الساعة الثالثة ليلاً... جلس ملفوفًا بالظلام... يااااه أربعون عامًا مرت عليه وهو على هذه الحال، عمل بالنهار وقليل من النوم، وترقب بالليل... أربعون عامًا لم تمح من ذاكرته تلك الحادثة التى أفضت به إلى هذه الحال... أربعون عامًا يرتاب فى وجه كل غريب يراه، فإن هو نسى فكيف ينسون؟
رحمة الله عليك يا أبى... لعنة الله عليك يا أبى... ياااه لا أدرى أأدعو لأبى أم أدعو عليه.. أنت السبب فيما أُلتُ إليه، لو لم تفعل فعلتك فى ذلك الزمن السحيق لما كنت فيما أنا فيه الآن... ولكن ألتمس لك العذر كلما تذكرت أن حبك لى هو السبب، أخذتك الحميّة على عندما صفع جارنا ابنك الوحيد أمام عينيك ونحن نفرق حدَّ الغيط بيننا وبينه، أذكر جيدًا كيف أنك جعلت البلطة فى مفرق رأسه.. الدم الذى تطاير من تحت عمامته.. ترنحه قبل أن يخر صريعًا، ولولا لطف الله لكنت اليوم فى عِداد الأموات...
يومها خرجت من البلدة مترقبًا بعد أن جروك إلى السجن وأنت ما بين الأمر والرجاء تطلب منى الرحيل من البلدة بسرعة قبل أن يعود أبناء القتيل من كلياتهم وأعمالهم فى القاهرة، فينقموا منى... كانت ليلة حالكة السواد لن أنساها فى حياتى... الدموع فى عيون أمى التى رأيت شعرها لأول مرة منفوشا تصرخ: "يا خراب بيتك يا فتحية".. وجنات أخواتى التى تخضبت بالحمرة من أثر اللطم.
خرجت هائمًا فى الزراعات لا أدرى لى وجهة، تذكرت صديقى الحميم الذى تبادلنا أنا وهو الزيارات فى فترة الجامعة... قررت الذهاب إليه علّه يساعدنى على وجود مخرج من هذه الورطة، كان كريمًا معى إلى أبعد الحدود آوانى عنده كضيف شهرًا واثنين... طال الحال... ربت على كتفى وأخد بيدى حتى استطعت أن أستوعب الأمر الواقع... استأجر لى قطعة أرض على مساحة لا بأس بها، كما استأجر لى منزلا ببعض المال الذى جلبته معى عندما هربت... همس فى أذني: لن تستطيع البقاء دون زوجة، زوّجنى أخته التى توفى زوجها فى حادث عمله بالقاهرة قبل أن ينجبا أبناء، أغدقت على من عطفها وأنجبنا ثلاثة أبناء لا يعرفون لهم جدًّا ولا جدةً ولا أعمامًا.
كانت عيناه قد ارتختا قليلاً، أخرجه من استغراقه فجاءة صوت «تكتكة» قطع السكون الشديد، جعله يصحو ممسكًا ببندقيته حتى أطمأن أنها ليست أصوات رصاصات، تنصت حتى عرف مصدرها... على حذر وبتريث شديدين أوقد المصباح... نظر من شيش الشباك، الشارع كالح الظلام... شبح يجلس على قدميه فى وضع قضاء الحاجة تحت الحائط المواجه للشباك...
آآآه.. كثر الأغراب فى هذه القرية فى السنوات الأخيرة، خاصة فى هذه الأيام مع عودة الشباب المغترب للاحتفال بالعيد مع ذويهم... آآآه لعلها فرصته المواتية للثأر منى هذه الأيام فى غمرة الفرحة بالعيد... آآآه الثأر لا يسقط بالتقادم ولو بعد أربعين عامًا... تنقل الشبح فى جلسته على نفس الهيئة، نقل هو عينيه معه، تأكد أن بندقيته «معمّرة»، انتصب الشبح واقفًا رافعًا بدا فى الظلام عملاقًا، دفع هو درفة الشباك وبسرعة أطلق الرصاص... ومع أول صرخة خرجت من القتيل كان هو يرد عليه: ولدى ى ى ى ى.
رحمة الله عليك يا أبى... لعنة الله عليك يا أبى... ياااه لا أدرى أأدعو لأبى أم أدعو عليه.. أنت السبب فيما أُلتُ إليه، لو لم تفعل فعلتك فى ذلك الزمن السحيق لما كنت فيما أنا فيه الآن... ولكن ألتمس لك العذر كلما تذكرت أن حبك لى هو السبب، أخذتك الحميّة على عندما صفع جارنا ابنك الوحيد أمام عينيك ونحن نفرق حدَّ الغيط بيننا وبينه، أذكر جيدًا كيف أنك جعلت البلطة فى مفرق رأسه.. الدم الذى تطاير من تحت عمامته.. ترنحه قبل أن يخر صريعًا، ولولا لطف الله لكنت اليوم فى عِداد الأموات...
يومها خرجت من البلدة مترقبًا بعد أن جروك إلى السجن وأنت ما بين الأمر والرجاء تطلب منى الرحيل من البلدة بسرعة قبل أن يعود أبناء القتيل من كلياتهم وأعمالهم فى القاهرة، فينقموا منى... كانت ليلة حالكة السواد لن أنساها فى حياتى... الدموع فى عيون أمى التى رأيت شعرها لأول مرة منفوشا تصرخ: "يا خراب بيتك يا فتحية".. وجنات أخواتى التى تخضبت بالحمرة من أثر اللطم.
خرجت هائمًا فى الزراعات لا أدرى لى وجهة، تذكرت صديقى الحميم الذى تبادلنا أنا وهو الزيارات فى فترة الجامعة... قررت الذهاب إليه علّه يساعدنى على وجود مخرج من هذه الورطة، كان كريمًا معى إلى أبعد الحدود آوانى عنده كضيف شهرًا واثنين... طال الحال... ربت على كتفى وأخد بيدى حتى استطعت أن أستوعب الأمر الواقع... استأجر لى قطعة أرض على مساحة لا بأس بها، كما استأجر لى منزلا ببعض المال الذى جلبته معى عندما هربت... همس فى أذني: لن تستطيع البقاء دون زوجة، زوّجنى أخته التى توفى زوجها فى حادث عمله بالقاهرة قبل أن ينجبا أبناء، أغدقت على من عطفها وأنجبنا ثلاثة أبناء لا يعرفون لهم جدًّا ولا جدةً ولا أعمامًا.
كانت عيناه قد ارتختا قليلاً، أخرجه من استغراقه فجاءة صوت «تكتكة» قطع السكون الشديد، جعله يصحو ممسكًا ببندقيته حتى أطمأن أنها ليست أصوات رصاصات، تنصت حتى عرف مصدرها... على حذر وبتريث شديدين أوقد المصباح... نظر من شيش الشباك، الشارع كالح الظلام... شبح يجلس على قدميه فى وضع قضاء الحاجة تحت الحائط المواجه للشباك...
آآآه.. كثر الأغراب فى هذه القرية فى السنوات الأخيرة، خاصة فى هذه الأيام مع عودة الشباب المغترب للاحتفال بالعيد مع ذويهم... آآآه لعلها فرصته المواتية للثأر منى هذه الأيام فى غمرة الفرحة بالعيد... آآآه الثأر لا يسقط بالتقادم ولو بعد أربعين عامًا... تنقل الشبح فى جلسته على نفس الهيئة، نقل هو عينيه معه، تأكد أن بندقيته «معمّرة»، انتصب الشبح واقفًا رافعًا بدا فى الظلام عملاقًا، دفع هو درفة الشباك وبسرعة أطلق الرصاص... ومع أول صرخة خرجت من القتيل كان هو يرد عليه: ولدى ى ى ى ى.