حسام المقدم - الحالم.. قصة قصيرة

لك ولع قديم بسبر القلوب. تظل تبحث وتدقق وتنبش التراب والسطور لتصل إلى شيء جديد يخص هؤلاء الذين يقصدونك بالزيارة في ليالي أحلامك. كانوا يأتونك كبشر من لحم ودم وتكاد تلمس أرديتهم مذهولا مسحورا. حقا لم تعرف أحدهم ولم تره، لكنها القلوب وما بها من عيون !
أمل دنقل
“أمل دنقل” يأتي بطرقات ثلاث على صدر الباب. تفتح فتراه مبتسما عاقدا ذراعيه فوق صدره. يجلس على كرسي وحيد لا يغيره. تلتزم الصمت وتشرب ملامحه بعينيك متأملا مسحورا. تقول له، في البدء، إنك تعرف قصة حياته.. تتلو من الذاكرة: “كان ياما كان/ أن كان فتى/ لم يكن يملك إلا مبدأه/ وفتاة ذات ثغر يشتهي قبلة الشمس/ ليروي ظمأه”. يتلفت حوله بضيق ويطلب تغيير الجو. ترحب وتدمع لهذه البساطة المنسابة. لا تطرف عيناك عن هذا الوجه، الوجه الذي تفحصته وعاينته قبل أن ترى صاحبه بسنين، وجه ابن عمتك “رفعت” الذي مات تحت ثقل جرار زراعي انقلب فوقه في الترعة الصغيرة وبقيت منه صورة معلقة حتى الآن على جدار طيني في بيت عمتك المكسورة. كيف جمع الزمن بين الوجهين ؟ كيف وحد بين النهايتين ؟ الملامح راسخة في ذاكرتك، تعرفها جيدا الآن بجوار هذا الوجه الحزين المجدور. على شاطئ بحر ليس له آخر تقفان. “أمل” ذهب مغاضبا بضع خطوات. لن تنسى ذلك الفم المهول لحوت عظيم وقد تمطى والتقمه في غمضة عين، واللحظات الرهيبة لانتظارك مذعورا حتى يشب ذلك الفم مرة أخرى ويلفظه في هبة قوية أسقطته بجوارك مهدودا. بدا كأنه غاب لأعوام. يخبرك أنه في بطن الحوت لم يطق صبرا وراح يشك البطن اللينة بسن القلم فكان ما كان. قال إنه قرر الرجوع رغم كل شيء، وأن العزلة بالنسبة إليه موت حقيقي. سار بك نحو مقهاه الذي بدا خاليا إلا من آثار أقدام على البلاط المترب. فجأة تتلفت حولك فلا تراه. تزعق، تجري، تهتف باسمه الغالي. يجاوبك هاتف بعيد مشروخ: “كان في كفي ما ضيعته/ في وعود الكلمات المرجأة/ كان في جنبي/ لم أدر به/ أو يدري البحر قدر اللؤلؤة ؟”. يزداد جنونك أكثر. تنادي وتصرخ. يعود الصوت المجهول صاعقا من الجهات الأربع: “أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟”. يظهر “أمل” على هيئة شبح أبيض بجناحين، يطير ويسحبك وراءه في سماوات وأزمان وأمكنة. لن يتغير هذا الحلم بعد ذلك.. طيرانك في ذيل الشبح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى