كان عَلَيْه أن يُقيم في صُنْدوق رَسائِلِه مع صَفير مِنَفاخ '' عَضَلات دواليب'' دراجته .
وكان عليه أن يَتَخَلَّى عن قُبَّعتِه ذات الثُّقوب الَّتي تُفْضي إلى جُمْجُمته
وأن يُقوِّم ساقيه المُقَوَّسَتيْن اللتَيْن تُثِيرانِ إمْتِعاض الْمَرايا
وكان لِزاماً عليه أن لا يَكِيل الشَّتائِم البَذيئة...
(1)
كنت على وشك أن أُتْمِم القنينة الثانية ، وكنت في كؤوسها الأخيرة ، لما طرق مسامعي صوت زغاريد ودقُّ دفوفٍ . مسكت أنفاسي أصيخ السمع لأُحدِّد مكان الصوت .
في البداية قلت في نفسي ، إنه عرس في الحي وفي لحظةٍ ، بدٙا الصوت أقرب أو أشد قرباً وطفق يرتفع شيئاً فشيئاً . غادرت الكنبة وفتحت باب الغرفة...
(1)
كانوا قد أحضروا كل مستلزمات سهرتهم .. نبيذ خالَطُه الغِش .. خبز فَتَّته بَلَلُ سائِل ما .. عظام ما زالت تحتفظ بِفضُلات مَجْد لحمها الذي ربما أفْلَت من بين أسنان تتعجل أن تقوم عن المائدة أو إستعصى على بَقايا أسْنان.. دجاج ميِّت لم يرَيَّش بَعْد ويُنتزع منه إعترافٌ بِجَريرة ما ، نحيل كأصابع...
يأتيني من المرافيء البعيدة ،
وشم خنجر، يومض على الساعد
ورائحة البحار والمحار
في جيوبه الداخلية .
وعلى جبينه المحروق بالملح
ألف أغنية ،
عن الحب ، والخمر ، والنساء .
يأتيني مطوقا برائحة الجزر
وطحالب الاعماق .
يحدثني عن الطيور التي تغادر مرافيء أحلامه .
في إتجاه الآفاق الفيروزية .
يرفعني إلى الأعلى...
إشتراني من سوق الأشياء المُسْتعملة ، بعد أن ساوم عليّ حتى بحّ و جفّ ريقه وكان قد أعطاني موظف سامي في إحدى الوزارات لِمتسوّل يجوب أزقة حيِّه الراقي ، كنت حينها ما زلت فتياً ولم أبلغ بعد مبلغ الكهولة ، خدَّايا كانا متماسكين ولم تكن لدي لُغُود تشوِّهُني فضْلا عن أني أتمتع بصحة جيدة يحسدني عليها...
إستقل الرجل طاكسي إلى ساحة "جَامَعْ لَفْنَا " ، إستأجرغرفة في أحد فنادقه ، أودع في الغرفة كيس قماشٍ ، الكيس الوحيد الذي كان يحمله وهو يترجل من الحافلة في المحطة الطرقية بمدينة مراكش .
جرجر في الساحة رجليه ـ المحشورتين داخل حذاء متهالك ـ هنا وهناك ! بحثاً عن صديقه الحاوي الذي لم يره منذ سنين...