تعالت أصوات زوجة الابن في غابة ظلماء، البقاء فيها للأقوى، اصطدمت غيومها السوداء صانعة رعدا أصم المكان، ومابقي فيه سوى صوت متحشرج لعجوز فقدت القدرة على الحراك، سلبها الزمان قوتها على السير....تركها فريسة الألم...العجز، والحزن
.... "فليغضب الله عليك وعلى ولدي...هذا الجدار الأسود الأصم" وخانتها كلماتها...وتسارعت العبرات تتسابق على وجنتيها
... " اخرجي أيتها الشمطاء...يكفينا منك ذاك الوقت الطويل"
وسارع ولدها يحملها بين يدين جافتين...قاسيتين...خشب مسندة على جسد. وقذف بها في سيارة جاره:
خذها إلى بيت أخي، فنحن في أول الشهر الثالث، موعد زيارة أمه له...
نظرت عينا أمه مودعة بيتها... بيتها الذي بنت حجارته بيديها، وتوطنت أنفاسها بين زواياه... وسمع على مدى العمر بث شكواها... ومنع عن الناس رؤية ماقاسته بعد وفاة والدهم في تربيتهم، هو وإخوته... خبأ عنهم جوعها، تعبها، ألمها ودمعها... والآن ... وبعد زواج ولدها الصغير... آخر العنقود... من فرحت الدنيا لقدومه، وأشرقت الأرض بأزاهير الفرح لرؤية وجهه.... من ضحكت الأيدي لتتعب، وتسقي تربة عوده الغض ليكبر، ويترعرع ، ويزهر...لكن زهره يحمل شوكا قاتلا... سما زعافا... يطرحه في اليد التي امتدت لترعاه... يقف خانعا لاعتراض زوجته لبقاء أمه معهم، بعد المرض الذي ألم بها... وعجز قدميها عن حمل جسدها... فقرر أن يربط فوهة الجعبة التي وضع أمه فيها، ويضع معها بقايا الإنسانية الضائعة... كل مايذكره بأنه إنسان... الشفقة، الرحمة، رد الجميل، العطف والوفاء. ... ويرمي بهافي السيارة مع بضع من حوائجها الخاصة....
تمشي السيارة، وعيون العجوز تتجمد في المكان .... وداع مرير بدون كلمات... عناق بين عينيها وروح بيتها .... وتبتعد السيارة .... وتلف الزوجة زوجها بغنج وتمايل، وتدخل البيت ... تدور سيارة العجوز في باحات المدينة، تنظر فتتعجب لكل شيء حولها... بدا المكان غريبا عن ناظريها، كأنها أول مرة ترى فيها مدينتها....وتصل لبيت ولدها الأوسط، ينزل صاحب السيارة، ويقرع الباب.... يقرعه مرارا وتكرارا...لكن أحدا لم يفتح الباب، على الرغم من علمهم بقدومها!!! ينظر السائق إلى العجوز حائرا.... ريح قوية تعصف بالمكان......
* نقلا عن نادي القصة السعودي
.... "فليغضب الله عليك وعلى ولدي...هذا الجدار الأسود الأصم" وخانتها كلماتها...وتسارعت العبرات تتسابق على وجنتيها
... " اخرجي أيتها الشمطاء...يكفينا منك ذاك الوقت الطويل"
وسارع ولدها يحملها بين يدين جافتين...قاسيتين...خشب مسندة على جسد. وقذف بها في سيارة جاره:
خذها إلى بيت أخي، فنحن في أول الشهر الثالث، موعد زيارة أمه له...
نظرت عينا أمه مودعة بيتها... بيتها الذي بنت حجارته بيديها، وتوطنت أنفاسها بين زواياه... وسمع على مدى العمر بث شكواها... ومنع عن الناس رؤية ماقاسته بعد وفاة والدهم في تربيتهم، هو وإخوته... خبأ عنهم جوعها، تعبها، ألمها ودمعها... والآن ... وبعد زواج ولدها الصغير... آخر العنقود... من فرحت الدنيا لقدومه، وأشرقت الأرض بأزاهير الفرح لرؤية وجهه.... من ضحكت الأيدي لتتعب، وتسقي تربة عوده الغض ليكبر، ويترعرع ، ويزهر...لكن زهره يحمل شوكا قاتلا... سما زعافا... يطرحه في اليد التي امتدت لترعاه... يقف خانعا لاعتراض زوجته لبقاء أمه معهم، بعد المرض الذي ألم بها... وعجز قدميها عن حمل جسدها... فقرر أن يربط فوهة الجعبة التي وضع أمه فيها، ويضع معها بقايا الإنسانية الضائعة... كل مايذكره بأنه إنسان... الشفقة، الرحمة، رد الجميل، العطف والوفاء. ... ويرمي بهافي السيارة مع بضع من حوائجها الخاصة....
تمشي السيارة، وعيون العجوز تتجمد في المكان .... وداع مرير بدون كلمات... عناق بين عينيها وروح بيتها .... وتبتعد السيارة .... وتلف الزوجة زوجها بغنج وتمايل، وتدخل البيت ... تدور سيارة العجوز في باحات المدينة، تنظر فتتعجب لكل شيء حولها... بدا المكان غريبا عن ناظريها، كأنها أول مرة ترى فيها مدينتها....وتصل لبيت ولدها الأوسط، ينزل صاحب السيارة، ويقرع الباب.... يقرعه مرارا وتكرارا...لكن أحدا لم يفتح الباب، على الرغم من علمهم بقدومها!!! ينظر السائق إلى العجوز حائرا.... ريح قوية تعصف بالمكان......
* نقلا عن نادي القصة السعودي