لا تخلو أمة من الأمم في كل العصور من وجود شخصية المهرج بها فهو الذي يسري عن الناس بنكاته ومواقفه الطريفة ، ويقبل الناس منه -في أقواله وأفعاله- ما لا يقبلونه من غيره ، والشعوب الي لم تعرف المسرح قديما كالعرب كان المهرج هو البديل لهم عنه ،فهو يقوم بتأليف المواقف الطريفة ويمثلها وحده أو بالاشتراك مع غيره ولا يمل الناس من سماع نوادره وتعليقاته الطريفة ومن تقليده لشخصيات من الناس ومن عبثه بشكله لإضحاك غيره -وقد درست هذه الشخصية عند العرب في كتابي شخصية المضحك عند العرب حتى نهاية حكم المتوكل -
ولم أر هذه الشخصية فيما قرأته من مسرحيات وصلتنا عن الإغريق ومع ذلك فأنا أظن أنهم شخوصها في بعض المسرحيات خاصة أنه لم يصلنا من مسرحيات الإغريق غير القليل منها
وفي الكوميديا ديلارتي في إيطاليا في القرن الرابع عشر وما بعده نرى هذه الشخصية حاضرة بقوة مع شخصيات أخرى فكاهية
وفي مسرح شكسبير في العصر الإليزابيثي نرى هذه الشخصية موجودة في كوميدياته وتراجيدياته وهي في كوميدياته تقوم بدور تهريجي ولكنها في تراجيدياته تقوم بتخفيف حدة المأساة بها من خلال نكات المهرج وتعليقاته الطريفة التي يحمل بعضها موقفا فكريا من الحياة كما نرى المهرج صديق الملك لير في مسرحية الملك لير
ولم أر هذه الشخصية فيما قرأته من مسرحيات موليير وأرى أن موليير لم يكن بحاجة لتجسيد هذه الشخصية في مسرحياته فأبطال مسرحياته فيهم نزعة التهريج لأنهم أنماط ذوو سلوك متطرف يثير الفكاهة كالبخيل والمدعي والمتحذلق ، ومع ذلك فأنا أرى أن سجاناريل في مسرحية الطبيب رغم أنفه أقرب للمهرج في تصرفاته وأقواله وكذلك شخصية سكابان في مسرحية مقالب سكابان
وفي المسرح القديم كان دور المهرج ثانويا به وغالبا ما يظهر فيه للإضحاك من أجل الإضحاك ولكن المهرج في المسرح الحديث اختلف دوره فيه لقد صار بطلا في كثير من المسرحيات المعاصرة واهتم المؤلفون بتصوير معاناة الإنسان في هذا العصر من خلاله كما نرى في مسرحية المهرج ( أو المسامر) لجون أوزبورن فهو فيها إنسان يعاني من أوضاع كثيرة، فهو يتلهف على معرفة حال ابنه في حرب يشارك فيها خارج وطنه ويعلم في آخر المسرحية أنه مات ، وكذلك هو يصارع عصره الذي غذاه التليفزيون والسينما وأصبح الاهتمام بأمثاله ضعيفا وهو يجاهد للإبقاء على فنه
وقد تأثر يوسف إدريس في مسرحية البهلوان بهذه المسرحية فأسلوب بناء المسرحيتين متشابه ففيهما حدث درامي عن معاناة المهرج في حياته وخلال تصوير هذا الحديث يتم تقطيعه بعرض بعض فنون المهرج
وأيضا من المسرحيات التي جسدت المهرج في المسرح الحديث مسرحية أسكوريال لميشيل ديجلدرود وفيها يصور لنا المؤلف المهرج شخصا لا يسلي من حوله بنكاته بل بتعذيبه حتى الموت-أي تعذيب المهرج- إنها نظرة غريبة لدور المهرج في هذا العصر من قبل المؤلف الذي يراه عصرا عبثيّا
وفي المسرح العربي الحديث نرى شخصية المهرج عرضت به بأكثر من صورة فقد صورت بشكل يعيد علينا صورة المهرج كما كان عند العرب في العصر العباسي كما نرى في مسرحية ( أبو دلامة مضحك الخليفة) لعلي أحمد باكثير وأيضا عرضت بشكل قريب من عرض شكسبير لها في تراجيدياته في تخفيفها لحدة المأساة كما نرى في مسرحية الساحر الذي قام بدور المهرج في مسرحية قمبيز لأحمد شوقي
وهناك مسرحيات عربية عرضت فيها شخصية المهرج على أنه مفكر ومعلق على الأحداث مثلما نرى شخصية المهرج في مسرحية عريس لبنت السلطان لمحفوظ عبد الرحمن وشخصية بهلول المهرج في مسرحية الرجل الذي يريد أن يضحك لوحيد حامد
وهناك مسرحيات عربية تم تصوير شخصية المهرج فيها مثلما نرى صورته في المسرح العالمي في العصر الحديث فهو شخص يعبر عن قلق الإنسان المعاصر من خلال عرض أزماته كما نرى في مسرحية البهلوان ليوسف إدريس
ومسرحية البهلوان ليوسف إدريس هي -في رأيي -أفضل مسرحياته بل هي من أفضل المسرحيات العربية ، ولهذا فأنا أراها أفضل من مسرحية الفرافير له التي كثر الجدل عنها لما ذكره يوسف إدريس في ثلاث مقالات كتبها عنها في أنها كتبت بشكل مسرحي مستوحى من تراثنا ، وكنت قد ذكرت في مقال سابق لي عن هذه المسرحية أن يوسف إدريس استلهم في طريقة كتابتها بعض أساليب العبثيين في مسرحياتهم وكذلك استلهم فيها بعض خصائص المسرح الملحمي ،وفِي هذه المسرحية مواقف كثيرة فيها خطابية ومباشرة مما يقربها مما يطلق عليه مسرح الكباريه السياسي
أما مسرحية البهلوان فهي أشد إحكاما في بنائها وفِي رسم شخصية بطلها الأساسي حسن المهيلمي من مسرحية الفرافير
وحقيقة لقد قرأت هذه المسرحية وشاهدت عرضها الذي قام ببطولته الفنان المبدع يحيي الفخراني عدة مرات واستمعت بها في كل مرة أقرؤها أو أشاهدها ، وانتهيت لما قلته من قبل بأن هذه المسرحية من أهم المسرحيات العربية
وتصور المسرحية مشكلة رئيس تحرير جريدة الزمن حسن المهيلمي فهو يحب الكرسي الذي يجلس عليه ولكي يحافظ على جلوسه عليه نراه يتنفس كذبا ونفاقا ويتلون مع تغير رؤساء مجلس إدارة هذه الجريدة الكبيرة ،ولأن في داخله جزءا لا يرضى بتصرفاته هذه وبدأ يؤرقه فلهذا قرر أن يخرج كل الصراحة التي لديه ولكن دون أن يعرض نفسه للمساءلة ودون أن يفقد كرسي رئيس التحرير الذي يعشقه فلهذا ذهب للسيرك المصري العالمي مرتديا ماسك مهرج وعمل فيه مهرجا وهناك في السيرك وخلف قناع المهرج أخرج كل الصراحة التي كادت تخنقه لو لم يخرجها ونقد كل الشخصيات التي يتملقها في واقعه ،ومن الغريب أنه بوجهه الحقيقي لا يستطيع أن يواجه الناس بهذه الصراحة وإلا فقد منصبه وحسن علاقته بهم ولكنه حين يتخفى خلف قناعه ينقدهم كما يشاء وبهذا وصل لمرحلة التوازن التي كان يبحث عنها وأرضى الجزء المضيء في نفسه الذي كان يرفض سلوكه المنحرف في حياته بين الكذب والنفاق
و تعرف زوجته أمره وتذهب إليه في السيرك وتراه مع لاعبة السيرك ميرفت- التي كانت تحبه دون أن ترى وجهه-وهي تقبل قفاه فتغضب وتفضحه في الصحف
وفي الوقت نفسه يكون الغرباوي رئيس مجلس إدراة جريدة الزمن الجديد قد كشفه للناس حين تركه يهاجم الرئيس الس
ولم أر هذه الشخصية فيما قرأته من مسرحيات وصلتنا عن الإغريق ومع ذلك فأنا أظن أنهم شخوصها في بعض المسرحيات خاصة أنه لم يصلنا من مسرحيات الإغريق غير القليل منها
وفي الكوميديا ديلارتي في إيطاليا في القرن الرابع عشر وما بعده نرى هذه الشخصية حاضرة بقوة مع شخصيات أخرى فكاهية
وفي مسرح شكسبير في العصر الإليزابيثي نرى هذه الشخصية موجودة في كوميدياته وتراجيدياته وهي في كوميدياته تقوم بدور تهريجي ولكنها في تراجيدياته تقوم بتخفيف حدة المأساة بها من خلال نكات المهرج وتعليقاته الطريفة التي يحمل بعضها موقفا فكريا من الحياة كما نرى المهرج صديق الملك لير في مسرحية الملك لير
ولم أر هذه الشخصية فيما قرأته من مسرحيات موليير وأرى أن موليير لم يكن بحاجة لتجسيد هذه الشخصية في مسرحياته فأبطال مسرحياته فيهم نزعة التهريج لأنهم أنماط ذوو سلوك متطرف يثير الفكاهة كالبخيل والمدعي والمتحذلق ، ومع ذلك فأنا أرى أن سجاناريل في مسرحية الطبيب رغم أنفه أقرب للمهرج في تصرفاته وأقواله وكذلك شخصية سكابان في مسرحية مقالب سكابان
وفي المسرح القديم كان دور المهرج ثانويا به وغالبا ما يظهر فيه للإضحاك من أجل الإضحاك ولكن المهرج في المسرح الحديث اختلف دوره فيه لقد صار بطلا في كثير من المسرحيات المعاصرة واهتم المؤلفون بتصوير معاناة الإنسان في هذا العصر من خلاله كما نرى في مسرحية المهرج ( أو المسامر) لجون أوزبورن فهو فيها إنسان يعاني من أوضاع كثيرة، فهو يتلهف على معرفة حال ابنه في حرب يشارك فيها خارج وطنه ويعلم في آخر المسرحية أنه مات ، وكذلك هو يصارع عصره الذي غذاه التليفزيون والسينما وأصبح الاهتمام بأمثاله ضعيفا وهو يجاهد للإبقاء على فنه
وقد تأثر يوسف إدريس في مسرحية البهلوان بهذه المسرحية فأسلوب بناء المسرحيتين متشابه ففيهما حدث درامي عن معاناة المهرج في حياته وخلال تصوير هذا الحديث يتم تقطيعه بعرض بعض فنون المهرج
وأيضا من المسرحيات التي جسدت المهرج في المسرح الحديث مسرحية أسكوريال لميشيل ديجلدرود وفيها يصور لنا المؤلف المهرج شخصا لا يسلي من حوله بنكاته بل بتعذيبه حتى الموت-أي تعذيب المهرج- إنها نظرة غريبة لدور المهرج في هذا العصر من قبل المؤلف الذي يراه عصرا عبثيّا
وفي المسرح العربي الحديث نرى شخصية المهرج عرضت به بأكثر من صورة فقد صورت بشكل يعيد علينا صورة المهرج كما كان عند العرب في العصر العباسي كما نرى في مسرحية ( أبو دلامة مضحك الخليفة) لعلي أحمد باكثير وأيضا عرضت بشكل قريب من عرض شكسبير لها في تراجيدياته في تخفيفها لحدة المأساة كما نرى في مسرحية الساحر الذي قام بدور المهرج في مسرحية قمبيز لأحمد شوقي
وهناك مسرحيات عربية عرضت فيها شخصية المهرج على أنه مفكر ومعلق على الأحداث مثلما نرى شخصية المهرج في مسرحية عريس لبنت السلطان لمحفوظ عبد الرحمن وشخصية بهلول المهرج في مسرحية الرجل الذي يريد أن يضحك لوحيد حامد
وهناك مسرحيات عربية تم تصوير شخصية المهرج فيها مثلما نرى صورته في المسرح العالمي في العصر الحديث فهو شخص يعبر عن قلق الإنسان المعاصر من خلال عرض أزماته كما نرى في مسرحية البهلوان ليوسف إدريس
ومسرحية البهلوان ليوسف إدريس هي -في رأيي -أفضل مسرحياته بل هي من أفضل المسرحيات العربية ، ولهذا فأنا أراها أفضل من مسرحية الفرافير له التي كثر الجدل عنها لما ذكره يوسف إدريس في ثلاث مقالات كتبها عنها في أنها كتبت بشكل مسرحي مستوحى من تراثنا ، وكنت قد ذكرت في مقال سابق لي عن هذه المسرحية أن يوسف إدريس استلهم في طريقة كتابتها بعض أساليب العبثيين في مسرحياتهم وكذلك استلهم فيها بعض خصائص المسرح الملحمي ،وفِي هذه المسرحية مواقف كثيرة فيها خطابية ومباشرة مما يقربها مما يطلق عليه مسرح الكباريه السياسي
أما مسرحية البهلوان فهي أشد إحكاما في بنائها وفِي رسم شخصية بطلها الأساسي حسن المهيلمي من مسرحية الفرافير
وحقيقة لقد قرأت هذه المسرحية وشاهدت عرضها الذي قام ببطولته الفنان المبدع يحيي الفخراني عدة مرات واستمعت بها في كل مرة أقرؤها أو أشاهدها ، وانتهيت لما قلته من قبل بأن هذه المسرحية من أهم المسرحيات العربية
وتصور المسرحية مشكلة رئيس تحرير جريدة الزمن حسن المهيلمي فهو يحب الكرسي الذي يجلس عليه ولكي يحافظ على جلوسه عليه نراه يتنفس كذبا ونفاقا ويتلون مع تغير رؤساء مجلس إدارة هذه الجريدة الكبيرة ،ولأن في داخله جزءا لا يرضى بتصرفاته هذه وبدأ يؤرقه فلهذا قرر أن يخرج كل الصراحة التي لديه ولكن دون أن يعرض نفسه للمساءلة ودون أن يفقد كرسي رئيس التحرير الذي يعشقه فلهذا ذهب للسيرك المصري العالمي مرتديا ماسك مهرج وعمل فيه مهرجا وهناك في السيرك وخلف قناع المهرج أخرج كل الصراحة التي كادت تخنقه لو لم يخرجها ونقد كل الشخصيات التي يتملقها في واقعه ،ومن الغريب أنه بوجهه الحقيقي لا يستطيع أن يواجه الناس بهذه الصراحة وإلا فقد منصبه وحسن علاقته بهم ولكنه حين يتخفى خلف قناعه ينقدهم كما يشاء وبهذا وصل لمرحلة التوازن التي كان يبحث عنها وأرضى الجزء المضيء في نفسه الذي كان يرفض سلوكه المنحرف في حياته بين الكذب والنفاق
و تعرف زوجته أمره وتذهب إليه في السيرك وتراه مع لاعبة السيرك ميرفت- التي كانت تحبه دون أن ترى وجهه-وهي تقبل قفاه فتغضب وتفضحه في الصحف
وفي الوقت نفسه يكون الغرباوي رئيس مجلس إدراة جريدة الزمن الجديد قد كشفه للناس حين تركه يهاجم الرئيس الس