ليست كل الوصفات الطبية موجّهة إلى الصيدلية لشراء دواء أو تركيبه ..بعضها كانت تذهب إلى العطّار فيما مضى ..وبعضها كما يجري في الطب البديل مثلاً تذهب إلى الطبيعة للتفنّن في اختيار طعامك –الذي خلقه ربُّك فقط – بدون إضافاتٍ صناعية ..على مبدأ الوقاية خيرٌ من العلاج
لكنْ عندما تعجز وصفاتك عن اجتراح...
آه لو كنت أنا غيرَ أنا ..
أريد الآن اسماً غيرَ اسمي .. و رسماً غير رسمي ...
أريد مهداً غير الذي وُلدت فيه .. وحليباً غير الذي رضعته ..
أريد أباً غير الذي تزوّج أمي ... وزوجاً غيرَ ابن عمي .
أريد أن أولدَ من جديد .. وأبدأ بداية أخرى ..
تعبتُ من معاندة الدهر .. ومكابدة القهر .. في زمن...
كانت أمّاً لأولادٍ متفوقين في مدارسهم ولكنها كانت أميّة !..لا تعرف شيئاً عن الكتابة والقراءة ولكنها تعشق العلم والمتعلّمين ، وتعتبر رتبة العلم أعلى الرتب ولا تنفكّ تزرع في أولادها تلك الخصلة ..وتشحذ فيهم الهمم ومن طلب العلا سهر الليالي ..وكانت تنقّي منهم شوائب الشتات في الفكر فلا ضياع في الوقت...
وكان لابدّ لي أن ألتقيها في ليلة الميلاد بعد طول بعاد ....وكنت أتخيّل نفسي كبابا نويل يعود بعد سنة والطفلة الجميلة تنتظره ..ينزل إليها من مدخنة البيت فيغرف لها الهدايا من كيسه ..وما أشعرتني يوماً بأنّ بابا نويل شيخٌ ولحيتُه بيضاءَ كالثلج
وكنت أظنُّ أنّ عودتي إليها كعودة المياه إلى مجاريها...
ولو كانت أكبر منه عمراً يراها صبية ..
ولو كانت مليئة القدّ يراها رشيقة..
ولو كانت مقلّة في إطلالاتها على الشرفة يراها مُلفتة لو أطلّت ..بل وجذّابة تجذبه فيسترق النظرات إليها
ولو كان لا يعرف اسمها ..يكفيه اللقب الذي يسمونها به (أمُّ ابراهيم )!..
ولو كان بنوها يتراكضون في الحي ويرمون...
وكان الإسكندر الأكبر وجيوشه الجرارة يحتفلون بالنصر قبيل المعركة لذا ما عرفوا الهزيمة وأيامهم كلها أعياد انتصار ..أما أنا فأرثي أبي وما زال حيّاً لذا فقد كان ميتاً منذ زمن.. وفي سنواته الأخيرة كان يقيم جنازته كل يوم كمشهدٍ تمثيلي نتدرّب عليه ..ووصيته كتبها آلاف المرات
وكأنّ النصرَ إحساسٌ...
ماذا سأفعل له ليهشّ ويبشّ في وجهي .. ولو قليلاً .
وكيف سأبعد حاجبيه المقطبين
وكيف أفرّج الإنقباض من عضلات وجهه .. وأكسر الحدّة في نظراته ..
كيف أحرّك الحروف في سكناته.. فأمنع التقاء الساكنين ..
كيف أخفّف الشدّة فوق حروفه ..
كيف أحذف أفعاله الآمرة والناهية والمعتلة والعليلة
كيف أضع...
كل شيء في غير مكانه ..هذه هي حياتي بالمُجمَل
وما يصحُّ دائماً هو غير الصحيح !
أنا ما كنت لحبيبتي التي أحببت ..وكان ينبغي أن أكون لغيرها بأمرٍ من القضاء والقدر ..وتلك المرأة كانت لغير ما أحبّت ولغير ما تحبّ ..
وهكذا تتزلزل الأرض وتميد لأن ذلك الجبل ليس في مكانه ..تحته غورٌ فارغٌ لابدّ من...
قصتنا اليوم – يا من تقرؤون – سيرويها أبطالها .. وهم ليسوا أبطالاً إلا لأن قصتنا تتناولهم ، هم بالحقيقة صعاليك مجهولون وفاشلون..طرطشاتٌ مائية تنقذف من برك الطريق عندما تشقها عجلات السيارات المسرعة .. ومن يأبه بتلك الطرطشات الموحلة .. بل على العكس يتحاشاها الجميع وينظفون ثيابهم لو تطرطشت بها ...
قلت لها رداً على مكالمية هاتفية :
-عيادتي للمرضى فقط بناءً على موعدٍ مُسبَق ..وإن كانتِ الحالةُ إسعافيّة فعليكِ بأحد الزملاء وما أكثرهم (والحمد لله )!..لذلك اعذريني من فضلك ..ولا داعٍ للإلحاح
قالت :
-ولكنّ أمي مريضة قديمة عندك ..وهي مصرّة عليك وإن كانت لجأت لغيرك في السنوات الماضية ، فالسبب...
بين الفينة والأخرى قد أفتح موقع الأنطولوجيا متصفّحاً .. بدءاً بالصفحة الرئيسية.. متصفّحاً كما قلت .. أو زائراً ومقلّباً الصفحات ومدوّراً فأرة الحاسوب نزولاً وصعوداً .. ولا أدري لماذا يكون مروري سريعاً؟
يومها كنت أرسلت منذ يومين مقالة على طريقة (معاينة ).. ثم ( انشر نصاً).. ووضعوني يومها أنا...
لا ثمّ لا .. لا وألف لا ..
لا حَيْل لي لقراءة كتاباتي ثانية
عناويني لوحاتٌ شوارعية تجعلني أحيدُ عنها عندما أراها
أحنث بها كيمينٍ كاذب .. كشهادة زور
كأنها تصيح بي أن لا أعاود السير حذاءَها
ولا قِبَل لي لتدقيق ما كتبت .. لأني لو عاودتُ قراءة أسطري سأشطبها كغلطٍ شذّ به قلمي .. وشططٍ شطَّ...
رجاءً لا تتمسّكوا بيدي وأنتم تلفظون أنفاسكم الأخيرة .. قد تسحبوني معكم.. ولست جاهزاً بعد لمواجهة حتفي .. ولست مستعدّاً للقاء ربي!
لا..لا تتشبّثوا بي .. تملّصوا منّي كمَليصٍ ذي سطوحٍ زلوقة
لا تنظروا في وجهي وأنتم في الرّمَق الأخير .. قد تنطبع صورتي في شبكية عيونكم كصورةٍ أخيرة من الدنيا الدنيئة...