وداد معروف - هدية...

حملتها و أنا في طريقي إليهم. أهلت نفسي لاستقبالهم البارد الذي يلسعني في كل مرة أذهب فيها إليهم، حتى يتراءى لي الرجوع نجاة بنفسي من وقع الوجوم الذي يعلو وجه كل من يفتح لي الباب منهم، كأني زائر غريب لم يدخل بيتهم من قبل. في كل مرة أرى عليهم هذا التعبير و أراني تلك الغريبة المتطفلة على تجمعهم الأسري الحميم. أدخل و قد امتد البرود جليدًا حتى غرفة الاستقبال. أبدأ انا بلطيف العبارات علّها تذيب بعض هذا الجليد.
تستقبلني أخت له و تجلس معي أخت ثانية ثم تتركني لثالثة وفي الأخير تأتي أمه متثاقلة شاكية من أوجاعها التي لا تنتهي، نفس الشكوى و نفس الأماكن من عشر سنوات فأرد بنفس العبارات التي استهلكتها كثيرًا و شعرت أنها هي أيضا ملت نطقي لها، ها هي تدخل علي ، مدت طرف يدها قمت لها مرحبة مقبلة عليها، اقتربت لأقبلها وككل مرة لا أشعر بتجاوبها معي، قبلت وجنتيها، جلست بجانبي سألتني عن أحوالي ، تبادلت معها بعض العبارات، شربت كوب المغات طلبت منها أن أصعد لسلفتي لأهنئها بقدوم مولودتها تململت في مقعدها وقالت لي : انتظري قليلاً ، أم إيناس تحمم المولودة و الحجرة مغلقة حتي لا ينفذ الهواء فيصيب البنت الصغيرة، التفتت إلى الهدية التي بجانبي و قالت : ما الذي جئتِ به لتقدميه لإيناس؟ حملتها و قربتها من يدها و قلت: هذه كوفرتة للمولودة؛ ما اسمها؟ جاء ردها سهم استقر بقلبي "ألا تغارين؟ أنجبت بطنين و أنت كما أنت لم يمسك رحمك شيء!" قالتها وهي تصوب عينها في عيني بتحد عجيب، أذهلتني قسوتها عن نفسي و من حولي، جئتها راضية عن قدري لِمَ تصر علي إضجاري منه ؟! كثيرًا ما تصوب كلماتها المسمومة لي حينما تخلو الحجرة إلا مني و منها، في حضرة ابنها تصقل كلماتها و تنعمها كما الزبد، صمتُّ ولم أُحِر جوابا لبرهة ....
ثم قلت و أنا أكظم مشاعري: و هل نَزَعَت مني حظي ؟ هل إيناس هي التي وهبت لنفسها الذرية؟ لِمَ أغار منها؟ لن أغار أبدًا منها و لا من غيرها لإيماني أنه يهب لمن يشاء و أيضًا يجعل من يشاء عقيمًا، هي كأختي أفرح لفرحها و أشاركها إياه. انقلبت سحنتها و أدارت وجهها إلى ناحية الباب، فقمت و توجهت للسلم؛ لأنهي مهمتي التي صعبتها عليّ تلك المرأة بعدما رأتني حاقدة جئت أتقنع بالرضا وقلبي مملوء حسدًا و غيرة.
بدأت الصعود ووجهي يمتقع لونه ودقات قلبي تضطرب في صدري وقفت علي بسطة السلم لأتوارى و أمسح دموعي التي طفرت مني رغمًا عني؛ فليس من عادتي أن أُريَ أحدا ضعفي و انكساري، وضعت يدي علي صدري أهدئ من نبضاته إن استطعت، كأني أريد أن أقبض عليه بيدي ليتروى في نبضه، خفت أن يطول مكثي علي السلم فيصعد أحدٌ منهم فيراني بتلك الحالة، واصلت الصعود، دخلت ... احتفت بي أم إيناس أجلستني في حجرة أخرى أتت بإيناس لي مستندة عليها، تحدثنا طويلاً، تركت الهدية، وانصرفت دون أن يفكرا أن يرياني المولودة .






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى