ناصر كمال بخيت - الرسالة المفقودة...

عندما عجزتُ أن أبوح باسمها، شكلتُ من حروف اسمها لوحة تذكرني بها في كل لحظة بالشعر تارة وبالقصة تارة أخرى… أحاول أن أتحدث عنها، وكأنها من شخصيات إحدى القصص الخيالية، لكن حيلتي لم تكن تنطلي على أحد من الناس… يعتقد كل من يسمعني أنني واقع في الحب لا محالة.

سألتني ذات مرة: ما هو الحب؟

أخبرتها أنه حالة تنتاب المرء عندما يختزل الكون كله في من نحب… يصبح هو عالمنا والأشياء كلها تتحرك من خلاله، حتى الحروف الأبجدية تنحصر في حروف اسمه.

قالت: "يبدو ذلك خياليًا."

تركتني لأعبر الطريق بسرعة، تستقل الحافلة، تسقط كراستها، أهرول ناحيتها، أمسك الكراس، ألوح به في الهواء صائحًا "هيييييييييه"، لكنها لم تسمع، لم تر، ترحل الحافلة وترحل هي معها، يختفيان في طريق آخر.

أخذت أقلب في كراسة بشغف زائد، فوجدت بعضًا من خواطرها… كنت أجد في خطها أجمل الخطوط. أقرأ ما تكتبه فأستمتع به كما استمتع بشعر "أمل دنقل" و "عفيفي مطر"، لكن ما أثار حيرتي هو أني لم أجد حرفًا كتبته عني… سرعان ما زالت هذه الحيرة في تفسير ما هو الأقرب إلى الصواب من وجهة نظري. الحب الحقيقي يظل سرًا نخاف عليه غالبًا من أن تلمسه تلك الألسنة. حتى جئت إلى تلك الصفحة التي كتبت فيها: "جاءتني اليوم رسالة من حبيبي جاء فيها:

"عزيزتي بعد تفكير مضنٍ، أخذ مني الليالي ساهرًا، أدركت أننا من عوالم مختلفة، ولم نعد نصلح أن نكون حبيبين... يكفينا أن نكون أصدقاء، وربما يكتب لك القدر السعادة مع ذلك الشاعر المجنون الذي يطاردك."

توقفت عن القراءة بعد أن أدركت ما يقصد... أحسست بالمهانة الشديدة، لكن كان لا بد أن أتابع خواطرها، فربما دافعت عني، فأحس بأن كرامتي ردت إلى.

"لقد رأيته معك، قد يكون بدينا نوعا ما، ويرتدي نظارة طبية رخيصة الثمن وملابس من الزمن القديم، لكن أتعلمين أجده مناسبا لك، ربما في يوم من الأيام تكونان أسرة لطيفة."

ثم تابعت خواطرها:

"هكذا كانت رسالته لي، مثل الليل الذي هبط في صباح مشرق... كيف له أن يتخلى عني بعد ما تقاسمناه معا من لحظات جميلة؟ كتبت له رسالة لكني لم أرسلها، رغم كوني وضعتها في مظروف وألصقت بها طابع البريد، كما أنني دونت عنوانه كاملا عليه.. احتفظت بها لكي أحتفظ ببعض ما تبقى من كرامتي معه."

كنت متلهفًا أن أفتحها… هل كتبت عني شيئًا؟ هل نفت عني الجنون؟ وأخبرته أني فقط مختلف عن الجميع.. هل دافعتُ عن نظارتي الرخيصة وملابسي القديمة؟ لكي تخبره أن الفقر لا يعيب الرجال… هل كتبت له أنها وجدتِ عندي ما لم تجده عند الآخرين؟ لذا فتحتُ الرسالة بسرعة وقرأت:

"حبيبي

وصلتني رسالتك، وصدمني ما فيها، ولم أصدق أن ما بيننا كان وهمًا، وأن كل ما قلناه وقضيناه سويًا ينتهي بمجرد رسالة قصيرة.. تختصر ما بيننا إلى صداقة… تظل تتضاءل حتى نصبح يوماً ما غرباء، أما ذلك الشاعر الذي تحدثت عنه، فإن ما بيننا كمثل ما بين المسافرين في القطار، وقت نحاول أن نمضيه حتى ينتهي كل شيء دون أثر أو ذكريات... سأظل أنتظرك كل يوم في ذلك المكان... أنت تعرفه، وفي التوقيت نفسه الذي أنت تعرفه أيضا، حتى نلتقي."

انتهيت من القراءة وبعد لحظات من التفكير... عبرت الشارع أبحث عن صندوق البريد... خطوت نحوه... أغلقت الرسالة قبل أن ألقى بها داخل الصندوق ثم رحت أنظم قصيدة جديدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى