه في دائرة التحقيقات لمواهبه. وتم اعطاؤه عشرة ايام اجازة للزواج فهيأ امره وانطلق مع اهله لجلب العروس وكانوا اهلها قد اتموا كافة الاستعدادات لها.. ووصلوا عند الظهيرة وما ان ارتاحوا قليلا وتناولوا غداءهم حتى جاءوا بشيخ القرية وعقد زواجهما شفهيا امام الشهود.. ووسط رقص وزغاريد الاهل وغنائهم الريفي الجميل.. وتم زفافها احد السيارات التي جاءت لاخذها واغراضها وسيارة ثانية كانت مرافقة لهم.. ولاول مرة ترى وسيلة السيارة وتركب بها وكانت وصول السيارة لعندهم من العجائب فكانت القرية تسوق مزروعاتها ومحاصيلها بواسطة العربات الى المركز ومن هناك تاتي سيارات لحملها فلذلك لم تكن السيارات تصل في ذلك الوقت الى القرى الا للضرورة القصوى.
انطلقت السيارتان وهي تحمل وسيلة العروسة وهي ترتدي الثوب الابيض وطرحتها البيضاء وقد تم تزيين وجهها بالاصباغ وتم تعطيرها بالمسك والعنبر.. وكان كامل يجلس الى جوارها ووالدتها تجلس في الجانب الاخر منها.. وكان كامل يخجل ان يحادثها بحضور والدتها واكتفى بان يمسك بيدها.. وطلب منها ان تضع راسها على كتفه اذا تعبت من الجلوس.. وكان الطريق طويلا فمالت بكل جسدها عليه.. وقلبها سعيد بما هي مقدمة عليه ,, وما ان وصلت السيارتان الى الديار حتى كان الجمع بانتظارهم فادخلوا العروس الى غرفتها وحضر المهنئون من كل مكان وقد فرشت في الشارع الابسطة وجلس عليها المهنئون وتم وضع صحون الطعام على امتداد الابسطة المفروشة حيث تناول الجميع طعام العشاء وكل منهم دفع فضلا للعريس وكل من يدفع يسجل اسمه في دفتر خاص لهذا الغرض..
وانتهت حفلة العشاء وتم زفاف كامل وادخاله على العروس وبقى الجميع بانتظاره امام الباب ليخرج لهم كما كانت النسوة داخل الدار بانتظار خروج كامل ليدخلن على العروسة ومعرفة ما تم معها.. وما هي الا لحظات حتى خرج كامل مرتديا دشداشة بيضاء.. وتعالت الزغاريد ودخلن النسوة على وسيلة العروسة والزغاريد تتعالى وهي علامة على انه تم زواجهما.. وغادر الاصدقاء والمعارف ولم يبق غير كامل واهل داره وام وسيلة كان كامل يكبر وسيلة بضعف عمرها تقريبا الا انه وبعد الزواج منها قد احبها حبا جما.. ووجد فيها كل ما يتمناه الرجل من حلاوة الروح والجسد.. وفي اليوم التالي من الزواج كانت وسيلة وسط العائلة تشاركهم اعداد الفطور وزوجها ما يزال نائما..وكان والد كامل يقول عنها: “بناتنا مهرات اصيلات.. كحيلات”.
وتوالت الايام والسنوات ووسيلة برفقة زوجها تنتقل من محافظة الى اخرى اينما يكون عمله.. وكانت قد تعلمت الكثير خلال هذه الفترة واصبحت من بنات المدينة قالبا ومضمونا.. ورزقت باربعة اطفال ولدين وابنتين وكان زوجها قد اصبح ضابطا في الشرطة.. وبرتبة نقيب حتى استقر المقام بهما في بغداد والاولاد في المدرسة ومن المتفوقين واستطاعت برعايتها ان توصل اولادها الى الثانوية والبنات الى المتوسطة وتوفى زوجها بالسكتة القلبية.. وحزنت لفراقه وكان بالنسبة لها كل الدنيا وما فيها.. وتاخر عليهم الراتب التقاعدي فاخذت بالاستدانة من هنا وهناك لتدبير حالهم.. ولما حصلت على التقاعد ادركت انه لا يسد احتياجاتهم ومصاريفهم فما كان منها الا ان تقوم بالخبز الى الجيران.. واخذت شيئا فشيئا تتوسع بعملها حتى باتت تبيع الخبز في السوق وهي مازالت بثيابها السود.. ولما وجدوا ان الخبز عندها جيدا صاروا يطلبوه منها حتى ان بعض المطاعم اخذت تاخذ منها الخبز واستطاعت بعملها ان توفر لعائلتها كافة مصاريفهم حتى تم تعيين ولدها الكبير في الشرطة ايضا والبنات وصلن الى الجامعة.. وايضا تعين ابنها الاخر.. ومازالت هي تمارس عملها كخبازة حتى تخرجن البنات من الجامعة وكانت تشكو كثيرا من الالام.. تركت الخبز، وتم تعيين البنات ايضا وهنا قالت لهم الحمد لله لقد اكملت رسالة والدكم واوصلتكم الى ما كان يريد.. وكان الاولاد فخورين بها.. ولا يعابون عندما يقولون عنهم: هؤلاء ابناء الخبازة..
فكثيرا ما كان غالب يقول امام اصدقائه: لي الشرف ان اكون ابن الخبازة.. تلك الام العظيمة التي جاهدت حتى توصلنا على ما نحن عليه.. وكذلك البنات فخورات بكون انهم بنات الخبازة المرأة الشريفة العفيفة التي جاهدت من اجل عائلتها..
وكانوا الاولاد اوفياء لامهم فحملوها على كفوف الراحة ولم يبخلوا عليها بشيء.. وسهروا عليها عند اشتداد المرض عليها حتى شفيت من مرضها واستعادت عفيتها.. وكان كل همها ان تزوج اولادها.. وحققت حلمها عندما تزوج ابنها غالب ورأت اطفاله.. ثم تزوجت ابنتها الكبيرة ورزقت طفلا اما ابنها الثاني فلقد غادر البلد لبعثة دراسية ولم يعد وبقى على اتصال بهم.. ولم تبق سوى ابنتها الصغيرة بلا زواج.. وكان غالب قد قطع البيت الى نصفين له ولزوجته واولاده والنصف الاخر لوالدته وشقيقته وكان ذلك بناء على طلبها.. ولما شعرت بدنو اجلها طلبتهم جميعها واوصتهم خيرا باختهم الصغيرة برعايتها حتى زواجها.. وطلبت من غالب ان ياخذ دور والده ووالدته في رعاية اخيه واخواته وعاهدها على ذلك.. واسلمت الروح ورجعت روحها راضية مطمئنة الى بارئها.. وبرحيلها تركت اثرا بالغا في نفوسهم وكذلك اسف كل الجيران لرحيلها فلقد كانت محبوبة مقبولة من الجميع.. وما زال الاولاد على تمسكهم ببعض ويترحمون لوالدتهم ويدعون لها بالمغفرة والجنان.. وما زال الاولاد يقصون على اولادهم حكاية جدتهم الخبازة ونضالها من اجلهم.. وكان غالب يقول لاولاده: لا تخجلوا من اي عمل شريف تتناولون منه لقمة العيش.
محمد عباس اللامي – بغداد
* عن الزمان
وتبقى بهذه الافكار حتى يغلبها النعاس فتنام لتنهض صباحا عند الفجر وتعد الفطور لاهلها وبعدها تذهب الى الزرع وهكذا يوميا.. وما ان انتهت من الحصاد مع والدها واخوتها جاء لهم النبأ بان عندهم زوارا. فسارع الاب وابنته الى لقائهم وترك اولاده يكملون العمل.. وكان يتوقع حضور ابن ا خيه من المدينة لزيارتهم بصدد خطبة (وسيلة) وما ان وصل دراهم حتى صدق ظنه فكان ابن اخيه ووالدته في زيارتهم فرحب بهم اشد الترحاب كما حيتهم وسيلة بوجل وكانت تدرك مغزى هذه الزيارة.. واجتمعت العائلة ليلا وتم الاتفاق على ان ياخذ كامل وسيلة بعد ان جهز لها غرفة الزواج واعطاهم من النقود ما يكفيها لشراء نيشانها وتجهيزها من قبلهم فليس بمقدوره الذهاب والاياب اليهم واتفق واياهم انه سياتي بعد جمعتين لاخذها.. وسترافقها والدتها ليلة زفافها وغادرهم كامل ووالدته صباحا لانه كان في سلك الشرطة ولم تحن اجازته بعد فلذلك لا يستطيع الغياب عن دوامه وكانوا هم ينظرون اليه على انه رجلا مهما بالدولة خاصة وانه يعرف القراءة والكتابة ويتكلم عدة لغات منها الفارسية والتركية والانكليزية لانه كان يعمل طباخا في هذه الشركات قبل ان يتطوع في سلك الشرطة.. وتم وضعه في دائرة التحقيقات لمواهبه. وتم اعطاؤه عشرة ايام اجازة للزواج فهيأ امره وانطلق مع اهله لجلب العروس وكانوا اهلها قد اتموا كافة الاستعدادات لها.. ووصلوا عند الظهيرة وما ان ارتاحوا قليلا وتناولوا غداءهم حتى جاءوا بشيخ القرية وعقد زواجهما شفهيا امام الشهود.. ووسط رقص وزغاريد الاهل وغنائهم الريفي الجميل.. وتم زفافها احد السيارات التي جاءت لاخذها واغراضها وسيارة ثانية كانت مرافقة لهم.. ولاول مرة ترى وسيلة السيارة وتركب بها وكانت وصول السيارة لعندهم من العجائب فكانت القرية تسوق مزروعاتها ومحاصيلها بواسطة العربات الى المركز ومن هناك تاتي سيارات لحملها فلذلك لم تكن السيارات تصل في ذلك الوقت الى القرى الا للضرورة القصوى.
انطلقت السيارتان وهي تحمل وسيلة العروسة وهي ترتدي الثوب الابيض وطرحتها البيضاء وقد تم تزيين وجهها بالاصباغ وتم تعطيرها بالمسك والعنبر.. وكان كامل يجلس الى جوارها ووالدتها تجلس في الجانب الاخر منها.. وكان كامل يخجل ان يحادثها بحضور والدتها واكتفى بان يمسك بيدها.. وطلب منها ان تضع راسها على كتفه اذا تعبت من الجلوس.. وكان الطريق طويلا فمالت بكل جسدها عليه.. وقلبها سعيد بما هي مقدمة عليه ,, وما ان وصلت السيارتان الى الديار حتى كان الجمع بانتظارهم فادخلوا العروس الى غرفتها وحضر المهنئون من كل مكان وقد فرشت في الشارع الابسطة وجلس عليها المهنئون وتم وضع صحون الطعام على امتداد الابسطة المفروشة حيث تناول الجميع طعام العشاء وكل منهم دفع فضلا للعريس وكل من يدفع يسجل اسمه في دفتر خاص لهذا الغرض..
وانتهت حفلة العشاء وتم زفاف كامل وادخاله على العروس وبقى الجميع بانتظاره امام الباب ليخرج لهم كما كانت النسوة داخل الدار بانتظار خروج كامل ليدخلن على العروسة ومعرفة ما تم معها.. وما هي الا لحظات حتى خرج كامل مرتديا دشداشة بيضاء.. وتعالت الزغاريد ودخلن النسوة على وسيلة العروسة والزغاريد تتعالى وهي علامة على انه تم زواجهما.. وغادر الاصدقاء والمعارف ولم يبق غير كامل واهل داره وام وسيلة كان كامل يكبر وسيلة بضعف عمرها تقريبا الا انه وبعد الزواج منها قد احبها حبا جما.. ووجد فيها كل ما يتمناه الرجل من حلاوة الروح والجسد.. وفي اليوم التالي من الزواج كانت وسيلة وسط العائلة تشاركهم اعداد الفطور وزوجها ما يزال نائما..وكان والد كامل يقول عنها: “بناتنا مهرات اصيلات.. كحيلات”.
وتوالت الايام والسنوات ووسيلة برفقة زوجها تنتقل من محافظة الى اخرى اينما يكون عمله.. وكانت قد تعلمت الكثير خلال هذه الفترة واصبحت من بنات المدينة قالبا ومضمونا.. ورزقت باربعة اطفال ولدين وابنتين وكان زوجها قد اصبح ضابطا في الشرطة.. وبرتبة نقيب حتى استقر المقام بهما في بغداد والاولاد في المدرسة ومن المتفوقين واستطاعت برعايتها ان توصل اولادها الى الثانوية والبنات الى المتوسطة وتوفى زوجها بالسكتة القلبية.. وحزنت لفراقه وكان بالنسبة لها كل الدنيا وما فيها.. وتاخر عليهم الراتب التقاعدي فاخذت بالاستدانة من هنا وهناك لتدبير حالهم.. ولما حصلت على التقاعد ادركت انه لا يسد احتياجاتهم ومصاريفهم فما كان منها الا ان تقوم بالخبز الى الجيران.. واخذت شيئا فشيئا تتوسع بعملها حتى باتت تبيع الخبز في السوق وهي مازالت بثيابها السود.. ولما وجدوا ان الخبز عندها جيدا صاروا يطلبوه منها حتى ان بعض المطاعم اخذت تاخذ منها الخبز واستطاعت بعملها ان توفر لعائلتها كافة مصاريفهم حتى تم تعيين ولدها الكبير في الشرطة ايضا والبنات وصلن الى الجامعة.. وايضا تعين ابنها الاخر.. ومازالت هي تمارس عملها كخبازة حتى تخرجن البنات من الجامعة وكانت تشكو كثيرا من الالام.. تركت الخبز، وتم تعيين البنات ايضا وهنا قالت لهم الحمد لله لقد اكملت رسالة والدكم واوصلتكم الى ما كان يريد.. وكان الاولاد فخورين بها.. ولا يعابون عندما يقولون عنهم: هؤلاء ابناء الخبازة..
فكثيرا ما كان غالب يقول امام اصدقائه: لي الشرف ان اكون ابن الخبازة.. تلك الام العظيمة التي جاهدت حتى توصلنا على ما نحن عليه.. وكذلك البنات فخورات بكون انهم بنات الخبازة المرأة الشريفة العفيفة التي جاهدت من اجل عائلتها..
وكانوا الاولاد اوفياء لامهم فحملوها على كفوف الراحة ولم يبخلوا عليها بشيء.. وسهروا عليها عند اشتداد المرض عليها حتى شفيت من مرضها واستعادت عفيتها.. وكان كل همها ان تزوج اولادها.. وحققت حلمها عندما تزوج ابنها غالب ورأت اطفاله.. ثم تزوجت ابنتها الكبيرة ورزقت طفلا اما ابنها الثاني فلقد غادر البلد لبعثة دراسية ولم يعد وبقى على اتصال بهم.. ولم تبق سوى ابنتها الصغيرة بلا زواج.. وكان غالب قد قطع البيت الى نصفين له ولزوجته واولاده والنصف الاخر لوالدته وشقيقته وكان ذلك بناء على طلبها.. ولما شعرت بدنو اجلها طلبتهم جميعها واوصتهم خيرا باختهم الصغيرة برعايتها حتى زواجها.. وطلبت من غالب ان ياخذ دور والده ووالدته في رعاية اخيه واخواته وعاهدها على ذلك.. واسلمت الروح ورجعت روحها راضية مطمئنة الى بارئها.. وبرحيلها تركت اثرا بالغا في نفوسهم وكذلك اسف كل الجيران لرحيلها فلقد كانت محبوبة مقبولة من الجميع.. وما زال الاولاد على تمسكهم ببعض ويترحمون لوالدتهم ويدعون لها بالمغفرة والجنان.. وما زال الاولاد يقصون على اولادهم حكاية جدتهم الخبازة ونضالها من اجلهم.. وكان غالب يقول لاولاده: لا تخجلوا من اي عمل شريف تتناولون منه لقمة العيش.
محمد عباس اللامي – بغداد
* عن الزمان