فكر أن يقتلها ويغسل بدمائها لطخة العار التي علقت بثوب شرفه الأبيض الشفاف.
(نعم .. نعم لابد من ذلك.
سيكون قبرها في تلك الزاوية; عند التقاء الجدارين القديم والجديد; يسار النافذة المطلة علي الحديقة).
تمتم قائلا وهو يرسم أفكاره وخططه أمام المرآة المثبتة إلى الجدار; فتنعكس صورة وجهه الشاحب الحزين متكسرة علي سطح المرآه المشققة.
لطالما طرّزت بعينيها البراقتين زهور الحديقة وشاح حب; وعلقته على صدر السهم الذي اخترق قلبه يوم كانا يتقاسمان الاطلالة الساحرة ذاتها.
تحمّلت سنوات سجنه المؤبد على ذلك الكرسي المقعد بصبر أيوب. وكانت تدعو ربها في الليل والنهار لتقوى عزيمتها ولا تفتر.
رهنت الأرض والإسطبل ; باعت كل شيء. الذهب. الأثاث. السيارة; حتى ملابسها القديمة; والتي في العادة كانت تذهب صدقة لاحدى جمعيات جمع الخير من المحسنين ; حتي تلك الملابس رأس مال الجنة باعتها; ولم تبق لنفسها سوى ثوب العفة غطاء; وكانت تضعه فوق رأسها فيسبل إلى قدميها; و خاتم صغير ظل يحيط بالبنصر; ويختم علامة حبه على قشرة قلبها الصامد. باعت الغالي والرخيص لتشتري حريته من ذلك الكرسي اللعين دون جدوى. فكرت كثيرا في منفذ للهرب; وبالأخير وجدت الحل وأرادت أن تفاجئه في يومه الخاص .
من شرفته العالية رأى بداية النهاية. كانت تجالس ابن خالتها موظف البنك. رأهما بأم عينية يخططان ويرسمان. يتسامران ويضحكان لعدة شهور. كان يرى ويسمع تلك الهمهمات و الضحكات تحوم هنا وهناك حتى اكتملت فصول القصة بسفر الغيرة.
ذلك الصباح أفاق من النوم; وجدها على غير العادة ليست بجواره. وجد عطرها القديم وقد ترك آثاره معلقة بإهمال على أجواء الغرفة; و برغم افتضاحه رحل معها.
إلى أين؟
لا يعلم.
على غير عادتها لم تعد له حمام الصباح; ولا الفطور الصحي. مربى المشمش و فطيرة التفاح التي يعشقها وعصير الليمون بالنعنع. حتى أنها نسيت أن تمرر تلك الوردة الانجليزية أمام أنفه. ومن المؤكد أنها لم تضع قبلتها الدافئة فوق جبينه; فلم يلحظ أي آثر لخطوات شفتيها على صفحة جبينه.
ترأها إلى اين ذهبت ومع من تكون؟.
تساءل; وضباب الشك يغطي ذهنه بالكامل. أجابه صوت محرك سيارة موظف البنك حينما ترجلت من السيارة. رأها من النافذة تخطو بثبات المهرة يسابق ظلها عطرها الفواح من المدخل الخارجي إلى بداية الدرج. كانت تحمل بيدها وثيقة الخلاص. التحرر من عبودية الكرسي المقيتة; وحين همت بصعود الدرج لم تطق الانتظار; قذفت حبال صوتها وتسلقت لأعلى.
يا حبيي؟ اشتقت اليك. خلعت حذائها واحد عند المدخل والثاني على أولى عتبات الدرج.. ركضت بشوق المهرة البرية للسهل وكان شعرها المسدل يهفهف مع حركة الريح الخفيفة. مثلما تحمل طفلة شهادة النجاح لتفرح قلب أمها ركضت; ودفعت الباب بكل شوقها ولهفتها.
وحين دلفت للداخل; جدت الكرسي منكفيء على جانب و عجلاته تدور في الهواء.
كان ملقى علي الأرض; لونه شاحب; وجسمه بارد يقطر العرق من جبينه يرسم دروبا للرحيل على وجهه وصدره العاري.
حملته إلى السرير. جففت عرقه وأعادة ترتيب شعره.
كانت تسب وتلعن وتبكي.
(لن تموت اليوم أيها الفارس المحب الأحمق الحقير.
ليس في هذا الصباح; وأنا أحمل إليك هدية عيد ميلادك. ثمن حريتك من سجن هذا الكرسي المقيت. لم أبع عمري للأيام بثمن قيمته الأبد لتموت هكذا حزينا مثل جوادك ليل).
نشجت ومسحت دموعها.
(أتذكر ليل؟ جوادك الذي سقط من على ظهره في تلك الليلة الشاتية المشؤمة.
لم أكن أجالس ابن خالتي طيلة الشهور الفائتة; نرسم و نخطط لمساعدتي للحصول على قرض من البنك حيث يعمل لكي أحول نصف بيتنا إلى مركز كبير لتأهيل المعاقين حتي أحررك وآخرين لتأتي أنت وترحل هكذا بكل بساطة).
رفع عينيه المترقرقتين وابتسم بسخرية في وجه نجمه الغائب وغاب.
تذكّرت كل ذلك وهي تقف قبالة صورته الكبيرة المعلقة عند زاوية التقاء الجدارين القديم والجديد.
تنبهت لصوت نسائي حزين يسأل.
(هل يوجد بالمركز مكان شاغر لفارس سقط عن جواده في ليلة شتوية عاصفة؟).
(نعم .. نعم لابد من ذلك.
سيكون قبرها في تلك الزاوية; عند التقاء الجدارين القديم والجديد; يسار النافذة المطلة علي الحديقة).
تمتم قائلا وهو يرسم أفكاره وخططه أمام المرآة المثبتة إلى الجدار; فتنعكس صورة وجهه الشاحب الحزين متكسرة علي سطح المرآه المشققة.
لطالما طرّزت بعينيها البراقتين زهور الحديقة وشاح حب; وعلقته على صدر السهم الذي اخترق قلبه يوم كانا يتقاسمان الاطلالة الساحرة ذاتها.
تحمّلت سنوات سجنه المؤبد على ذلك الكرسي المقعد بصبر أيوب. وكانت تدعو ربها في الليل والنهار لتقوى عزيمتها ولا تفتر.
رهنت الأرض والإسطبل ; باعت كل شيء. الذهب. الأثاث. السيارة; حتى ملابسها القديمة; والتي في العادة كانت تذهب صدقة لاحدى جمعيات جمع الخير من المحسنين ; حتي تلك الملابس رأس مال الجنة باعتها; ولم تبق لنفسها سوى ثوب العفة غطاء; وكانت تضعه فوق رأسها فيسبل إلى قدميها; و خاتم صغير ظل يحيط بالبنصر; ويختم علامة حبه على قشرة قلبها الصامد. باعت الغالي والرخيص لتشتري حريته من ذلك الكرسي اللعين دون جدوى. فكرت كثيرا في منفذ للهرب; وبالأخير وجدت الحل وأرادت أن تفاجئه في يومه الخاص .
من شرفته العالية رأى بداية النهاية. كانت تجالس ابن خالتها موظف البنك. رأهما بأم عينية يخططان ويرسمان. يتسامران ويضحكان لعدة شهور. كان يرى ويسمع تلك الهمهمات و الضحكات تحوم هنا وهناك حتى اكتملت فصول القصة بسفر الغيرة.
ذلك الصباح أفاق من النوم; وجدها على غير العادة ليست بجواره. وجد عطرها القديم وقد ترك آثاره معلقة بإهمال على أجواء الغرفة; و برغم افتضاحه رحل معها.
إلى أين؟
لا يعلم.
على غير عادتها لم تعد له حمام الصباح; ولا الفطور الصحي. مربى المشمش و فطيرة التفاح التي يعشقها وعصير الليمون بالنعنع. حتى أنها نسيت أن تمرر تلك الوردة الانجليزية أمام أنفه. ومن المؤكد أنها لم تضع قبلتها الدافئة فوق جبينه; فلم يلحظ أي آثر لخطوات شفتيها على صفحة جبينه.
ترأها إلى اين ذهبت ومع من تكون؟.
تساءل; وضباب الشك يغطي ذهنه بالكامل. أجابه صوت محرك سيارة موظف البنك حينما ترجلت من السيارة. رأها من النافذة تخطو بثبات المهرة يسابق ظلها عطرها الفواح من المدخل الخارجي إلى بداية الدرج. كانت تحمل بيدها وثيقة الخلاص. التحرر من عبودية الكرسي المقيتة; وحين همت بصعود الدرج لم تطق الانتظار; قذفت حبال صوتها وتسلقت لأعلى.
يا حبيي؟ اشتقت اليك. خلعت حذائها واحد عند المدخل والثاني على أولى عتبات الدرج.. ركضت بشوق المهرة البرية للسهل وكان شعرها المسدل يهفهف مع حركة الريح الخفيفة. مثلما تحمل طفلة شهادة النجاح لتفرح قلب أمها ركضت; ودفعت الباب بكل شوقها ولهفتها.
وحين دلفت للداخل; جدت الكرسي منكفيء على جانب و عجلاته تدور في الهواء.
كان ملقى علي الأرض; لونه شاحب; وجسمه بارد يقطر العرق من جبينه يرسم دروبا للرحيل على وجهه وصدره العاري.
حملته إلى السرير. جففت عرقه وأعادة ترتيب شعره.
كانت تسب وتلعن وتبكي.
(لن تموت اليوم أيها الفارس المحب الأحمق الحقير.
ليس في هذا الصباح; وأنا أحمل إليك هدية عيد ميلادك. ثمن حريتك من سجن هذا الكرسي المقيت. لم أبع عمري للأيام بثمن قيمته الأبد لتموت هكذا حزينا مثل جوادك ليل).
نشجت ومسحت دموعها.
(أتذكر ليل؟ جوادك الذي سقط من على ظهره في تلك الليلة الشاتية المشؤمة.
لم أكن أجالس ابن خالتي طيلة الشهور الفائتة; نرسم و نخطط لمساعدتي للحصول على قرض من البنك حيث يعمل لكي أحول نصف بيتنا إلى مركز كبير لتأهيل المعاقين حتي أحررك وآخرين لتأتي أنت وترحل هكذا بكل بساطة).
رفع عينيه المترقرقتين وابتسم بسخرية في وجه نجمه الغائب وغاب.
تذكّرت كل ذلك وهي تقف قبالة صورته الكبيرة المعلقة عند زاوية التقاء الجدارين القديم والجديد.
تنبهت لصوت نسائي حزين يسأل.
(هل يوجد بالمركز مكان شاغر لفارس سقط عن جواده في ليلة شتوية عاصفة؟).