احماد بوتالوحت - قيء وبقايا زيتون أسود

(1)
كنت على وشك أن أُتْمِم القنينة الثانية ، وكنت في كؤوسها الأخيرة ، لما طرق مسامعي صوت زغاريد ودقُّ دفوفٍ . مسكت أنفاسي أصيخ السمع لأُحدِّد مكان الصوت .
في البداية قلت في نفسي ، إنه عرس في الحي وفي لحظةٍ ، بدٙا الصوت أقرب أو أشد قرباً وطفق يرتفع شيئاً فشيئاً . غادرت الكنبة وفتحت باب الغرفة ، متّٙجهاً نحو الطابق الأخير في البيت ، تاركاً زوجتي تغط في نوم عميقٍ ، مستلقية على عرض السرير كشاحنة مقلوبةٍ ، إلا مساحة صغيرة من السرير ، شغلها قطنا " مٙغٙاوْرِي " وحكاية مغاوري هذا ، هي أن زوجتي النزقة الغضوبْ ، الودكاء ، السمينة ، وفي فورة غضب رمت القط من النافذة ، وجاء رأسه على حجر في الحي ، قبل ان تُبلِّط البلدية الحي ببلاط مغشوشٍ . وقعت إحدى عيني القط على نتُوءِ الحجر ، فأتلف إحدى عينيه، شفيت العين بعد مدة طويلةٍ ومكانها إستقر غور عميق ، ومن يومها أطلق أطفال الحي لقب "مغاوْرِي" على القط.
صعدت إلى الطابق الأخير أتتبع خيط الخبط على الدفوف وصوت الزغاريد ، الذي أوصلني إلى حيث الحمام ، على الحائط المقابل لِبابِه، إنعكست بؤرةُ ضوءٍ دائرية. أطللت من زجاج النافذة ، التي بالباب، إلى الداخل ، لم أصدق ما رأت عيناي ، كان ضوء المصباح مطفأً وشموع ملونة تحلقت على شكل دائري ، تحيط بثلاث مسِنٌات ذوات أنوفٍ معقوفة، عاريات حتى السرر ، تتدلى أثدائهن كقرب فارغة ويحطن بصبية جميلة كاعبة ، يلّٙيِّفْنٙها. ولا نأمة، لا دق دفوف ولا زغاريد ، كأنّٙ الاصوات إبتلعتها الجدران.
قلت ، ربما تعِدُّ العجوزات الصبية لعريس ، قد يكون في حمام آخر: في الحي أو في المدينة أو في بلد آخر وحوله رجال ثلاثةٌ ، أنوفهم معقوفة، يفْرِكُونٙه حتى يغدو صقيلا كالصفا . نزلت إلى الطالق الأسفل ، نخزت زوجتي لأوقظها .
- أسير ترݣُد آالعيّٙاشِي ، مٙاكٙاينْ تّٙا حٙاجٙة هادْ الليلة !
- حتى أنا ماݣاد عْلٙ تّٙاحٙاجٙة ، يٙا نُوضِي تشُوفي شِي عْجٙبْ!
أجبرتها على القيام والتوجه معي إلى الطابق الأعلى . كم كانت خيبتي كبيرة حين أشعلتُ مصباح الحمام ، ولم أجد أثرا لمخلوق فيه، فقد كانت وسائل الحمام كما رتبتها زوجتي، بعد التحميمة الاخيرة . كل شيء في محله.
- مجنون ، وزاده السُّكْرُ جنوناً حتى أصبح يرى خيالات لا توجد إلا في مخه. قالت زوجتي. طار السكر من رأسي ، وعدت كما عادت زوجتي إلى الغرفة ، ثم السرير، بعد أن طردت القط، لكني لم أنم تلك الليلة إلا في الهزيع الأخير ، أما الشاحنة فما أن وضعت رأسها على الوسادة حتى علاٙ غٙطِيطُها.
(2)
لم أعرف كم هي عدد الكؤوس التي كٙرٙعْتُها ، حين تناهٙت إلى مسٙامِعي تلك الزّٙغاريد ودقُّ الدفوف التي طرقت أذني سابقا. على أصابع قدمي صعدت إلى الطابق الاخير دون أن أوقظ زوجتي ، وجدت النور الخافت ينعكس على الجدار المواجه لباب الحمام . وحين ألقيت نظرة من خلال زجاج النافذة كانت نفس العجوزات يغسلن صبية أخرى- أجمل من سابقتها - بالصابون والشامبو ، جلدها لامع ، كحجرصقيل .
لا اعرف كيف وجدتني ممدداً إلى جانبها داخل الحمام ، والعجوزات الثلاث تليفن جلدي الذي بدأ يتخلص من أْذْرٙانِهِ ، كما بدٙأٙ ينْفثُ رائحة الخمر . إستسلمتُ لِلُيُونة اللّٙيفةِ ، وبعد الصابون والشامبو ، وجدتني خفيفاً كسحابة صيفٍ ، بعدها شيعتني العجوزات الثلاث مع الصبية في ثياب العرس ، كنت أخاصِرُها وتُخاصِرُني . نزلنا الدرجات إلى غرفة النوم لنحتفل بعرسنا. فكرت أني سأغيض الشاحنة بهذه الصبية ، وربما تنفق بإرتفاع ضغطها الدموي و هكذا أتخلص منها لأٙتٙفٙرّٙغ للصبية . جلسنا فوق الكنبة نحْتٙسِي الخمر ، وبعد ذلك ، ما عدت أدري ما وقع ، أفقت على صراخ زوجتي الذي قلب المكان ، كانت اشعة – شمسٍ –باردةٍ تتسلل من خٙصٙاصِ النافذة ، وحين أفقت على وقع الحدث ، وجدت القط مذبوحا من الورِيدِ إلى الوٙرِيدِ ودم متخثِّرٌ على الكنبة وعلى أرضية الغرفة ، وفوق "الموكيت "قيء وبقايا زيتون اسود ، ولا أثر يدل على أن صبية كانت هناك .

------------------------------------------------------------------------------------
احماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى