كان جدي رحمه الله يسعده أن يرانا حوله، يحتضن أحفاده الصغار، يزحف إليه (محمود) وتركض نحوه (فاطمة) ويتمسح به (أحمد) وهو بهيبته ووقاره يربت على أيدينا، ويداعب رؤوسنا. عناقيد العريشة تتدلى فوقه كالمصابيح، حبات العنب كبيرة لامعة تشف عما فيها من عصير سائغ رائق… تدعونا أمي بالتقاط حباته الناضجة.. نتلذذ بالعنب الشهي.. أحببنا العريشة، وأحببنا ظلالها الوارفة، وثمارها اللذيذة.. أحببنا أماسي الصيف في دارنا الواسعة، جدتي بثوبها الأزرق المنقط بزهور بيض صغيرة، تروح وتجي تسقي الشجيرات والزهور، لا يكدر صفو حياتنا شيء. حمرة الغروب في الأعالي.. والحمام السابح في الفضاء يمد أجنحته البيضاء.. يدور مرحا قبل أن يعود إلى أبراجه فوق السطوح، يهدل أمامنا، يقدم تحية المساء ثم يغفو أمامنا.. الهدوء الشامل يلف الدار. عاد أبي من العمل متعبا، صامتا، فهو يعمل كثيرا ويتكلم قليلا..يكسب ما يريد بهدوئه وعزيمته، لا بالكلام والثرثرة.. جهزت أمي الشاي المعطر بالنعناع.. دارت الأكواب..أدى الجميع الصلاة.. اقترب أبي من جدي وقال :-
– سيأتي غدا (هامل) أبن عمنا لخطوبة ابنتي فاطمة..
رد الجد :- وما رأيها ؟
أجاب الوالد : – إنها لا تميل إليه.. بل تمقته، وتكره ذكر أسمه..
– ما السبب ؟ استفسر الجد..
قال أبي موضحا أكثر : – إنه رجل ذليل، دنيء، دميم، يذم هذا، وينتقد ذاك، وينافق على الآخرين، هماز لماز، وفوق هذا فإنه لا يعمل يلقي كله على الناس، يقتل وقته في التسكع بين البيوتات.. وأضاف الوالد : –
– عرفت أن جارنا وصديقي في العمل يريدها لإبنه (هناد).. شاب محبوب لدى أبناء قريته، متواضع، يجالس الفلاحين ويأكل معهم ويحدثهم وكأنه منهم، يعمل بجد وإخلاص
قوي أمين، شجاع جريء، كان يهب من نومه حينما تحرق نار الفجر فحمة الليل البهيم.. ويصلي ويسبح لله مع الطيور ويظل يطوف بالحقل بياض نهاره، وهو يروي الزرع، حتى تلقي الشمس بجسمها المشتعل في أحضان الترعة فيرافق المساء الى مأواه.
في مساء اليوم التالي قدم (هامل) ومجموعة من رجال قريته.. استقبلهم جدي وابي.. تحدثوا بمهمتهم، أجابهم الجد :-
– أنا أحب حفيدتي، ولا أريد أن أرغمها بالزواج إلا لمن ترغب فيه.. أريد لها حياة سعيدة، وأنا مع اختيارها، بعيد عن التعصب الجاهلي بإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه شريكا لها.. دعوني أعرف رأيها..
-أجابته بأدب وإجلال : – إنك متمسك بالتعاليم السماوية ولا تؤمن بالعادات والتقاليد البالية التي عفا عليها الزمن، وعقليتك متنورة، فأنا لست بسلعة تجارية.. أنا إنسانة أثبت إنسانيتي بالإعتذار من هذا الطلب. وعزز رأيها أبي بالرفض…
رد الجد على الضيوف بما سمع مع قناعته به..
عادوا خائبين، والغيظ يملأ جوانح (هامل).. فأرسل تهديدا إلينا بصيغة شديدة و أسلوب عشائري قديم..
كان أبي شجاعا فأبدى رأيه بحزم وأعطى درسا بليغا للمتخلفين في الموعظة والابتعاد عن التعصب بتصديه للعادة البالية، التي لم تعد صالحة لزماننا هذا، ويرفضها العرف والقانون والزمن ولا يقرها الدين..
أبلغوا (هناد) ليتقدم لخطوبة (فاطمة) المتوافقة معه في العواطف والمشاعر والأرواح..
تم ذلك في حفل عائلي بهيج.
ثارت ثائرة (جعدة) عمة (هامل) والذي يسميها أهل التجربة بالعقربة والثعلب لخباثتها ومكرها n كيف لا وهي تنوي زواج ابنتها الذميمة، المنفرة القبيحة (لهناد) ففشلت في مسعاها. بدات توغر صدر (هامل) ابن أخيها على (هناد) كلما سنحت لها نهزة مناسبة، وما يمر يوم إلا وتزداد قسوة فأضمرت أمرا مريبا.. قريتاهما متقاربتان..
أقامت وليمة عشاء لمجموعة من الأقارب والجيران، ومن ضمنهم (هناد)
حضر المدعوون.. سلم (هناد) على عمته التي كانت نظراتها القادحة تحمل له كيدا لئيما إنفض الجميع بعد تناول العشاء، لاحظ (هناد) حركات (جعدة) لا تخلو من حقد وخبث،
قال لصاحبه (مراد) :
– يخيل إلي أن كل شيء حولي يتآمر علي..
أجابه : – (واهم من ظن يوما ان للثعلب دينا)
أسرع بنا.. خرجا وسلك كل منهما طريقه إلى بيدره في الحقل… مزقت سكون الليل الرائن إطلاقة كان لها صوت إنفجار رهيب من وراء تلة أصابت (هناد) بمؤخرة رأسه فارتمى على وجهه محتضنا سنابل بيدره… اختلط دمه ببذور القمح.
هرع أهل قريته (التلال) مضطربين لا يعرفون ما حدث وجدوا (هناد) محبوبهم الشجاع مضرجا بالدماء، خائر القوى.. فالرصاصة لا تعرف شيئا اسمه الشجاعة، تعرف فقط كيف تخترق الرأس فتحطمه وهكذا فعلت (بهناد) فحملوه مسرعين.. حضر الأهل والأصدقاء وخطيبته (فاطمة) مذهولة العقل والقلب، دموعها تهطل بغزارة.. طلب جدي منها أن تتجمل بالصبر الحميد الورع والذي وحده يجعلنا نتحمل آلام المصيبة التي حلت بنا
صاح أبي : من فعلها ؟ فتح (هناد) عينيه وقال بصوت خفيض : -(هامل) وعمته (جعدة) المحتالة.
تهامس الجميع : – حقا إنها صلفة عدوة السعادة.. ثعلبة ماكرة..
أردف (هناد) وهو في النزع الأخير : –
– دعوها ترى ما فعلت يداها حقدا وانتقاما مني..
حملت حطب الجريمة وسلمته لأبن أخيها فأشعله نارا اصطلى بها، وحرق لهيبها قومه الذين تفرقوا أيدي سبأ..وأضاف : –
– وأنتم يا إخوتي وأعمامي سوف تخبرون أبناءكم عن المرأة التي تآمرت علي ودبرت خطة خبيثة لقتلي بأداة جبانة… شيطان بشع يمشي على الأرض…
تذكروني وليباركني حفدتكم لأن الغد سيكون للروح والحق… ولفظ أنفاسه مغدورا.
* عن الزمان
– سيأتي غدا (هامل) أبن عمنا لخطوبة ابنتي فاطمة..
رد الجد :- وما رأيها ؟
أجاب الوالد : – إنها لا تميل إليه.. بل تمقته، وتكره ذكر أسمه..
– ما السبب ؟ استفسر الجد..
قال أبي موضحا أكثر : – إنه رجل ذليل، دنيء، دميم، يذم هذا، وينتقد ذاك، وينافق على الآخرين، هماز لماز، وفوق هذا فإنه لا يعمل يلقي كله على الناس، يقتل وقته في التسكع بين البيوتات.. وأضاف الوالد : –
– عرفت أن جارنا وصديقي في العمل يريدها لإبنه (هناد).. شاب محبوب لدى أبناء قريته، متواضع، يجالس الفلاحين ويأكل معهم ويحدثهم وكأنه منهم، يعمل بجد وإخلاص
قوي أمين، شجاع جريء، كان يهب من نومه حينما تحرق نار الفجر فحمة الليل البهيم.. ويصلي ويسبح لله مع الطيور ويظل يطوف بالحقل بياض نهاره، وهو يروي الزرع، حتى تلقي الشمس بجسمها المشتعل في أحضان الترعة فيرافق المساء الى مأواه.
في مساء اليوم التالي قدم (هامل) ومجموعة من رجال قريته.. استقبلهم جدي وابي.. تحدثوا بمهمتهم، أجابهم الجد :-
– أنا أحب حفيدتي، ولا أريد أن أرغمها بالزواج إلا لمن ترغب فيه.. أريد لها حياة سعيدة، وأنا مع اختيارها، بعيد عن التعصب الجاهلي بإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه شريكا لها.. دعوني أعرف رأيها..
-أجابته بأدب وإجلال : – إنك متمسك بالتعاليم السماوية ولا تؤمن بالعادات والتقاليد البالية التي عفا عليها الزمن، وعقليتك متنورة، فأنا لست بسلعة تجارية.. أنا إنسانة أثبت إنسانيتي بالإعتذار من هذا الطلب. وعزز رأيها أبي بالرفض…
رد الجد على الضيوف بما سمع مع قناعته به..
عادوا خائبين، والغيظ يملأ جوانح (هامل).. فأرسل تهديدا إلينا بصيغة شديدة و أسلوب عشائري قديم..
كان أبي شجاعا فأبدى رأيه بحزم وأعطى درسا بليغا للمتخلفين في الموعظة والابتعاد عن التعصب بتصديه للعادة البالية، التي لم تعد صالحة لزماننا هذا، ويرفضها العرف والقانون والزمن ولا يقرها الدين..
أبلغوا (هناد) ليتقدم لخطوبة (فاطمة) المتوافقة معه في العواطف والمشاعر والأرواح..
تم ذلك في حفل عائلي بهيج.
ثارت ثائرة (جعدة) عمة (هامل) والذي يسميها أهل التجربة بالعقربة والثعلب لخباثتها ومكرها n كيف لا وهي تنوي زواج ابنتها الذميمة، المنفرة القبيحة (لهناد) ففشلت في مسعاها. بدات توغر صدر (هامل) ابن أخيها على (هناد) كلما سنحت لها نهزة مناسبة، وما يمر يوم إلا وتزداد قسوة فأضمرت أمرا مريبا.. قريتاهما متقاربتان..
أقامت وليمة عشاء لمجموعة من الأقارب والجيران، ومن ضمنهم (هناد)
حضر المدعوون.. سلم (هناد) على عمته التي كانت نظراتها القادحة تحمل له كيدا لئيما إنفض الجميع بعد تناول العشاء، لاحظ (هناد) حركات (جعدة) لا تخلو من حقد وخبث،
قال لصاحبه (مراد) :
– يخيل إلي أن كل شيء حولي يتآمر علي..
أجابه : – (واهم من ظن يوما ان للثعلب دينا)
أسرع بنا.. خرجا وسلك كل منهما طريقه إلى بيدره في الحقل… مزقت سكون الليل الرائن إطلاقة كان لها صوت إنفجار رهيب من وراء تلة أصابت (هناد) بمؤخرة رأسه فارتمى على وجهه محتضنا سنابل بيدره… اختلط دمه ببذور القمح.
هرع أهل قريته (التلال) مضطربين لا يعرفون ما حدث وجدوا (هناد) محبوبهم الشجاع مضرجا بالدماء، خائر القوى.. فالرصاصة لا تعرف شيئا اسمه الشجاعة، تعرف فقط كيف تخترق الرأس فتحطمه وهكذا فعلت (بهناد) فحملوه مسرعين.. حضر الأهل والأصدقاء وخطيبته (فاطمة) مذهولة العقل والقلب، دموعها تهطل بغزارة.. طلب جدي منها أن تتجمل بالصبر الحميد الورع والذي وحده يجعلنا نتحمل آلام المصيبة التي حلت بنا
صاح أبي : من فعلها ؟ فتح (هناد) عينيه وقال بصوت خفيض : -(هامل) وعمته (جعدة) المحتالة.
تهامس الجميع : – حقا إنها صلفة عدوة السعادة.. ثعلبة ماكرة..
أردف (هناد) وهو في النزع الأخير : –
– دعوها ترى ما فعلت يداها حقدا وانتقاما مني..
حملت حطب الجريمة وسلمته لأبن أخيها فأشعله نارا اصطلى بها، وحرق لهيبها قومه الذين تفرقوا أيدي سبأ..وأضاف : –
– وأنتم يا إخوتي وأعمامي سوف تخبرون أبناءكم عن المرأة التي تآمرت علي ودبرت خطة خبيثة لقتلي بأداة جبانة… شيطان بشع يمشي على الأرض…
تذكروني وليباركني حفدتكم لأن الغد سيكون للروح والحق… ولفظ أنفاسه مغدورا.
* عن الزمان