02 - 12 - 1946
إلى الأستاذ علي الطنطاوي:
لشد ما تتجلى فيما تكتب غيرتك الصادقة على أن تشيع فينا الفضيلة الإسلامية في أجمل مظاهرها؛ فالتحلي بحلي الدين خلة شريفة كريمة هي أعز ما نحرص عليه. وليست المسألة يا سيدي أن مصر أو غير مصر أنكرت فضائل دينها عامدة متعمِدة، إنما هي أمراض اجتماعية نريد أن نوفق إلى علاجها، وليس المجال أن تسألني: أحرام تكشف الفتاة أم حلال؟ فما اختلفنا من قبل في حكمة الله الخالدة، وليس مناط البحث أنني راض عما أنكرت حتى يصل النقاش إلى هذه المرحلة الخطيرة.
وإنما الأمم حين تتسلط عليها أشعة الحضارة المنسابة من غيرها ممن هي أعلى شأناً وأقوى مُنه تكون في حالة أقرب إلى الخبل. فإلى أي حد تحتفظ بحضارتها القديمة، وأي قدر تأخذ من الحضارة الجديدة؟ هنا تتراقص المغريات العاجلة، والآراء السطحية وغير السطحية وهذا ما يسمى بدور الانتقال عند الأمم الحديثة حتى إذا ملكت قواها وتماسكت أعصابها عادت إلى رشدها، وأفاقت من غفلتها.
لقد لفت نظري في كلمتك الموجهة إليّ (ولا نستطيع أن نصدق، ولو أكدت القول لنا أن في الدنيا شاباً متدفق الشباب يعيش بين بنات ناضجات الأنوثة. . . إلى آخر ما قلت) ثم سقت الحديث إلى تصوير المعلمين والتلميذات تصويراً جانبياً ثم بنيت عليه أحكاماً عامة ورتبت قضايا خطيرة.
ولا يسعني إلا أن أستفتي سماحة القاضي: ما قولكم دام فضلكم في خمسة أو عشرة من الرجال ارتكبوا ذنباً في مدينة من المدن، ولم يثبت لدى القاضي ثبوتاً قطعياً أن أهل المدينة شاركوهم في هذا الذنب: أيقول القاضي سدّاً للذرائع: اذهبوا بأهل المدينة جميعاً إلى النار؟
أما الرجال في مدارس البنات العصرية فالواقع أن وزارة المعارف تنتقيهم بقدر جهدها من خيرة المعلمين ديناً وعقلاً وخلقاً وهم متزوجون في غالب الأحيان. والذي بينهم وبين التلميذات هو رسالة العلم وحدها. والرجل مضطر أن يزن سلوكه وحديثه فلو أفلتت منه كلمة تؤول تأويلاً سيئاً حذره أخوه في المدرسة وإلا أكل يوم أكل الثور الأبيض، وقد اعتادت الرياح أن تنقل كل ما يخالف الواجب والقانون إلى وزارة المعارف، وأقل ما يلقاه هذا المعلم وأمثاله أن يروا أنفسهم سريعاً في مدارس البنين النائية. هذا المعلم وأمثاله يعدهم المعلمون في مدارس البنات بُلْهاً قصار النظر. ومع ذلك فكلما اتسع التعليم العالي للبنات وتخرج العدد الكافي من مدارس المعلمات استغنى عن الرجال على التدريج.
وأقبل يا سيدي الأستاذ تحياتي وشكري لهذه الغيرة المحمودة على الدين والأخلاق. والله الهادي إلى سواء السبيل.
حسنين حسن مخلوف
المفتش بوزارة المعارف
إلى الأستاذ علي الطنطاوي:
لشد ما تتجلى فيما تكتب غيرتك الصادقة على أن تشيع فينا الفضيلة الإسلامية في أجمل مظاهرها؛ فالتحلي بحلي الدين خلة شريفة كريمة هي أعز ما نحرص عليه. وليست المسألة يا سيدي أن مصر أو غير مصر أنكرت فضائل دينها عامدة متعمِدة، إنما هي أمراض اجتماعية نريد أن نوفق إلى علاجها، وليس المجال أن تسألني: أحرام تكشف الفتاة أم حلال؟ فما اختلفنا من قبل في حكمة الله الخالدة، وليس مناط البحث أنني راض عما أنكرت حتى يصل النقاش إلى هذه المرحلة الخطيرة.
وإنما الأمم حين تتسلط عليها أشعة الحضارة المنسابة من غيرها ممن هي أعلى شأناً وأقوى مُنه تكون في حالة أقرب إلى الخبل. فإلى أي حد تحتفظ بحضارتها القديمة، وأي قدر تأخذ من الحضارة الجديدة؟ هنا تتراقص المغريات العاجلة، والآراء السطحية وغير السطحية وهذا ما يسمى بدور الانتقال عند الأمم الحديثة حتى إذا ملكت قواها وتماسكت أعصابها عادت إلى رشدها، وأفاقت من غفلتها.
لقد لفت نظري في كلمتك الموجهة إليّ (ولا نستطيع أن نصدق، ولو أكدت القول لنا أن في الدنيا شاباً متدفق الشباب يعيش بين بنات ناضجات الأنوثة. . . إلى آخر ما قلت) ثم سقت الحديث إلى تصوير المعلمين والتلميذات تصويراً جانبياً ثم بنيت عليه أحكاماً عامة ورتبت قضايا خطيرة.
ولا يسعني إلا أن أستفتي سماحة القاضي: ما قولكم دام فضلكم في خمسة أو عشرة من الرجال ارتكبوا ذنباً في مدينة من المدن، ولم يثبت لدى القاضي ثبوتاً قطعياً أن أهل المدينة شاركوهم في هذا الذنب: أيقول القاضي سدّاً للذرائع: اذهبوا بأهل المدينة جميعاً إلى النار؟
أما الرجال في مدارس البنات العصرية فالواقع أن وزارة المعارف تنتقيهم بقدر جهدها من خيرة المعلمين ديناً وعقلاً وخلقاً وهم متزوجون في غالب الأحيان. والذي بينهم وبين التلميذات هو رسالة العلم وحدها. والرجل مضطر أن يزن سلوكه وحديثه فلو أفلتت منه كلمة تؤول تأويلاً سيئاً حذره أخوه في المدرسة وإلا أكل يوم أكل الثور الأبيض، وقد اعتادت الرياح أن تنقل كل ما يخالف الواجب والقانون إلى وزارة المعارف، وأقل ما يلقاه هذا المعلم وأمثاله أن يروا أنفسهم سريعاً في مدارس البنين النائية. هذا المعلم وأمثاله يعدهم المعلمون في مدارس البنات بُلْهاً قصار النظر. ومع ذلك فكلما اتسع التعليم العالي للبنات وتخرج العدد الكافي من مدارس المعلمات استغنى عن الرجال على التدريج.
وأقبل يا سيدي الأستاذ تحياتي وشكري لهذه الغيرة المحمودة على الدين والأخلاق. والله الهادي إلى سواء السبيل.
حسنين حسن مخلوف
المفتش بوزارة المعارف