هو، «أشرف» خميرة الغَم، مَن أفسدَ اللحظة. الدنيا كانت حلوة. قُبلات تفرقع على الخدود، وأياد مشدودة بسلامات عفيّة. موسيقى عالية لأغنية قديمة حماسية، تستثير حتى تراب الأرض الذى انتفض وداخ فى دوّامات متلاحقة.
صحيح أنها دوامات قصيرة العمر، لكنها صنعت صخبا طبيعيا خافتا بجوار الصخب الآخر المبهج. كنا...
* إلى صديقي الشاعر.. الغائب في بلاد الثلج والضباب.
عليك السلام في ليالي الصقيع. السماء - لابد- ترعاك وأنت تحت مظلتك في طرقات الثلج. ليرفق بك الليل الطويل هناك، ولتزرك الشمس الخجول. أنا وعظام أجدادي المتقلقلة في ترابها نقرؤك السلام، ونقاسمك خبزك وشاي الصباح وأخبار بلدنا في الفضائيات...
في ذكري مرتبة "يوسف إدريس" المقعرة
في المرة الأولي بدا مثل طفل علي ظهر جمل، وهو يشير ناحيتها ان تقبل.
كانت واقفة مبتسمة في قميصها، متطلعة له. وكان يطرقع بيديه علي المرتبة، وينتر جسده صعوداً وهبوطاً لينيخ تلك المنتصبة المشدودة. نادي بعبث: تعالي اقتربت تتلوي، ومن وضعه المزعزع مال وخطف قبلة. لفت...
التاريخ يدلنا علي كيفية صناعة المستقبل، ولأننا دوما لا نعي دروسه، ونسعى الى تكراره بذات الأخطاء القديمة، فإننا نعجز عن خلق مستقبل جيد يحقق لنا الرفاهية والتقدم، ونتحقق من خلاله، ان قراءتنا الخاطئة للتاريخ هي التي تمنعنا عن استيعابه، وتوقعنا في الخطأ المتكرر، لأن القراءة الصحيحة له كفيلة بأن تكشف...
صلاح عبد الصبور عجائز الرجال والنساء، ذوو الوجوه الموشومة بخطوط الزمن في الجباه والرقاب، قالوا إنه مات في أيام حلوة! وصبية المدارس كانوا في المسجد لحظة الصلاة عليه وهو مسجي بقلب النعش الفائح بعطر الموتي. مات يوم وقفة عرفات، في أول أيام الإجازة الممتدة لأسبوع كامل. هل لهذا السبب خرجت البلدة كلها...
من أول نظرة، عرفت أنني لن أكون محايدا تجاه وجه الرجل الذي يجلس بجواري في الأتوبيس. مع ذلك حاولت أن أنساه، وتركت رأسي يغفو فوق صدري. لم أتمكن؛ لأن الوجه اقتحمني في غفوتي بمجرد أن أغمضتُ عينيّ. رفعت رأسي نحوه من جديد: الشَّنَب! شَنب ملفوف ومستقوي.. عَمَّر سنوات طويلة، حتى انفتلَ بتلك الهيئة، وذلك...
لي وحدي هذه الصفوف الثلاثة المستطيلة، بكل صف خمس عشرة نجمة صغيرة. والمحصلة خمس وأربعون نجمة. نجومي نقاط ضوء، حولها وميض كريستالي رقيق خلف زجاج الكشَّاف الذي بالكاد يطاول نصف ذراعي. هذا العدد الهائل من النجوم، في الوقت الذي تغيب فيه نجوم السماء الباهتة؛ هو حظي، منحتي في سويعات انقطاع الكهرباء...
رمي أحمد النكتة وسكت. كنا نعرفها بالطبع: مُدرِّسة دراسات تاه زوجها، فذهبت لتبحث عنه في الخريطة! لحظتها لم نضحك؛ لأننا كنا في الحصة الأخيرة التي هي حصة "دراسات"، ولأن الأبلة سناء ليس لها أثر في المدرسة طول النهار. سيتركوننا مع دوشتنا ولن يسأل فينا أحد. ومن كلمة إلي كلمة...
هذا هو الأستاذ في طريقه إلى الجامع القريب. تعرفه البيوت المتساندة على بعضها، وتراه تلك العيون البارقة، المختبئة في الشقوق الطولية للجدران الرطبة. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها للجدار، يبتسم قليلا ويمضي.
لا يكاد يدوس على الأرض. ينقل خطواته بشكل...
كنت أراه كل صباح وأنا ذاهب لعملي. أُقسِّم نظراتي بين وجهه وقرص الشمس الوليد. هذا الولد لابد أن الله خلقه بمقاييس مختلفة. يراني فيبتسم، فيما ذراعاه تسندان حقيبة ثقيلة على الظهر. أُعنِّف نفسي: لابد أن أتذكره في الليل. في الصباح التالي، وبعد أن يفوت، أرجُّ دماغي وألتفت: غدا سأقف وأكلمه. حلمت به في...
الليلة يطوف بنا الملك طوافه الأكبر.. فدعونا نعرف يا أحباب
يظهر قادما في ضوء العواميد الاصفر المتعكر، يمشي متطوحا في عباءته الصيفية الكاشفة لمفرق صدره المشعر، والاكمام المحسورة عن عضلات بعروق منفوخة، تلمع صلعته لمعة زيتية محببة، نقوم كلنا من علي الحصيرة الكبيرة المفروشة جنب جدار الجامع، يرمي...
للشرفة لابد من نافذة تُفضي إليها..
أجدادنا الأحباب يُعللون ذلك بقولهم إنه في بدء الخليقة كانت النافذة وحيدة، فتضرعت إلي السماء أن تهبها امتدادا تكون هي الأصل فيه. فجاوبت السماء نداءها: لتكن لكِ شرفة، ولتكوني حاضرة بين زميلاتك اللاتي بلا شرفات. أنتِ أصلك ممدود، وهن أصلهن مقطوع.
من يومها، والنوافذ...
فى السابعة عشرة، تمكّنَ هذا الولد من إخفاء حفنة نجوم تحت قدميه دون أن يراه أحد. رفرفت معه طيور الدنيا، طارت الفراشات كرنفالية الألوان فى غناء «ليلى نظمي»: «جَاى منين؟.. م الثانوية. رايح فين؟ ع الكُلّية».
نعم، كل ذلك رائع.. لكنه مأخوذ بنداء حاسم: على الكُليّة سِرْ. يسمع الصوت آمراً، بلهجة ممطوطة...
في رأس رَجُلِنا الماشي فِكر وانشغال، وفي عوده انحناء خفيف. أمامه مباشرة يخطو واحد آخر، لا يختلف كثيرا في الأناقة البسيطة والمشي بإيقاع منتظم يمكن قياس خطواته بدقة. الاثنان في قلب شارع تُطوِّقه دائما لافتات قماشية للمرشحين في أي شيء، ويفترشه منذ الأزل باعة كل شيء. يأخذون منه...
(1) وصايا
واصل، لا تهتم وسر في قراءتك. لا تنظر نحو أحدهم وامش بعينيك في السطور. مهما يكن، لن يحدث شيء خطير إذا تجرأ واحد منهم. تابع ما تقرأ، وتهيَّأ لتصل إلي نهاية لا تعرفها. لا تعبأ واعبر الصفحة الأولي. خذ نفسا عميقا من بطن الكتاب، وتمتع برائحة التونة الصابحة! دس أنفك في المكتب وشم الخشب. هذه...