قليلاً ما تستأثِرُ بكَ طلعَةُ أحدٍ ما..!
ويومَها ..
كانتْ طلعتُها تُشِعُّ بالنورِ.
عندما دخلتْ بصُحبَةِ والِدِها، وعلاماتُ الإرهاقِ تعلو وجهَها المُضيءِ كمشكاة
الأبيضِ كاللجينِ الرقيقِ كبتلةِ ياسمين.
تلَقَّيتُها بغِبطةٍ ملأتْ عليَّ قلبي، قبلَ أن تتجاوزَ مدخلَ الغرفة.
بادرتُ بالنُّهوضِ عن مقعدي مرحِّباً ..
صافحتُ والِدَها، وربَّتُّ على كتفِها، وابتسمت ..
لكنَّها ..
كأنما لم تعبأ بشيءٍ مما يجري حولَها ..
كانت ساهِمةَ النَّظراتِ مُجفِلَةً كأنَّما أرنبٌ برِّيٌّ انبرى لهُ صيَّاد.
كانتْ تتوهَّجُ كأنهُ الجمرُ من تحتِ الرماد.
كلُّ ذلك .. حتى قبلَ أن أسمع شكايتَها ..
أجلستُها، وسألتْ:
خير؟!
ردَّ والدُها:
لا ندري .. !! هي محومةٌ منذُ أيامٍ، ولم تستجِبْ لأي علاج!
لم يكنِ الأمر يحتملُ المزيدَ من الاستفسارات! فالطفلةُ ذاتُ الأعوامِ العشرةِ كانتْ مُرهَقةً حدَّ الإجهاد.
وعلى سرير الفحص .. كانت حرارتُها شديدة .. تزيدُ عن الإثنتين والأربعين درجةً مئوية.
حُمَّى لمْ يسبِقْ أن واجهتُ مثيلاً لها رُغمَ قِصَرِ حياتيَ المهنيَّةِ بعد.
أصغيتُ قلبها ..
فكانَ كقلبِ عصفورٍ من شدَّةِ تَسَرُّعِه ..
فحصتُ البلعوم، فلم أشاهدْ سوى احتقانٍ بسيطٍ لا يُفَسِّرُ كلَّ ذاك الكمِّ من الدعثِ والتعبِ الباديَين.
كانَ لا بُدَّ من حِقنَةٍ عضليَّةٍ لخفض الحرارة ..
ثم ..
استدرتُ لأكتبُ وصفتيِ التي قدَّرتُ أن أُرَكِّزَ فيها على الصَّاداتِ الحيويةِ ونحنُ في تلك البقعةِ الريفيةِ النائية.
" نَهَشَها كلبٌ منذ حوالي شهرٍ يا دكتور "
ألقيتُ قلمي وكأنما القدَرُ تغيَّر.
كأنما كنتُ أتحسسُ درباً في الضَّبابِ الكثيفِ فإذا به ينقَشِع.
ينقَشِعُ فجأةً فأرى الوضوحَ ..
وأيَّ وضوح!!؟
وضوحٌ فيهِ من الألمِ أكثرَ مما فيه من اليقين.
وقعتُ على حقيقةٍ تمنَّيتُ لو أنني ما قاربتُها ..
قلتُ له:
والكلب؟؟
قال: هرب .. ولم نعثُرْ لهُ على أثرٍ بعدها..
فقمتُ إليها بجرعةِ ماء .. تلقَّفتها بلهفةٍ.
لِمَ لا؟؟ ..
فلقد كانَ الظَّمأ استولى عليها ..
ولكنْ ..
ما إن وصلتْ أوَّلُ قطرةِ ماءٍ إلى بلعومِها حتى تشردَقتْ، وبدتْ وكأن الموتَ باغَتَها.
تورَّدَ وجهُها البريءُ، وجحظتْ عيناها المترعتانِ طفولةً، وانتابتها حالةٌ من الذُّعرِ كأنما تواجهُ تنِّين ..
أبْعَدَتِ الكأسَ عن فمِها بِهَلَعٍ، فقدَّمتهُ ثانيةً .. فبدا منها الرُّهاب، وبدَتْ منِّيَ الصَّدمة.
خَنَقتني العَبْرَة .. واستدرتُ إلى طاولة مكتبي، ومزَّقتُ وصفتي .. وتمالكتُ نفسي، وهمستُ لوالِدِها:
سيدي .. إنَّ ابنتَكَ مصابةٌ بالسُّعار.
وإنَّ الأوانَ يا سيِّدي قد فات.
ولم يعدْ هناك من تدبيرٍ سوى تدبيرِ الله.
ثلاثةُ أيَّامٍ أو أربعة .. و ..
ينقضي الأمر.
ثمَّ استَدَرتُ إليها ومسحتُ على وجنتَيْها مواسياً وابتسمت:
صغيرتي .. لا تجزعي .. ولا يهمُّكِ .. ها!؟
بصمتٍ .. باختناق ..
تحاشيتُ أن تنسكب دمعتيَ يومَها ..
لكنَّني ..
أهرَقتُها الآن
ويومَها ..
كانتْ طلعتُها تُشِعُّ بالنورِ.
عندما دخلتْ بصُحبَةِ والِدِها، وعلاماتُ الإرهاقِ تعلو وجهَها المُضيءِ كمشكاة
الأبيضِ كاللجينِ الرقيقِ كبتلةِ ياسمين.
تلَقَّيتُها بغِبطةٍ ملأتْ عليَّ قلبي، قبلَ أن تتجاوزَ مدخلَ الغرفة.
بادرتُ بالنُّهوضِ عن مقعدي مرحِّباً ..
صافحتُ والِدَها، وربَّتُّ على كتفِها، وابتسمت ..
لكنَّها ..
كأنما لم تعبأ بشيءٍ مما يجري حولَها ..
كانت ساهِمةَ النَّظراتِ مُجفِلَةً كأنَّما أرنبٌ برِّيٌّ انبرى لهُ صيَّاد.
كانتْ تتوهَّجُ كأنهُ الجمرُ من تحتِ الرماد.
كلُّ ذلك .. حتى قبلَ أن أسمع شكايتَها ..
أجلستُها، وسألتْ:
خير؟!
ردَّ والدُها:
لا ندري .. !! هي محومةٌ منذُ أيامٍ، ولم تستجِبْ لأي علاج!
لم يكنِ الأمر يحتملُ المزيدَ من الاستفسارات! فالطفلةُ ذاتُ الأعوامِ العشرةِ كانتْ مُرهَقةً حدَّ الإجهاد.
وعلى سرير الفحص .. كانت حرارتُها شديدة .. تزيدُ عن الإثنتين والأربعين درجةً مئوية.
حُمَّى لمْ يسبِقْ أن واجهتُ مثيلاً لها رُغمَ قِصَرِ حياتيَ المهنيَّةِ بعد.
أصغيتُ قلبها ..
فكانَ كقلبِ عصفورٍ من شدَّةِ تَسَرُّعِه ..
فحصتُ البلعوم، فلم أشاهدْ سوى احتقانٍ بسيطٍ لا يُفَسِّرُ كلَّ ذاك الكمِّ من الدعثِ والتعبِ الباديَين.
كانَ لا بُدَّ من حِقنَةٍ عضليَّةٍ لخفض الحرارة ..
ثم ..
استدرتُ لأكتبُ وصفتيِ التي قدَّرتُ أن أُرَكِّزَ فيها على الصَّاداتِ الحيويةِ ونحنُ في تلك البقعةِ الريفيةِ النائية.
" نَهَشَها كلبٌ منذ حوالي شهرٍ يا دكتور "
ألقيتُ قلمي وكأنما القدَرُ تغيَّر.
كأنما كنتُ أتحسسُ درباً في الضَّبابِ الكثيفِ فإذا به ينقَشِع.
ينقَشِعُ فجأةً فأرى الوضوحَ ..
وأيَّ وضوح!!؟
وضوحٌ فيهِ من الألمِ أكثرَ مما فيه من اليقين.
وقعتُ على حقيقةٍ تمنَّيتُ لو أنني ما قاربتُها ..
قلتُ له:
والكلب؟؟
قال: هرب .. ولم نعثُرْ لهُ على أثرٍ بعدها..
فقمتُ إليها بجرعةِ ماء .. تلقَّفتها بلهفةٍ.
لِمَ لا؟؟ ..
فلقد كانَ الظَّمأ استولى عليها ..
ولكنْ ..
ما إن وصلتْ أوَّلُ قطرةِ ماءٍ إلى بلعومِها حتى تشردَقتْ، وبدتْ وكأن الموتَ باغَتَها.
تورَّدَ وجهُها البريءُ، وجحظتْ عيناها المترعتانِ طفولةً، وانتابتها حالةٌ من الذُّعرِ كأنما تواجهُ تنِّين ..
أبْعَدَتِ الكأسَ عن فمِها بِهَلَعٍ، فقدَّمتهُ ثانيةً .. فبدا منها الرُّهاب، وبدَتْ منِّيَ الصَّدمة.
خَنَقتني العَبْرَة .. واستدرتُ إلى طاولة مكتبي، ومزَّقتُ وصفتي .. وتمالكتُ نفسي، وهمستُ لوالِدِها:
سيدي .. إنَّ ابنتَكَ مصابةٌ بالسُّعار.
وإنَّ الأوانَ يا سيِّدي قد فات.
ولم يعدْ هناك من تدبيرٍ سوى تدبيرِ الله.
ثلاثةُ أيَّامٍ أو أربعة .. و ..
ينقضي الأمر.
ثمَّ استَدَرتُ إليها ومسحتُ على وجنتَيْها مواسياً وابتسمت:
صغيرتي .. لا تجزعي .. ولا يهمُّكِ .. ها!؟
بصمتٍ .. باختناق ..
تحاشيتُ أن تنسكب دمعتيَ يومَها ..
لكنَّني ..
أهرَقتُها الآن