كامل الدلفي - أحدنا

تمر في بلدتنا أحداث غريبة ، غير أنها تعد من أنماط السلوك الشائعة والعادية ، فهي لا تثير استغرابا يذكر في ذهنية أهالي البلدة على الرغم من قوتها في تجاوز المألوف في بيئة سكانية أخرى ، أدين (احدنا ) وهو رجل في السابعة والأربعين من عمره في المحكمة العرفية بجرم يستحق الإعدام كما يرى قضاة شرعيون يعملون وفقا لنصوص جزائية محلية تخص أهل بلدتنا حصرا ، ولا يعرف القضاء في أي شبر من الأرض مضمونا مشابها لمضمونها ، منذ أن وطأ أبونا الأول أرضنا الزاهية. تقضي تلك النصوص بالإضافة إلى أحكامها المريعة ، أن يقوم القضاة أنفسهم بإنهاء حياة المتهم لحظة إعلان الحكم عليه بالموت . حدث ذلك " لأحدنا " المتهم القياسي الذي نفذ فيه الحكم بالاعدام.
رأته زوجته في حلم حدث بعد صلاة الأربعين على روحه ، وتكلمت الزوجة مرارا عن لذة وإعجاز هذا الحلم ، فقد اخبرها "احدنا " بأنه كان مستغربا من مهارة القضاة العالية وسرعتهم في تنفيذ الموت به ، كما اعلمها بأنه أدرك بعد فوات الأوان صحة الأمثال العامية التي كانت ترددها أمه وذلك حين أحس بحجم المؤامرة التي أحاقت به ، فالأمثال العامية هي ثقافة مغرقة بالحكمة ، تجهل نفعها عقولنا المسطحة المليئة بالنصوص المترجمة الجاهزة مثل الأكلات السريعة، وتستمر الزوجة في رواية تفاصيل حلمها الفنتازي عن المؤامرة التي تعرض لها زوجها ، فهو يرى كما اخبرها ، ان قلبه قد تواطأ مع المحكمة وتوقف سريعا عن الحياة ، وكذلك فعل رأسه وأسرع في الانفصال عن الجسد قبل الأوان ، أما لسانه فقد أحجم متعمدا عن تقديم أي دفاع أمام القضاة... وأكدت لأختها الصغرى ان المرحوم "أحدنا " أسر لها في الحلم بأنه على يقين تام أن اسمه وما ينطوي عليه من دلالات كان سببا رئيسا في جعل أعضاء هيئة المحكمة لم يعيروا انتباها للائحة الدفاع التي قدمها كتابة والتي برر فيها بأدلة عقلية مقنعة أسباب تعمده السير على اثنين خارج المنزل ، تلك الجناية التي اعدم بجريرتها ، لان النصوص القانونية التي كتبت منذ سبعة قرون تفيد بأنه ليس من حق أحد من بلدتنا ان يسير منتصب الجذع على قائميه في شارع عام دون تصريح من ولي أمر......

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى