قال الدليل:
أمامنا صحراء، ومن ورائها صحراء أخرى بكثبان عظيمة متموجة. سنعبر كل ذلك، ثم أتركك أمام المدينة التي تطلبها.
…..
تقف مُنهكا على أول المدينة وتتعجب: مدينة مشاع، يدخلها الداخل فلا يُوقفه حُراس أو تمنعه أسوار. تتوكل على ربك وتخطو، لكنك لا تكاد تتجول بعينيك قليلا حتى يضطرب رأسك...
سطور غير عادية، في مقدمة كتاب " سَفَر" للإنسان الكبير والكاتب المتفرد " محمد المخزنجي"؛ جعلتني أقف، وبمَيْل كامل أُدندن كلماتها التي حفظتها بطول العِشرة مع حروفها. سطور تحت عنوان: " نافذة قرب الجناح"، تُخبر عن روح تمكّنتْ من الانفلات، وظفرتْ أخيرا بسفر على طائرة ستحملها بعيدا عن القهر المتواصل...
اصبر يا مؤمن، يا مَنْ تحج لأول مرة، مثل "رفعت".
هنا " السّيل الكبير"، أحد أماكن الإحرام، على مشارف سبعين كيلومترا من مَكّة. يَمرُّ به الحجَّاج القادمون من العاصمة، وما تلاها من مُدن على الطريق السريع. في المدخل ساحة خضراء واسعة، وبعد ذلك، في الممر الضيق الطويل، هناك روائح العرق غير المُحتمَلة،...
الليلة يطوف بنا الملك طوافه الأكبر.. فدعونا نعرف يا أحباب
يظهر قادما في ضوء العواميد الاصفر المتعكر، يمشي متطوحا في عباءته الصيفية الكاشفة لمفرق صدره المشعر، والاكمام المحسورة عن عضلات بعروق منفوخة، تلمع صلعته لمعة زيتية محببة، نقوم كلنا من علي الحصيرة الكبيرة المفروشة جنب جدار الجامع، يرمي...
مام هذا الشاب الثلاثيني، سبع دقائق وعدة ثوان، ثم يموت بعدها! عرفتُ ذلك من خلال قُدراتي الخاصة، حين رأيتُ وجهه، وتابعتُ خطواته في الشارع القاهري الهائج.
كيف أُخبره بالحقيقة، دون أن أتسبب في موته المُفاجئ بالسَّكتَة، قبل انقضاء الدقائق الباقية؟ لا لا، وهل أنتظر حتى أُفكر؟ أسرعتُ نحوه واستوقفتُه...
تحكي "فاطمة" لزميلاتها أنها تحلم، وفي الحلم تكون خارجة من بيتهم؛ فتحاذيها دجاجات، وتدخل بين قدميها وتخرج أرانب وقطط ناعمة.
"فاطمة" رائدة فصل (6/2) الذي أدخله يوميا. معها طباشير الفصل ودفتر الغياب. خطها جميل وتكتب عناوين الدروس كأنها ترسم. من تلقاء نفسها، بادرت بكتابة قائمة جديدة بأسماء الفصل،...
في طريقه إلي الجامع القريب؛ يعرف الأستاذ هذه البيوت المتساندة علي بعضها.
البيوت أيضا تعرف الأستاذ، وفي شقوق جدرانها الرطبة تختبئ تلك العيون. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها لجدارٍ ما، ثم يبتسم قليلا ويمضي.
لا يكاد يدوس علي الأرض. ينقل خطواته بشكل...
والذي رفع السماء بغير عمد، وحق الساعة ويوم الحساب؛ حين أطلَّ وجهها على هذا الآدمي.. شفّت عيناه بصفاء مذهول، وسرى همسه في مقطعين: أولهما شهيق مفاجئ مع وقفة جبرية، وحروف تعلقت باللسان في سقف الفم. والثاني تنهيدة مسترخية تهادى معها اللسان هابطا لمستقره. الله! ظلت شفتاه منفرجتين حتى تلاشى زفيره...
آخر الليل، وبقعة زيت بجوار العربة. بقعة رغم دُكنتها قادرة على عكس الجسد المقلوب لكل قادم جديد. أرفع رأسي من مكاني بالكرسي الأمامي فأرى القوام المنعكس للبشيرالمنتظر. غالبا يأتي بالهاند باج ويدخل مهدودا مرتميا. ألتفت خلفي وأحسب الباقين. أربعة ربما أو خمسة، والسائق بوجه ناشف ينظر في الداخل ويقول...
منذ بدء العالم تسقط الأشياء كلها على الأرض، وليس التفاح فقط. هذه حقيقة مثل الشمس، وظلت هكذا لدُهور حتى منحَها "نيوتن" الجَلال العِلمي، وأسماها "الجاذبية". لكن في أزمنة حديثة، مثل الزمن الذي عاش فيه "عبدالله"؛ لم يكن الموضوع على هذا القَدْر من البساطة.
الولد "عبدالله" كان ينظر للأرض كثيرا وهو...
لو لم يأخذ باله في آخر لحظة؛ لأكله الموتوسيكل وسائقه الموتور بسرعة سينمائية. خطف نفسه مُتفاديا الأزيز المجنون، ووقف مائلا فوق سياج الكوبري العتيق، مُغالبا سخونة الدم إثر صدمة تخيُّلية كادت أن تطوله في حارة المشاة. في الأسفل البعيد ماء مُخضر تتشكل موجاته الصغيرة بانتظام بليد، وخلف ظهره أقواس...
لك ولع قديم بسبر القلوب. تظل تبحث وتدقق وتنبش التراب والسطور لتصل إلى شيء جديد يخص هؤلاء الذين يقصدونك بالزيارة في ليالي أحلامك. كانوا يأتونك كبشر من لحم ودم وتكاد تلمس أرديتهم مذهولا مسحورا. حقا لم تعرف أحدهم ولم تره، لكنها القلوب وما بها من عيون !
أمل دنقل
“أمل دنقل” يأتي بطرقات ثلاث على صدر...
(1) دمٌ وجذور
تأمل ذلك الضرس المخلوع،
إنه يئز ويؤلمك عند خروجه في كماشة الطبيب.
سيترك فجوة في مكانه.
كانت جذوره فيك، ودمك كان فيه.
لا تحزن على عدم استقامة صف الأضراس،
وابتسم لدمك الذى يغذي الأضراس الضاربة في العمق.
(2) الشارع
أنت أيها الوحيد المتفرد،
يا من تنهشه الغربة بأسنانها الصدئة.
هل نظرت...
لابد أن شيئا ما يُغبّر هذه الوجوه المُتعَبة التي لم تعد على استعداد لتقبل فكرة الابتسام، ولابد أنها مهمة شاقة عليك أن تسحبهم مرة أخرى إلى انفجار القهقهات والرجرجات وجعل الدموع العزيزة تطفر من العيون، والروح تتقافز صاعدة حتى تصبح على مسافة شعرة من الحلقوم. هذه الوجوه التي تُطالعك فى الحافلات...