د. جورج سلوم

فجأة وبدون سابق إنذار أصبحَتْ كئيبة .. والكآبة التي حلّت عليها ليست نوبة وقتية كما عوّدته .. كان يفسّر النوب التي تتعرّض لها بتفاسير تابعة لمكوّنات المرأة الجسدية أو النفسية أو الدورية .. فلم يلقِ بالاً لحزنٍ عابر قد يذوب ويضمحلّ من تلقاء نفسه وكان سكوته وتجاهله لتلك النوَب يجعلها تنطفئ وتختفي...
يعود متأخراً بعد أن يجنَّ الليل .. فإذا جنّ الليل ظهر جنونه واضطرم جنانه .. حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب...
ليس مريضاً عادياً .. يستمرض ويتطبّب ويتداوى .. فيتعافى إنه حالة خاصة شذّت عن تلك القاعدة فالمريض العادي يتلقى منّا إضافة إلى الدّعم الطبي احتراماً وشفقة ومساعدة كحالةٍ إنسانية مستضعفة .. أما هذا المريض فلا يتلقى إلا اللوم والتقريع إضافة للعجز الطبي عن شفائه فالطب مايزال إزاءه مكتوف الأيدي...
هو مهندسٌ متخصّصٌ بالجيولوجيا... مهمّتُه استكشافُ المناجم .. واستطلاع خبايا الأرض والتنقيب عن النفط .. والإشراف على الحَفْر. خبرتُه العتيقة جعلته يعرف التربةَ من رائحتها .. من لونِها .. يستعملُ أوصافاً تليقُ بالنساء..هذه التربة سمراء غنية .. وتلك شقراء شاحبة ... احذروا الأديمَ الأحمر شيمتهُ...
كلما رأيتكِ تمشين إلى جانبه تشتعل ناري .. فأسير خلفكما متخفياً .. كأنكما تسيران على قلبي .. أسايركما من بعيد .. تتحابّان وأتحرّق .. تتشابكان وأتمزّق ..تتحدان وأتفرّق وناري لا صوت لها ولا ألسنة لهب .. ولا بصيص جِمار ولا دخان ولا رماد .. كالمكواة الكهربائية تروح وتجيء على قلبي .. ترسم عليه...
هذه القصة حقيقية وليست من نسج الخيال .. وفيها بعض التصرّف بطلتها ناديا وهذا اسمها .. ولقبها (نادو) لكلّ من يناديها أبدأ قصتي بالإعتراف بتصرّفٍ قد يكون لا أخلاقياً .. لكنه حدث بمحض الصدفة.. فمنذ عشر سنوات تقريباً حدثت موجة لتركيب كاميرات المراقبة في كل مكان .. على بابكَ وفي فندقك ومطعمك ...
جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك .. قبل أن ترتّب سطح مكتبك .. وتصنّف أوراقكَ المبعثرة .. جاءك الموت على حين غرّة .. لصاً داهمَك .. كان يتلصّص عليك كأفعى تنتظر بدهاء .. لها فيك لدغة واحدة ولكنْ ... قاتلة! رحلتكَ بدأت الآن .. وما سبق من حياتك الدنيا كان استعداداً وتحضيراً...
بعد أن سمع الشيخ لتفاصيل الحلم المؤرّق ... تساءل قائلاً: - وماذا حدث بعد ان انزلقتَ إلى حفرة الوحل؟ - حاولتُ الفكاك ونجحت - وهل تخلّصتَ من بقاياه ؟ - نعم ولكنه علِقَ على شاربيّ فقط .. فلعقتهما وبلعتُ لعابي المخلوط بالوحل .. جفّفت نفسي ونظرتُ خلفي فرأيتها تغرِفُ من الطين وتصنع تماثيلاً على...
اليوم أكملتُ سنيني ..؟! هكذا قال لي ملاك الموت : اليوم دقّ ناقوس النهاية.. اثنان وخمسون عاماً .. بعدد أوراق اللعب ... فهل أحسنت اللعب على مسرح الحياة؟ فلا يقاسُ العمر بعدد السّنين ولكنْ بنوعيتها... هكذا أردف ملاك الموت: ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ... ) إذا كان تمام...
ما كان عبدٌ أعظم من سيّده .. لا ولن يكون ... هكذا تعلّمنا وسواد القوم دون سادتهم وأسيادهم .. فالناس مقامات ولو كبرتَ أو استكبرت فهناك دائماً من هو أكبر منك .. تلك القواعد من محفوظاتنا أيضاً ومن اعتلاك فانبطح تحته .. حافظ على حذائه لمّاعاً .. امسحه بأكمامك .. ويلكَ لا تتفل عليه قبل مسحه ...
هنالك أحلامٌ تتخطى الأمنيات ويتحقق فيها كل شيء .. تتجاوز المعجزات وتصل إلى حدود المستحيل .. فهل هي ممنوعة يا ترى؟ كأنْ تحلُم بأنك فتحت مغارة علي بابا .. أو حصلت على فانوس علاء الدين السحريّ .. وبالتالي أصبح لديك ماردٌ يأتمر بأمرك ! ولكن من منا يستطيع التحكّم بأحلامه ؟.. فالحلم مهما طال .. هو...
لا أريد استكمال التمثيل في هذه المسرحية .. ولو أسندتم إليّ دور البطل !. أنا أعترض على النص الذي تبدّل عدّة مرات مذ وقّعْنا عقدَ العمل .. كان النصُّ الذي وافقنا وتدرّبنا عليه منبثقاً من إرادة الجماهير فيتفاعلون مع الممثلين .. وينزل المسرح إلى الشارع أو يصعد الشارع إلى المسرح ...فالمسرح نبض...
أصبحتُ أتكلّمُ كثيراَ بلا شكّ في الآونةِ الأخيرة ... وأُثرثرْ ... وأقولُ ما يُقال وما لا يقال... مع أنني بنتُ مجتمعٍ رضِعَ قلّة الكلام مع لبن الأمّهات..فالكلامُ السياسيّ عندنا محفوفٌ بالمخاطر .. والكلامُ الدينيّ قد ينتهي بضرب الأعناق .. وكلام الحبّ والعشقِ ترفضهُ الأعراف ... أما كلام البورصة...
أصبح للصراصير مقامٌ بيننا .. وتُعطى لها صدور المجالس .. واصبح للصراصير وزنٌ .. فترجح كفتها أنّى حلّت ... رحِمَ الله زماناً كانت تُقتل فيه في زوايا البيوت بالقباقيب والشباشب... رحم الله زماناً كانت فيه الصراصير مُقرفة تبعث على الغثيان .. إنّ العفنَ المتراكم في البيوت هو الذي دفع الصراصير...
ذلك القس يسكن في حيّنا .. وأهرب من مواجهته .. كطالبٍ كسول يرتعد من مواجهة معلّمه لأنه سيذكّره بواجباته المدرسية المتراكمة .. ومواجهة القس أصعب من المعلّم .. فالمعلم يعاتبك مقطّباً وتكون عن نفسك مدافعاً.. أما القس فيعاتبك مبتسماً فتكون له مستسلماً.. المعلم كان يقرصني من أذني اليسرى فقط ...

هذا الملف

نصوص
183
آخر تحديث
أعلى