سهير عبد الرحمن - عودت عيني على رؤياك

في طريقي إلى كليتي بالقصر العيني كنت أسلك نفس الطريق كل يوم : على عتبة عمارتنا البهية أتصبح بوجه عم عطية البواب النوبي يرفع يده يضرب لي تعظيم سلام و يقول بلهجته المحببة : بالسلامة يابنت الغالية , ثم يتوالى بالدعاء للمرحومة أمي كل صباح.لن أنس أنها حتى في أيامها الأخيرة من عمرها كانت تصحو من غفوتها لتطلب منا أن ننزل لغرفته في بئر السلم و نعطيه من الفاكهة الطازجة و ليس من الفاكهة التي لم نأكلها و قاربت على العطب. حتى الملوخية المنتشية من "طشة التقلية" كان له دائما نصيب فيها هو و زوجته و قبل أن تمضي و لو ساعة واحدة في البراد.
أمر على مدرستي الثانوية و أتذكر مدرسة اللغة العربية و مدرسة اللغة الانجليزية,و أتذكر أمي....
ثم أصل لبركة الفيل ( لا أدري هل كانت هناك فيلة في تلك المنطقة التي كانت قديما بركة,هي الآن في معظم الأوقات مجارى طافحة يمرح فيها بط و أوز بياعي الطيور .
أمر في حارة ضيقة على جانبيها محلات خضراوات و فاكهة و فرن مشهور تفوح منه رائحة المعجنات الساخنة تعرض في صواني مكشوفة ( و للذباب نصيب في كل ما هو معروض في الحارات ).
الأغاني تصرخ عاليا من كل محل على حدة,كل صاحب محل يجبرك على سماع أغنيته المفضلة فتنتهي بضجيج يصم أذنيك و تدرك أن صاحبى المحلات كلهم مصابون بالصمم.

مارة بمسجد السيدة زينب البهية أبطئ خطواتي و أقرأ لها الفاتحة. قد أسمع صوت زغاريد في المسجد فأدرك أن إحداهن جاءت لتوفي بنذرها : "زغرودة في أم هاشم" ( طيب جنيه صدقة أفضل من الصياح في المساجد .أين دور الأزهر الغائب عن تلك الممارسات ؟ لا تجد دوره إلا في صندوق النذور ( ماذا يفعلون بهذه النقود؟ هل يصرفونها على المسجد نفسه ؟ ).

في الأيام الممطرة أو شديدة الحرارة كنت أضطر لركوب الحافلة "أتوبيس نمرة12 جامعة أو منيل " .علي ساعتها أن أتحمل الازدحام الشديد و أقف مدافعة طوال الوقت عني حتى لا يلمسني هؤلاء المرضى جنسيا و نفسيا الذين يتلذذون بلمس أجساد الحريم في ساعة الذروة في الحافلات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى