لقد قرّرتُ أن أغادرَ هذه المعركة. نعم، سأغادرُها الآن. لقد قرّرتُ أن أبتعدَ عن جميعِ أنواعِ الجثث، أن أقبّلَ الخدودَ الحمراء، وأن أرقصَ طويلًا في ضوءِ القمر.
سأرمي بندقيّتي، وأُلقي بخوفي ورائي، وأرحلُ إلى بيتنا لأربّي على السطح كلّ أصنافِ الحمام. سأفتتح ورشةً على الأوتوستراد المقابلِ للبحر، ورشةً لإصلاح عجلاتِ الشاحنات المتّجهة إلى الميناء، وسأعلّقُ يافطةً ضخمةً وأكتبُ عليها: "ورشةُ القبلات لإصلاحِ العجلات".
سيكون لديّ عملٌ كثير، إذ يتوجّبُ عليّ أن أُفتّشَ في كلِّ يومٍ بين صخورِ الشاطئ عن بيضِ النوارس. وعندما أجدهُ لن ألمسَه أبدًا. لن أفعلَ شيئًا. سأفتشُ عن المزيدِ فقط.
لقد حسمتُ أمري، وها أنا الآن أتركُ أغراضي في الخيمةِ المثقبةِ بالرصاص لأزرع الخضارَ في حديقةِ المنزل. ها أنا أهجرُ أصواتَ المدافع كي أغرسَ في الزاوية المناسبة شجرةَ ليمونٍ تعشقُ الطيورَ والماء.
أريدُ أن أبقى إلى جانبِ أمي قربَ المدفأة. لقد اشتقتُ إليها كثيرًا. اشتقتُ إلى الإصغاءِ للمطر، وأنا أراقبُ كفيّها كيف تنقّيانِ العدسَ بهدوء.
ينبغي عليّ أيضًا التوجّهُ إلى المطبخ، ثمّ الصعودُ إلى السقيفة، والإحساسُ بالظلم الذي تعانيه الأغراضُ المنسيّةُ هناك. وبعد أن أشعرَ بذلك، سأنبشُ من بينها مرطبانَ دُحلي، فأُخرجُ كلّ واحدٍ منها بمفرده، وأُلمّعهُ بحنان، ثم أهديها ابنَ أختي الصغير.
وعندما يأتي الربيع، سأُصنِّعُ لأولاد الحارة الطائراتِ الورقيّة، وسنشكّلُ أسطولًا جويًّا ضخمًا، وسنحدّدُ بسريّةٍ تامّةٍ ساعةَ الصفر. وعندما تحين، سنحتلُ خلالَ لحظاتٍ سماءَ الوطنِ الواسعة.
ما أشدّ رغبتي في السباحةِ شتاءً في عرض البحر. وما أشدّ توقي إلى مساعدة الجيران في قطف الزيتون وأخذ قيلولتي المقدّسة تحتَ عريشة العنب.
أنوي أيضًا شراءَ درّاجةٍ هوائية. أفكّر في أن أُرَكِّبَ عليها جرسًا ذا صوتٍ أليف، وسلّةً بيضاءَ أضعُ فيها حاجياتِ البيت إلى جانبِ باقةِ أزهارٍ سعيدة.
وقد وضعتُ خطّةً جديّةً للتطوّعِ ضمن فريق الإطفاء، وربما أُصبحُ صيّادَ سمكٍ يُشتهرُ بأنّه كلّما أمسكَ سمكةً حدّقَ في عينيها ثمَ أعادها إلى البحر.
إنّي بحاجةٍ ماسّةٍ إلى البكاءِ وأنا أشاهدُ الأفلامَ ذات النهاياتِ الحزينة. بحاجةٍ إلى مئةِ عامٍ من الاستماع إلى صوت فيروز. وأنا واثقٌ بأنّني لن أجدَ أيّة صعوبةٍ في إطلاقِ ضحكةٍ مجنونةٍ على نكاتِ البقّالِ المكرّرة، وسيضرِبُ كَفّه بكفّي، وسأقولُ له: "أحلى أبو بهيج".
لقد قرّرتُ أن تصبحَ البامية، التي طالما مقتُّها، من بين وجباتي المفضّلة.
قرّرتُ أن أستمتعَ بالظهيرةِ المملّةِ في الصيف، وأن أعاني الحرَّ وعلى شفتيّ ابتسامةٌ بلهاء.
ولن أنسى أبدًا تمضيةَ فترة العصر مع جارنا العجوز حتى أٌنصتَ بشغفٍ إلى ذاكرته، ولأُسهبَ في النظر في مساحاتِ الحكمةِ الشاسعةِ الممتدّةِ خلف عينيه.
سأعشقُ غسلَ الصحون، وسأتزوّج فتاةً تمتلك ابتسامةً تقتلُ المستحيل. سأقبِّلها بحرارة، ونربّي أولادنا على حب الغيمِ والبشر، وسنحرصُ على تنميةِ مقدراتهم الذهنيّة حتى يتمكّنوا يومًا من فهمِ الشمسِ وإدراكِ الرياح.
سأغادرُ هذه المعركةَ الآن من أجلِ أن أحيا، من أجلِ أن أنتصر، كي أعودَ إلى نفسي... نفسي التي صارت بعيدة... ولأرسمَ مع قلبي حياةً مزدحمةً بالنهارِ والعصافير.
سأرمي بندقيّتي، وأُلقي بخوفي ورائي، وأرحلُ إلى بيتنا لأربّي على السطح كلّ أصنافِ الحمام. سأفتتح ورشةً على الأوتوستراد المقابلِ للبحر، ورشةً لإصلاح عجلاتِ الشاحنات المتّجهة إلى الميناء، وسأعلّقُ يافطةً ضخمةً وأكتبُ عليها: "ورشةُ القبلات لإصلاحِ العجلات".
سيكون لديّ عملٌ كثير، إذ يتوجّبُ عليّ أن أُفتّشَ في كلِّ يومٍ بين صخورِ الشاطئ عن بيضِ النوارس. وعندما أجدهُ لن ألمسَه أبدًا. لن أفعلَ شيئًا. سأفتشُ عن المزيدِ فقط.
لقد حسمتُ أمري، وها أنا الآن أتركُ أغراضي في الخيمةِ المثقبةِ بالرصاص لأزرع الخضارَ في حديقةِ المنزل. ها أنا أهجرُ أصواتَ المدافع كي أغرسَ في الزاوية المناسبة شجرةَ ليمونٍ تعشقُ الطيورَ والماء.
أريدُ أن أبقى إلى جانبِ أمي قربَ المدفأة. لقد اشتقتُ إليها كثيرًا. اشتقتُ إلى الإصغاءِ للمطر، وأنا أراقبُ كفيّها كيف تنقّيانِ العدسَ بهدوء.
ينبغي عليّ أيضًا التوجّهُ إلى المطبخ، ثمّ الصعودُ إلى السقيفة، والإحساسُ بالظلم الذي تعانيه الأغراضُ المنسيّةُ هناك. وبعد أن أشعرَ بذلك، سأنبشُ من بينها مرطبانَ دُحلي، فأُخرجُ كلّ واحدٍ منها بمفرده، وأُلمّعهُ بحنان، ثم أهديها ابنَ أختي الصغير.
وعندما يأتي الربيع، سأُصنِّعُ لأولاد الحارة الطائراتِ الورقيّة، وسنشكّلُ أسطولًا جويًّا ضخمًا، وسنحدّدُ بسريّةٍ تامّةٍ ساعةَ الصفر. وعندما تحين، سنحتلُ خلالَ لحظاتٍ سماءَ الوطنِ الواسعة.
ما أشدّ رغبتي في السباحةِ شتاءً في عرض البحر. وما أشدّ توقي إلى مساعدة الجيران في قطف الزيتون وأخذ قيلولتي المقدّسة تحتَ عريشة العنب.
أنوي أيضًا شراءَ درّاجةٍ هوائية. أفكّر في أن أُرَكِّبَ عليها جرسًا ذا صوتٍ أليف، وسلّةً بيضاءَ أضعُ فيها حاجياتِ البيت إلى جانبِ باقةِ أزهارٍ سعيدة.
وقد وضعتُ خطّةً جديّةً للتطوّعِ ضمن فريق الإطفاء، وربما أُصبحُ صيّادَ سمكٍ يُشتهرُ بأنّه كلّما أمسكَ سمكةً حدّقَ في عينيها ثمَ أعادها إلى البحر.
إنّي بحاجةٍ ماسّةٍ إلى البكاءِ وأنا أشاهدُ الأفلامَ ذات النهاياتِ الحزينة. بحاجةٍ إلى مئةِ عامٍ من الاستماع إلى صوت فيروز. وأنا واثقٌ بأنّني لن أجدَ أيّة صعوبةٍ في إطلاقِ ضحكةٍ مجنونةٍ على نكاتِ البقّالِ المكرّرة، وسيضرِبُ كَفّه بكفّي، وسأقولُ له: "أحلى أبو بهيج".
لقد قرّرتُ أن تصبحَ البامية، التي طالما مقتُّها، من بين وجباتي المفضّلة.
قرّرتُ أن أستمتعَ بالظهيرةِ المملّةِ في الصيف، وأن أعاني الحرَّ وعلى شفتيّ ابتسامةٌ بلهاء.
ولن أنسى أبدًا تمضيةَ فترة العصر مع جارنا العجوز حتى أٌنصتَ بشغفٍ إلى ذاكرته، ولأُسهبَ في النظر في مساحاتِ الحكمةِ الشاسعةِ الممتدّةِ خلف عينيه.
سأعشقُ غسلَ الصحون، وسأتزوّج فتاةً تمتلك ابتسامةً تقتلُ المستحيل. سأقبِّلها بحرارة، ونربّي أولادنا على حب الغيمِ والبشر، وسنحرصُ على تنميةِ مقدراتهم الذهنيّة حتى يتمكّنوا يومًا من فهمِ الشمسِ وإدراكِ الرياح.
سأغادرُ هذه المعركةَ الآن من أجلِ أن أحيا، من أجلِ أن أنتصر، كي أعودَ إلى نفسي... نفسي التي صارت بعيدة... ولأرسمَ مع قلبي حياةً مزدحمةً بالنهارِ والعصافير.