فنون بصرية خيرة جليل - جسد المرأة في أبعاده السيميائية بأعمال التشكيلي مصطفى بن مالك... من كتاب سيميائية التشكيل من النظرية الى التطبيق

المقاربة السيميوطيقية تتعامل مع المنتوج الانساني ، باعتباره علامات، وإشارات، ورموزا، وأيقونات،واستعارات، ومخططات. ومن ثم، لا بد من دراسة هذه الإنتاجات الإبداعية والأنشطة الإنسانية تحليلا وتأويلا من خلال ثلاثة مستويات منهجية سيميوطيقية، ويمكن حصرها في: البنية، والدلالة، والوظيفة. وبما أن التشكيل كلغة بصرية كونية باختلاف أشكاله إلا نصا بصريا يحتاج للتأمل والتفكيك والتأويل.... بشكل سميائي حتى نقف على عتبات الإنزياح الفني الفعلي لدى أي فنان باختلاف مرجعيته الفكرية....فكيف نقف على كل هذه الحيثيات في أعمال الفنان التشكيلي مصطفى بنمالك ابن مدينة الصويرة وبالضبط بإحدى الدواوير التابعة لها؟ لكنه في نفس الوقت منفتح على جميع الدول عالميا بحكم أن مدينة الصويرة مهد مهرجان الموسيقى الكناوية والمواسيم الدينية للجالية اليهودية والسياح الأوربيين الذين يأتون لركوب الأمواج....
في مجمل أعماله، المرأة حاضرة بوضوح وبجرأة كبيرة، بل أن جل النساء هن أيقونات بشرية تفتقد خصائصها البشرية لكنها بأجساد نسائية واضحة الأعضاء والشكل والأنوثة ، وهي إما بألوان سوداء استعارة إلى النساء الشيطانية الفكر أو بألوان زرقاء ككائنات فضائية تدخل حياة الشخص وتحدث بها مغص واضطرابات، أو أجساد في تماثل متكرر لأيقونات نسائية لها نفس الألوان والقياس الطولي والجسدي المتكرر، بحيث يصعب التمييز بينها وهذا رمزية لاختلاط الأمور عليه بحيث لم يستطع التمييز بين الصادقات و بين غير الواضحات في معاملاتهن معه . وهذا يعني في حد ذاته اغتراب وعدم استقلالية الإنسان المعاصر الذي أضحى عبدا لوسائل التواصل الحديثة و في قمة العزلة . وقد تعامل بسلاسة مع الشكل الفني ولم يفرغه من محتواه الدلالي بل جعله أكثر عمقا في عملية تبسيطه . فضاءاته التشكيلية بخلفيات لونية قوية ، تجعل انبثاق هذه الأشكال من وسطها له بعد فكري . ، يستمد رموزه من الموروث الفني الشعبي لمنطقته بحكم عيشه بمدينة الرياح و الفن الفطري بامتياز و موسقى كناوة وما لهما ممن تأثير لايمكن إغفاله في الموروث الثقافي المغربي عامة والمجتمع الصويري المنفتح على كل سياح العالم باختلاف مرجعياتهم الفكرية والدينية الاسلامية والمسيحية واليهودية. سعى الفنان جاهدا لاحتضان الكل والتعامل معه بحكمة وتسامح مما منحه القوة للانتقال من فضاءات تشكيلية فطرية إلى أخرى تجريدية متنوعة لا يمكن الحسم فيها بنمط معين فتارة هي تجريدية رمزية وتارة أخرى حركية يمزج فيها بين الأصباغ الزيتية والأكريليك بتحكم واضح وسلاسلة ، ليصبح الحاضرون مجرد ظلال لأشخاص مجهولي الملامح ومتمردي الروح . بل مجرد أيقونات فطرية متشابهة القياس والألوان وتفقد تميزها أو خصوصياتها الملموسة في أرض الواقع مما يجعل اللوحة تصبح فضاء اجتماعيا افتراضيا . اعماله الفنية إحدى همومه اليومية وهموم المجتمعات المغربية ككل. وهو بذلك يدق ناقوس خطر الاستلاب الذاتي والروحي أمام التكنولوجية الحديثة التي حولت الحياة لغابة بشرية تفتقر لأبسط ملامح الحياة الإنسانية، ويصبح الآخر للذات المبدعة مجرد كائن ينتظر الفرصة السانحة له ليفتك به في غياب كلي للضمير والقيم الجمالية أو الفكرية الإنسانية.
التشكيلي في تحريكه للكتلة اللونية بجميع أعماله تعامل مع جميع الألوان راكبا موجة التحدي، و يحركها حسب أضواء أفكاره وليس حسب مصدر الضوء الطبيعي ليتمتع بذلك .ألوانه تختلف درجة قتامتها أو انفتاحها حسب المواضيع التي يريد معالجتها ، ونلمس أن فيها لمسة من لمسات الفنانة العالمية الشعيبية طلال من حيث ترميز الوجوه بألوان متعددة وضربات الفرشاة لديه تختلف قوتها حسب انفعالاته النفسية التي يترجمها بمساحات كبيرة واخرى صغيرة. أما في بعض الأعمال الفنية الأخرى تكون خفيفة في مداعبة الألوان التي تعج بالحركة وغياب الخيط المنطقي الرابط فيما بينها لكن معظم أعماله الناجحة والتي لقيت اقبالا كبيرا سواء داخل المغرب وخارجه بفرنسا هي اعمال تعتمد على التناقض التام بما في ذلك الأبيض والأسود .
الفنان يحسم أنه في البصري و المنافذ الحسية، تو ضع الذات في مقابل ما يأتيها من خارجها في استقلال عما يمكن أن تقوله اللغة أو توحي به، فالعين تذهب إلى موضوع نظرتها متحررة من كل أغطية الوجود سوى غطاء النظرة فيها. ولا يمكننا أن نصف هذه التجربة إلا من خلال العودة بها إلى ما يرسم حدودها ضمن شبكة رمزية جديدة تتحقق وتُتداول داخلها. فأعماله تمكننا في حركتها الفنية من تقديم تصورات جديدة عن البعد الفضائي او الرابط المنطقي بين الأشياء، بل أدركنا سر الانطلاق والاندفاع إلى أمام كلي، كما يمكن أن يستثيره “القلق” الذي يسكننا ويقودنا دوما إلى المستقبل الحاضن ، حيث انكماش الجسد وضموره وتراجع القوة فينا، وحيث الموت والنهاية في وجودنا لا في الزمن. فهَمُّ الحياة وهم الموت وكل هموم الوجود لا تتسرب للنفس ضمن ما تقدمه التجربة الانفعالية المباشرة دائما، بل تستوطن في الكثير من الحالات صورا شتى تحيل على عوالم يصعب عادة تحديد فحواها خارج الذات المبدعة. إن الإبداعات الفنية الجمالية للفنان تظل أعمالا مميزة تتضمن قواعد الأشتغال للفن الفطري، وفيها ملامح الظاهرة الفنية المعاصرة في الجرأة في التشخيص والخروج عن المألوف،ويحاكي حكايات إنسانية من زمن المعاصرة بترتيبات ذوقية ولونية متنوعة فأعماله خلق وابداع يعج بحكايات من الذاكرة الشعبية المعاصرة والمرأة حاضرة فيها خصوصا من خلال رحالات علاج سرطان والدته وأخته . وهذا ما يظهر سيميائيا ودلاليا في ثنائية الأبيض والأسود والوجود والضياع، الحياة والموت، الصحة والمرض .....خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى