شعر إيروسي شعر إيروسي : إبراهيم محمود - علكة مجنَّسة في الهواء الطلق

علكة مجنَّسة في الهواء الطلق




علكة تنتشي بكامل حيويتها
تزداد صلابة
تزداد مرونة
علكة بين اثنين
بين فمين متنافسين مفعمين بالحياة
بين طارد وطريد وبالعكس
أي هيئات ترتسم في عهدتها
أي إيقاع نشاء روح يتخلل محتواها ؟
أي إكسير شهوة ينطلق من بنيتها ؟
ما يهم هو أنها تعيش أوج اكتمال نصاب إيروتيسمها
ما يهم هو أنها تخرج عن جماديتها
ما يهم هو أنها تمد جسوراً مركَّبة بين روحين نهريين
بين جسدين يعيشان اشتعال تهويمات تترى
ما يهم هو أن أطرافاً تهمُّ بالصعود إلى فضاء رغبة جامحة
لا يعرَف كيف لقِمت العلكة فماً
أي فم كان المبادر إلى تطويع العلكة
أو أخضعته العلكة ذاتها إلى جموحها غير المحتسب
علينا القول بأنهما فما عاشقين
أنهما يزاوجان بين لهب الشلال وألسنة الماء المتقاذفة
علينا القول بأن ثمة ابتداعاً للعبة تمنح جسدين ظامئين
إلى أكثر من خطيئة مباركة
يتقد فيها الظلام المحيطي
يفقد الضوء رشده
في الوصل الذاهل بين فمين
هل يمكن لمادة سريعة التلف أن تكتسب قيمة كهذه
أن تعلو سرعة قابليتها للتلف
أن تستحيل عصارة روحين
أن تمتشق سيفاً
أن ترتقي قلباً
أن تلوّح بنشوة ثلاثية الأبعاد
أن تعلّق مصيرين في هواء مكشوف للعيان
أن تجهر باستماتة قلبين عنيدين في حب موحد؟
تضيع البداية في حركة العلكة
لنقل من باب النقل المباشر للجاري:
ثمة فم ينفخ في العلكة
على هيئة نصف بالون/ منفاخ
لنقل احتمالاً: قد يكون فمها أو فمه
إلا أن الأهم هو أن النفخة السريعة
وسرعة الاستجابة من العلكة
بالانتفاخ سريعاً
تعطي انطباعاً لا يُشَك فيه
عن وجود قلبين على منوال شلالين
على منوال ريحين متداخلين، متقابلين
أن الأهم هو تلقي فم مفتوح لحركة البالون العلكي
ودخوله فيه
وارتداد النفخة إلى داخل الفم المقابل
ثمة مشهد لا تخطئه العين
لمادة تقبل المثول أمام إرادة فمين
لكائنين ينشدهان عشقاً
تدفقاً بحياة مشتهاة
كل فم يدفع بالهواء داخل فم الآخر
كأن أحدهما يتنفس في فيه الآخر
ويمنحه نفخة حياة لا تعوَّض
كأن كلاهما ينتظر زفير حياة من الآخر
كأن كلاهما يراهن على نفخة الآخر
مذ وجِد في الحياة
كلاهما يجري تنفساً اصطناعياً للآخر
وفي مدى زمني غير معلوم
نفخة تصل ما بين الأعماق
أبعد من حدود التأويل اللحمي واللغوي
كأن بلوغ درجة اللذة المنشودة مداوَم عليه
حيث ثمة جسدان في كامل عافيتهما
جسدان منذوران لحركة علكة
لنفخة تمنح قلبين يكادان يثِبان من الداخل
وهما على حدود الفمين
قلبان بشفتين
قلبان يولج كل منهما في الآخر الحياة المنتظرة
لا تقل" الاستمناء "
إنك بذلك تطيح باللحظة الزمنية غير المسبوقة
إنه اكتشاف غير المفكَّر فيه
لجعل جسدين أكثر أهلية لحياة
ابتكار سبل أخرى لحياة بارعة
تصور مدى حرص أحدهما على الآخر
تصور كيف يشد النفس المتردد في الاتجاهين بينهما
تصور كيف يزهو الهواء نخب قلبين في أوج انتشائهما العالي
تصور كيف تُبتَكر سبل احتضان الحياة بطرق غير مسبوقة؟
لعلك تستهين باسم لا يراد له ذكر
رجاء لا تقلّل من شأن اسم كهذا
أليس التمثال العظيم صنعة مادة سفلية؟
أليس الطين جبلّة حياة وهي مأهولة بنفخة علوية؟
أليست اللوحة الرائعة وليدة مواد ميسورة في الجوار؟
ذنْب العلكة أنها تتردد برخص
أن الثرثار ينشد إليها
هذا شأن آخر
فالعلكة مادة محوَّلة من خلال نفخة مشتركة
نفخة تضمن مؤاساة قلبين من طينة واحدة
نفخة تبث حياة من نوع آخر في الاتجاهين
" ركّز معي أيها القارئ المشاهد على : في الاتجاهين "
قل إنها الغريزة وانفجارها في الجسد
قل إنها زعرنات غير ممدوحة
قل إنها نزوة لا تليق بمحتشم
لكن عليك أن تعلم أن ليس من دعامة إبداع
إلا ويكون للغريزة عصب شهوي ما
أن تكون النزوة حاضرة بطريقة ما
أن يكون المرئي هكذا غير معتاد عليه
تخيّل جيداً علكة تتمكن من الوصل بين روحين
بين فمين يصلين بالقار العميق فيهما
ثمة دوامة مشاعر ساخنة
ترتعش الركبتان
تومض العينان
تضيق الحدقتان فيهما
ثمة تسديد نوراني في الداخل رماح بينهما
علكة تنفتح على داخل الآخر
علكة يُنفَخ فيها
فتطق في فيه
كأنها أدت رسالتها
حيث الهواء الصاعد من قلب خفاق دفاق بالأمل
يتوزع في كيان الآخر
ليس من غياب عن الوعي
المتعة مضاعفة بطابعها الفموي
اللذة المستحدثة غير قابلة للقياس
فم يعلك، فم ينتشي، فم يتلذذ
إنه قذف روحي يا عزيزي
يا عزيزتي بالمقابل
استمناء تفسح اللغة في المجال
حيث اليدان تؤسبلان
حيث الرأسان يتقابلان وجهياً
حيث فمان يرومان اختفاء في الداخل
فمان يتقاربان في لحظة الذروة
وقد فقدت العلكة قابلية التماسك
أمام تصاعد نبرة الحرارة النفخية النمفخَّمة
ولم يبق لها إلا أن تتوزع على أطراف شفتين
أظهرتا حدث عناق استثنائي
حدث تنفس غير معهود
مرحى لعلكة عرّابة لقاء عالي المستوى إذاً
أدت مهمتها بنجاح باهر !

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
إبراهيم محمود
المشاهدات
858
آخر تحديث
أعلى