حسام المقدم

تغني نجاة "عيون القلب" على شاشة تليفزيون أبيض وأسود، بفستان أبيض نوعا ما أو رمادي. ربما كان ذلك في أواخر الثمانينيات، وبجواري تجلس جدتي، التي لم تتكلم مرة واحدة عن الأغاني والمغنيين، ولا يدخل هذا الكلام في حساباتها، كواحدة من ملايين ضمن أجيال عاشت نهارات وليالي وأعواما طويلة في الغيطان، في...
إلى روح "غسان كنفاني". .. أذكر الثّقة على وجه "سامي"، صديقي المُخرج المسرحي، وهو يُخبرني أنّ صورتي مُعلّقة بجوار صُور كُتّاب وفنّانين مشهورين، في مكتبة صغيرة أمام كُليّة التّربية النّوعيّة. تعجبتُ: "أنا؟!" "والله شُفت صورتك، تضع يدك على جبهتك، وبين أصابعك سيجارة". "ما هذا...
استلمتُ ورقتي وبدأتُ في قراءة الامتحان. من عادتي أن أُغمض إحدى عينيّ وأنا أمرُّ على الأسئلة بسرعة. أتفاءل بأنني أعرف الكثير، والقليل الباقي يُمكنني الاجتهاد فيه، مثل سؤال العَشرة سُطور. اثنان من المُراقِبين يقفان بحزم وسط طُلاب اللجنة المُوزّعين في المُدَرَّج الواسع. أقرب زميل لي يبعد ما لا...
في فيلم "بقايا اليوم" يعمل مستر "ستيفِنس" (أنتوني هُوبكنز) رئيسًا للخَدَم بقَصر اللورد الإنجليزي "دارلنجتون". وفي أحد المشاهد يقوم بإمرار المِكواة على الصفحة الأولى من الجريدة اليومية، لإزالة أية تجعيدة على الورق، قبل أن يلمسها سَيِّدُه اللورد. تذكرتُ التّصرُّف المُتفاني؛ وأنا في طريقي لمقابلة...
صوتٌ غريبٌ في المقابر. خَرفَشة واضحة، مصحوبة بطَقْطَقة تُشبه عِظامًا تَتكَسَّر. يقف يَتَسمَّعُ، وهو يخطو في هذه الساعة الفَجريّة. صَفير الكروان يتدرَّج صاعِدا من مكانٍ ما. نصف قمر في السماء، ينشر نوره الشحيح، يُظهِر شوارع ضيقة، على جانبيها مدافن مُسوّرة، تحكمها بوّابات ولوحات رخام بأسماء...
النُّكتَة جاءت في موعدها. قالها أحمد فجأة: مُدرِّسة دراسات تاهَ زوجها، فذهبت لتبحث عنه في الخريطة! ضحكنا في نَفَس واحد، وبقينا في انتظار دخول الأبلَة سناء التي لم تظهر طول اليوم. في الفصل "دَوْشَة" كبرى تُصاحب دائما الحصة الأخيرة، أصوات ونداءات وخبط وزعيق. من كلمة إلى كلمة اكتشفنا أننا جميعا...
أجلس على نار في انتظار أن تكتمل الكراسي. عيناي تَمرَّان على وجوه الرُّكّاب في الأتوبيس، أحملُ هَمًّا يُقطِّعني: أن أرى "علاء" جالسا بينهم، أو قادما للركُوب. حينها سأضطرُّ إلى ابتسامة صعبة، تُحرّك عضلات وجهي بالإجبار. لساني سيقول كلمة أو كلمتين من تحت الضّرس. أنظر في الساعة، أنفخُ، أشعر بِضَربات...
“أيوا الملك والوزير، مِش مصدّق؟” لا يعنيني أن أُصدّق أو لا أُصدّق، إنما ليس بي طاقة لسماع حكاية معجونة من أزمنة بعيدة، على لسان رجل لا أعرفه، وبالصدفة وحدها يتقدّمني في الطابور. لا يزال مُلتفتا تجاهي. أطوف بتفاصيل وجهه الأسمر المسحوب، وعلى الفور أربط ملامحه الطيبة بملامح عبدالوارث عَسَر...
درجات قليلة أصعدها، بعد انحرافي عن الشارع، وأُصبح في محطة القطار بمدينتي. المكان الذي أحببته دائما، وظلَّ يجتذبني، ويُكسبني الشَّغَف بالوجوه: وجوه عابرة ومُنتظرة وقلقة، حميمة ومُتعَبة ونافرة. أقف أمام صف المقاعد الرخامية ذات المساند، مُستطلعا أفضل مكان لجلوسي. أبقى مُتحفِّزا لقطارٍ يُقبل وآخر...
الشياطين أيضا كانوا يعرفون خبر الأمطار الغزيرة المُحتمَلة. ليس ذلك غريبا، وكل النشرات والصفحات الرئيسية لمواقع الأخبار على النت؛ نقلتْ توقعات هيئة الأرصاد الجوية، وإعلانها من مساء الجمعة أن يكون الثلاثاء التالي هو الأسوأ، في ذروة الموجة الباردة التي تعصف بالبلاد. هذا الشيطان، الذي يهوى...
اليوم، في الضُّحى تحديدا، صحوتُ. كالعادة رميتُ نظرة نحو الشجرة القائمة في ركن الحجرة: لا تزال على حالها وزهوتها الخضراء المُراوغة. من فراشي صفقتُ كفيّ ببعضهما، وخرجت حروف بطيئة من شفتيّ المزمومتين: بوتيرو! جرى ريقي على رائحة القهوة، فقمت لإعدادها. في المطبخ الصغير المسنود على حجرتي؛ تناولتُ...
إحدى الليالي من صيف 2005، قرف وزهق بعد ندوة كالحة تركت أثرا نفسيا سيئا؛ لكنها لم تمر دون ما يجبر الخاطر.. فعلى فَرشَة الجرائد يسطع كتاب "خلوة الغلبان"، مطبوع عليه الصورة الأيقونة لإبراهيم أصلان: الشارب الكبير والشعر الهائش، والأهم.. عيناه المقلوبتان للأعلى، بطِيبة وتأمُّل وأسى غريب، في خلطة لم...
مدت “نوال” زجاجة المياه المملوءة أمامي على الترابيزة العريضة، وقالت إنها غسلتها جيدا بعد رائحة سجائري العالقة بفوهتها منذ عام! رأيت أظافرها المهندمة تحوط الزجاجة وبها دوائر من الأخضر الباهت. بعد قليل ستقول “نوال” إنها قضت وقتا طويلا في عمل المحشي، وبسطت أصابعها أمام “سامية” زميلتنا التي تشاركنا...
الحالِم .. كانوا يقصدونكَ بالزِّيارات في أحلامكَ. يأتونَ كبشَرٍ من لحمٍ ودَم، وتكاد تلمس أردِيَتَهم مذهولًا مسحورًا. ** (1) المُتَنبّي: في الحُلم هو أكثرَ طمأنينة، وأنتَ أكثرَ فزَعا تُحاول التَّخفِّي منه في دُروب الصّحراء. ما من مرّة يظهرَ فيها...
(1) المستطيل: لا أزال، بعد سنوات في هذا البلد العربي، أتذكر كيف كانت البداية.. سألني الرجل في مكتب السفَر: كيف تشرح درسا كالمستطيل مثلا؟ تفاجأتُ حينها بمنظره. ظننتُه مصريا، لولا لهجته. شعره أسود جدا وطويل. لا يُغطي رأسه، ولا يلبس عباءة أو جلباب، بل الجينز والقميص المشجر. قمتُ واقفا أمام...

هذا الملف

نصوص
77
آخر تحديث
أعلى