: 20 - 05 - 1946
إلى الأستاذ الكبير الشيخ محمود أبو العيون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد، فقد طالعت ملاحظاتكم القيمة على كتابي (الزواج والمرأة). وأبادر فأشكركم على كلماتكم الرقيقة التي تفضلتم فوجهتموها إليّ ثناء على مجهودي في الكتاب، ولقد تقبلت هذه العبارات على أنها وجهت إليّ على سبيل المجاملة والتشجيع.
بقي أنكم أشرتم في رسالتكم أنكم كنتم تودون أن أبلغ نهاية الشوط مجلياً، فلا أغلو في الدعوة إلى منع تعدد الزوجات منعاً باتاً لأي سبب من الأسباب، ولاحظتم عليّ أنني أخطأت في فهم آيات القرآن، فربطت بين آيتي العدل في النكاح (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) لأصل من ذلك إلى حد كاد يلغي معه هذا الحق أصلا
وأبادر فأقول إنني ما نازعت أبداً في حق المسلم في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، ولقد قلت في بدء الفصل الخاص بتعدد الزوجات ما يأتي بالحرف الواحد: (لا جدال في أنه من حق المسلم بموجب نصوص القرآن وسنة الرسول والصحابة ما جرى عليه إجماع المسلمين في فترة من الزمان أن يتزوج أكثر من واحدة، وأن يتزوج اثنين وثلاثاً وأربعاً)
وهذه العبارة صريحة وقاطعة، فلا تحتمل شكا ولا تأويلا في أنني أعترف للمسلم في حقه في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة، ولكنني بعد ذلك رحت أبحث الكتاب من الناحية العلمية في وقتنا الحاضر، وأن التعدد في بلادنا قد أوجد مفاسد كثيرة وعمل على تفكيك روابط الأسرة إلى درجة أصبحت تهدد المجتمع المصري ما جعل الإمام المصلح الشيخ محمد عبده يدعو إلى منع تعدد الزوجات عملا بالقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار). وإذن فقد ناقشت الموضوع، لا من حيث الشريعة، ولكن من حيث الضرورات الاجتماعية في وقتنا الحاضر، واستندت فيما دعوت إليه إلى روح التشريع الإسلامي التي تهدف في هذا الأمر إلى التضييق، وتعتبر كل تقليد فيه فضيلة بحيث يمكن القول بأن تحديد الزواج بواحدة من أهم الأغراض التي تقرها الشريعة الإسلامية وتستحبها.
وقد سقت على ذلك الأدلة القاطعة التي تظهر روح الشريعة الإسلامية ورغبتها في الحد من هذا الحق واستعماله. وقد أشرت في آخر البحث إلى إمكان إعادة النظر في قانون تحديد الزواج والعودة إلى إباحة التعدد متى حتمت ذلك الضرورات الاجتماعية، فقلت بالحرف الواحد: (فإذا تخيلنا ما يشيرون إليه دائماً من حدوث نقص في عدد الرجال خطير، بحيث يصبح عددهم نصف عدد النساء، فإنه من الممكن في مثل هذه الحالة الشاذة أن يعاد النظر في قانون حظر الزواج بأكثر من واحدة. . . فليس هناك ما يمنع تطور القوانين الاجتماعية بحسب الظروف والأحوال، وهذه هي روح الشريعة الإسلامية)
وظاهر من ذلك أنني لست ممن ينكرون حق المسلم في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الشريعة الإسلامية، وإنني لست ممن يغالون في منع التعدد لأي سبب من الأسباب، وكل ما هنالك أنني أرى في ظروف مصر الحاضرة ما يجعل حظر التزوج بأكثر من واحدة من الأمور المرغوب فيها لإصلاح المجتمع وتثبيت دعائم الأسرة المصرية.
أما في موضوع الطلاق، فإنني على رأيي من أنه يجب أن يتم في حضرة القاضي على أن يكون القاضي ملزماً بالحكم به بعد أن يعجز عن التوفيق بين الزوجين. لقد كان القدامى يعرفون قيمة الكلمة، أما اليوم وقد انحلت الأخلاق، فقد أصبح من الواجب ألا نجعل انحلال الأسرة وقفاً على كلمة يقولها شخص ما في حالة غضب أو نزق، وأحسب أن الشريعة الإسلامية التي تقرر أن أبغض الحلائل عند الله الطلاق، لا تأبى بحال من الأحوال أن يكون الطلاق على يد القاضي
وأنتهز هذه الفرصة لأقدم لفضيلتكم وافر شكري وتقديري، وتفضلوا بقبول عظيم احترامي.
أحمد حسين
إلى الأستاذ الكبير الشيخ محمود أبو العيون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد، فقد طالعت ملاحظاتكم القيمة على كتابي (الزواج والمرأة). وأبادر فأشكركم على كلماتكم الرقيقة التي تفضلتم فوجهتموها إليّ ثناء على مجهودي في الكتاب، ولقد تقبلت هذه العبارات على أنها وجهت إليّ على سبيل المجاملة والتشجيع.
بقي أنكم أشرتم في رسالتكم أنكم كنتم تودون أن أبلغ نهاية الشوط مجلياً، فلا أغلو في الدعوة إلى منع تعدد الزوجات منعاً باتاً لأي سبب من الأسباب، ولاحظتم عليّ أنني أخطأت في فهم آيات القرآن، فربطت بين آيتي العدل في النكاح (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) لأصل من ذلك إلى حد كاد يلغي معه هذا الحق أصلا
وأبادر فأقول إنني ما نازعت أبداً في حق المسلم في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، ولقد قلت في بدء الفصل الخاص بتعدد الزوجات ما يأتي بالحرف الواحد: (لا جدال في أنه من حق المسلم بموجب نصوص القرآن وسنة الرسول والصحابة ما جرى عليه إجماع المسلمين في فترة من الزمان أن يتزوج أكثر من واحدة، وأن يتزوج اثنين وثلاثاً وأربعاً)
وهذه العبارة صريحة وقاطعة، فلا تحتمل شكا ولا تأويلا في أنني أعترف للمسلم في حقه في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الكتاب والسنة، ولكنني بعد ذلك رحت أبحث الكتاب من الناحية العلمية في وقتنا الحاضر، وأن التعدد في بلادنا قد أوجد مفاسد كثيرة وعمل على تفكيك روابط الأسرة إلى درجة أصبحت تهدد المجتمع المصري ما جعل الإمام المصلح الشيخ محمد عبده يدعو إلى منع تعدد الزوجات عملا بالقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار). وإذن فقد ناقشت الموضوع، لا من حيث الشريعة، ولكن من حيث الضرورات الاجتماعية في وقتنا الحاضر، واستندت فيما دعوت إليه إلى روح التشريع الإسلامي التي تهدف في هذا الأمر إلى التضييق، وتعتبر كل تقليد فيه فضيلة بحيث يمكن القول بأن تحديد الزواج بواحدة من أهم الأغراض التي تقرها الشريعة الإسلامية وتستحبها.
وقد سقت على ذلك الأدلة القاطعة التي تظهر روح الشريعة الإسلامية ورغبتها في الحد من هذا الحق واستعماله. وقد أشرت في آخر البحث إلى إمكان إعادة النظر في قانون تحديد الزواج والعودة إلى إباحة التعدد متى حتمت ذلك الضرورات الاجتماعية، فقلت بالحرف الواحد: (فإذا تخيلنا ما يشيرون إليه دائماً من حدوث نقص في عدد الرجال خطير، بحيث يصبح عددهم نصف عدد النساء، فإنه من الممكن في مثل هذه الحالة الشاذة أن يعاد النظر في قانون حظر الزواج بأكثر من واحدة. . . فليس هناك ما يمنع تطور القوانين الاجتماعية بحسب الظروف والأحوال، وهذه هي روح الشريعة الإسلامية)
وظاهر من ذلك أنني لست ممن ينكرون حق المسلم في الزواج بأكثر من واحدة بمقتضى الشريعة الإسلامية، وإنني لست ممن يغالون في منع التعدد لأي سبب من الأسباب، وكل ما هنالك أنني أرى في ظروف مصر الحاضرة ما يجعل حظر التزوج بأكثر من واحدة من الأمور المرغوب فيها لإصلاح المجتمع وتثبيت دعائم الأسرة المصرية.
أما في موضوع الطلاق، فإنني على رأيي من أنه يجب أن يتم في حضرة القاضي على أن يكون القاضي ملزماً بالحكم به بعد أن يعجز عن التوفيق بين الزوجين. لقد كان القدامى يعرفون قيمة الكلمة، أما اليوم وقد انحلت الأخلاق، فقد أصبح من الواجب ألا نجعل انحلال الأسرة وقفاً على كلمة يقولها شخص ما في حالة غضب أو نزق، وأحسب أن الشريعة الإسلامية التي تقرر أن أبغض الحلائل عند الله الطلاق، لا تأبى بحال من الأحوال أن يكون الطلاق على يد القاضي
وأنتهز هذه الفرصة لأقدم لفضيلتكم وافر شكري وتقديري، وتفضلوا بقبول عظيم احترامي.
أحمد حسين