المكانُ السفَرُ
على ظهرِ ورقةِ قيقبٍ يجرفُها ماءُ الرّصيف
المكانُ الشجرةُ، يستظلُّ بها عابرون،
المكانُ الفأسُ، يقطع شجرةً يستظلُّ بها عابرون،
المكانُ الجريُ خلف كُرة القدم،
بقماشة علمٍ لا تسترُ العورةَ.
المكان الحقيبةُ مجرورةً في مطار
المكان الحقيبةُ مهجورةً في مطار
المكان الحدبةُ فوق ظهر الوقت..
المكانُ العتبةُ
تحت قَدَمَيْ قلقٍ لا يطرقُ الباب، ولا ينصرفُ.
***
خذْهُ معَكَ أيّها النّصُ
في الطريقِ إلى حانةٍ، أو إلى مطبعة.
وليكنْ بمقاسِ حذاءِ فانكونغ،
أو بمقاسِ مروحة “الدّاي” .
ليكن بمقاس دمعةِ أمٍّ يغْرَقُ فيها البحرُ الذي غَرِقَ فيه ابنُها.
بمقاس نصفِ سيجارةٍ في فمِ اللّيل
بمقاس كيسِ حليبٍ خدعتْهُ الحمُوضة،
بمقاس عانةِ تمثالٍ يتبرّك بها السيّاح
بمقاس غابةٍ يحجبها عودُ ثقاب
أو بمقاس خُرْمٍ في الهويّةِ لا تحجبه مائةُ ترقيعةٍ.
**
وليكن خطأً،
له يقظةُ الروماتيزم في رُكبِ اللغة
وليكن خطأً،
كالولادة لا يَغْسِلُهُ وُضوء،
وليكن خطأً
يلمع كالزُّجاجِ المُكسَّرِ في حادثِ سَيْر.
خطأً متمرّغاً كالنّار في أحضانِ امرأةٍ من هشيم.
خطأً يقسم الرّحْمَةَ نصفين كي تعبر الشّمْس.
***
المكان الجسدُ
بعيني حدّادِ أقفال السُّجُون،
المكانُ الجسدُ بشهوةِ مقصِّ خيّاطِ العَدَم.
المكانُ ذو النيّةِ السَيِّئَة،
يرقصُ على إيقاعِ طبلِ النيّةِ الحسنة.
***
يا نصُّ خُذْهُ معك بعراجينه من مقاه،
بعراجينه من حملةِ مظلاّتِ الشمس
فوق رؤوس سدنةِ المعبدِ،
خذهُ إطلالةً من النّافذة
على رجلٍ يتأبّط نافذةً مكسورةً
باحثا عن مُصلِّح زُجَاج.
***
خذه يتيمًا تحت وصايةِ الصُّدفِ
خذه محروماً من النَّظَرِ إلى جهةٍ واضحة
أعِرْهُ جدارا،
أعرْه سُلَّماً،
وأعِرْهُ صعودا على السُلَّمِ فوق الجدار
أعِرْهُ اللَّيْلَ
أعرْه التأمّلَ في اللّيلِ ممتلئاً بالنجوم
وأَعِرْ للنجومِ.. أشعّةَ اليدِ التي تكتبُ.
***
هل هو القصْعةُ..
تترصّدها ملاعق الغزاة من كلّ الجهات؟
هل هو الخشبةُ
تتزاحمُ فيها المسامير تحت مطرقةِ أبٍ واحدٍ؟
هل هو الخيمةُ
مضروبةً أوتادُها في خريف الرّياح؟
هل هو الجسدُ
مثلومًا كفناجينَ منطوحةٍ بأنيابٍ لا تسترها الشفاه؟
***
جُرَّهُ أيّها النصّ معك إلى مسلخة المخيال.
جُرَّهُ جثّةً لا يتّسعُ لها قبْر،
جُرَّهُ قارباً إلى تجربة النّهر،
جُرَّهُ تَرِكَةً مُجرّحةً بسكاكين الورثة،
خذه صامتا كالجبلِ المجعّد
خذه قديما كمعطف فلاّحٍ على كتفيكَ،
قديما كآهات حجرٍ
تحت حوافر شاحنات التهريب عبر الحدود
خذه غداً يترنّح تحت مثاقيل أمسِ.
خُذْهُ في يدِكَ كمحفظةِ تلميذٍ
وزنُها سبعةٌ وسبعون رطلاً من الحيرة.
عد به أيّها النصّ إلى الغار أو إلى الغابةِ،
ثبّته كحجر على ترقوة المجازِ بفتيل حلفاءِ النّحو،
ثبّته واصعدْ إلى أسطورة الحكي،
لا تأْمَنْهُ إلاّ..
كما تأمنُ لحليب الوقت فوق النّار،
لا تأْمَنْهُ إلاّ
كما تأمنُ لنشيدٍ
تتّسعُ من تحته الحُفْرةُ
لا تُرخِ له حبلَ اللغة،
فتهرَّ فيكَ جِرَاءُ الفتاوي،
***
مكانٌ ذاك أم محضُ سمادٍ في حدائق كَتَبَةِ السّرد..؟
مكانٌ ذاك أم غابة أوراقٍ لا جذوعَ لها..؟
دُلَّني على حائطٍ واحدٍ، لا صدْعَ فيه،
دُلَّني على رصيفٍ لا يشتكي من حكّةِ اليأس.
دلّني على مساحةٍ ليس لها ظهر القنفذ
تحت قدميّ الشاعرِ الحافيتين.
***
يا نصُّ قد قاسمتك خبزة أولادي،
قاسمتك السرَّ والمخدّة والسرير
ربّيتكَ كالنبتةِ في تربة جسدي أربعين سنة.
حملتك معي في سفري، وحملتني،
أطعمتكَ الكِبْدَةَ والقلبَ، والرّعشةَ
تسلّقتُ معكَ جبلَ المُمْكِنِ،
وانحدرتَ معي إلى وادي الأسف.
يا نصُّ جِدْ لي مكانا فيك غيرَ المكان
جِدْ لي طريقا فيك لا عودة منه.
خذني بعيدًا
خذني وحيدا كورقةٍ
تفضحُ أكذوبةَ الشجرة.
05/12/2016
الأخضر بركة
الجزائر
على ظهرِ ورقةِ قيقبٍ يجرفُها ماءُ الرّصيف
المكانُ الشجرةُ، يستظلُّ بها عابرون،
المكانُ الفأسُ، يقطع شجرةً يستظلُّ بها عابرون،
المكانُ الجريُ خلف كُرة القدم،
بقماشة علمٍ لا تسترُ العورةَ.
المكان الحقيبةُ مجرورةً في مطار
المكان الحقيبةُ مهجورةً في مطار
المكان الحدبةُ فوق ظهر الوقت..
المكانُ العتبةُ
تحت قَدَمَيْ قلقٍ لا يطرقُ الباب، ولا ينصرفُ.
***
خذْهُ معَكَ أيّها النّصُ
في الطريقِ إلى حانةٍ، أو إلى مطبعة.
وليكنْ بمقاسِ حذاءِ فانكونغ،
أو بمقاسِ مروحة “الدّاي” .
ليكن بمقاس دمعةِ أمٍّ يغْرَقُ فيها البحرُ الذي غَرِقَ فيه ابنُها.
بمقاس نصفِ سيجارةٍ في فمِ اللّيل
بمقاس كيسِ حليبٍ خدعتْهُ الحمُوضة،
بمقاس عانةِ تمثالٍ يتبرّك بها السيّاح
بمقاس غابةٍ يحجبها عودُ ثقاب
أو بمقاس خُرْمٍ في الهويّةِ لا تحجبه مائةُ ترقيعةٍ.
**
وليكن خطأً،
له يقظةُ الروماتيزم في رُكبِ اللغة
وليكن خطأً،
كالولادة لا يَغْسِلُهُ وُضوء،
وليكن خطأً
يلمع كالزُّجاجِ المُكسَّرِ في حادثِ سَيْر.
خطأً متمرّغاً كالنّار في أحضانِ امرأةٍ من هشيم.
خطأً يقسم الرّحْمَةَ نصفين كي تعبر الشّمْس.
***
المكان الجسدُ
بعيني حدّادِ أقفال السُّجُون،
المكانُ الجسدُ بشهوةِ مقصِّ خيّاطِ العَدَم.
المكانُ ذو النيّةِ السَيِّئَة،
يرقصُ على إيقاعِ طبلِ النيّةِ الحسنة.
***
يا نصُّ خُذْهُ معك بعراجينه من مقاه،
بعراجينه من حملةِ مظلاّتِ الشمس
فوق رؤوس سدنةِ المعبدِ،
خذهُ إطلالةً من النّافذة
على رجلٍ يتأبّط نافذةً مكسورةً
باحثا عن مُصلِّح زُجَاج.
***
خذه يتيمًا تحت وصايةِ الصُّدفِ
خذه محروماً من النَّظَرِ إلى جهةٍ واضحة
أعِرْهُ جدارا،
أعرْه سُلَّماً،
وأعِرْهُ صعودا على السُلَّمِ فوق الجدار
أعِرْهُ اللَّيْلَ
أعرْه التأمّلَ في اللّيلِ ممتلئاً بالنجوم
وأَعِرْ للنجومِ.. أشعّةَ اليدِ التي تكتبُ.
***
هل هو القصْعةُ..
تترصّدها ملاعق الغزاة من كلّ الجهات؟
هل هو الخشبةُ
تتزاحمُ فيها المسامير تحت مطرقةِ أبٍ واحدٍ؟
هل هو الخيمةُ
مضروبةً أوتادُها في خريف الرّياح؟
هل هو الجسدُ
مثلومًا كفناجينَ منطوحةٍ بأنيابٍ لا تسترها الشفاه؟
***
جُرَّهُ أيّها النصّ معك إلى مسلخة المخيال.
جُرَّهُ جثّةً لا يتّسعُ لها قبْر،
جُرَّهُ قارباً إلى تجربة النّهر،
جُرَّهُ تَرِكَةً مُجرّحةً بسكاكين الورثة،
خذه صامتا كالجبلِ المجعّد
خذه قديما كمعطف فلاّحٍ على كتفيكَ،
قديما كآهات حجرٍ
تحت حوافر شاحنات التهريب عبر الحدود
خذه غداً يترنّح تحت مثاقيل أمسِ.
خُذْهُ في يدِكَ كمحفظةِ تلميذٍ
وزنُها سبعةٌ وسبعون رطلاً من الحيرة.
عد به أيّها النصّ إلى الغار أو إلى الغابةِ،
ثبّته كحجر على ترقوة المجازِ بفتيل حلفاءِ النّحو،
ثبّته واصعدْ إلى أسطورة الحكي،
لا تأْمَنْهُ إلاّ..
كما تأمنُ لحليب الوقت فوق النّار،
لا تأْمَنْهُ إلاّ
كما تأمنُ لنشيدٍ
تتّسعُ من تحته الحُفْرةُ
لا تُرخِ له حبلَ اللغة،
فتهرَّ فيكَ جِرَاءُ الفتاوي،
***
مكانٌ ذاك أم محضُ سمادٍ في حدائق كَتَبَةِ السّرد..؟
مكانٌ ذاك أم غابة أوراقٍ لا جذوعَ لها..؟
دُلَّني على حائطٍ واحدٍ، لا صدْعَ فيه،
دُلَّني على رصيفٍ لا يشتكي من حكّةِ اليأس.
دلّني على مساحةٍ ليس لها ظهر القنفذ
تحت قدميّ الشاعرِ الحافيتين.
***
يا نصُّ قد قاسمتك خبزة أولادي،
قاسمتك السرَّ والمخدّة والسرير
ربّيتكَ كالنبتةِ في تربة جسدي أربعين سنة.
حملتك معي في سفري، وحملتني،
أطعمتكَ الكِبْدَةَ والقلبَ، والرّعشةَ
تسلّقتُ معكَ جبلَ المُمْكِنِ،
وانحدرتَ معي إلى وادي الأسف.
يا نصُّ جِدْ لي مكانا فيك غيرَ المكان
جِدْ لي طريقا فيك لا عودة منه.
خذني بعيدًا
خذني وحيدا كورقةٍ
تفضحُ أكذوبةَ الشجرة.
05/12/2016
الأخضر بركة
الجزائر