أحماد بوتالوحت

في المدفأة ترمح في جنون جنود أحصنة اللهب ، وتحرق رماد الأزمنة . وعلى الكنبة ، أشعلت سيجارة وحدتها ، إمرأة تجهش بالحنين . باغتراب الأعقاب إكتضت منفضة الأحزان فغصت الأصابع بالبكاء حين لامست حد الفنجان الفارغ . من أصيص أيامها المتبقية سحبت زهرة الإنتظار قشرت سنين عمرها فطارت فراشات الخريف...
إني أرى أرمدة في الأفق ، تحترق . وأشباحا تتثائب في الخرائب . لدى ، سأقرع نواقيس الكنائس ، وأشعل في البيوت الواطئة ، الفوانيس . فالملائكة ستتأخر هذا المساء ، ربما ، خوفا من نزلة برد حادة. فأمي تطيل صلاتها في المساجد ، حتى تسيل الدموع من عينيها حجر. وأنت يا إله يسوع ، الدامي العينين . ساعدني ، كي...
يَمْشِي الصَّنَوْبَرُ فِي مَوْكِبٍ جَنَائِزِي وَالنَّوْرَسُ الْفِضِّيُ يَحْرُسُ وَطَنَ الْمَوْتَى . * مَلَائِكَةٌ مِنْ جَلِيدٍ ، تُشْعِلُ ثِقَابَ أَصَابِعَهَا ، الْمَوْبُوءَةَ ، فِي مَوَاقِدِ الْمَسَاءْ . * فِي إِسْطَبْلَاتِ السَّمَاءْ الْخُيُولُ ، نُجُومٌ مُطْفَأَةٌ . * تَنْجَدِبُ الفَرَاشَاتُ...
في ذلك الزمن البعيد ، الموغل في القدم ، إصطحب درويش إبنه معه خارج المدينة . كان الأب يلبس جلباباً عتيقا لكنه نظيف وتفوح من نسيجه رائحة الخزامى، و يرتدي قميصاً تقليديا برزت ياقته البيضاء من عنق الجلباب ، أما الإبن فكان يلبس جلباباً على اللحم يصل حتى منتصفي ساقيه النحيلتين كساقي لقلاق لم ير النعمة...
كَانَتِ ، الْأَشْجَارُ تَعْتَمِرُ قُبَّعَاتِ الثَّلْجْ وَتَلْبَسُ جَوَارِبَ مِنَ الْوَحَلْ ، وَالسَّمَاءْ ، لَمْ تَعُدْ هُنَاكْ ! خَلْفَ إِطَارِ النَّافِذَةْ ، رُبَّمَا إِخْتَفَتْ خَلْفَ غَيْمَةٍ . وَكَانَتْ سِيقانُ السَّتَائِرِ تُرَاقِصُ أَرْجُلَ الرِّيحْ، وَكَانَ يَلْبَسُ مِعْطَفاً مِنْ...
مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الشَّبَحُ الْحَالِمْ ؟ الْقَابِضُ عَلَى الرِّيحِ ، وَوَجْهُهُ مَغْرُوسٌ فِي الظَّلَامْ ، وَفِي عَتْمَةِ عَيْنَيْهِ ، عَقَارِبٌ سَوْدَاءْ ، هَذَا الَّذِي يُشِيرُ لِي بِأَصَابِعَ مُخَلَّعَةْ ، مِنْ كَثْرَةِ مَا أَوْمَأَ لِلْأَشْيَاءْ . هَذَا الَّذِي، كَطُيُورٍ مَحْمُومَةْ ،...
لَنْ أَنْسَى وَجْهَكَ السَّاقِطَ مِنْ أَغْصَانِ غَيْمَةٍ ، وَجْهَكَ الْمُقَنَّعَ بِالرَّمَادِ ، لَنْ أَنْسَى ذُرَى قُبَّعَتِكَ الَّتِي تَطْعَنُ رِقَابَ السَّحَابِ ، وَلَنْ أَنْسَى جِيَادَكَ الَّتِي تُجِيُد التَّخَفِّي وَالتَّحَوُلَ دَاخِلَ عِبَاءَةِ الْغُبَارْ ، وَمَا زِلْتُ أَذْكُرُ جَذَائِلَكَ...
إشرب !!... إشرب !... لتنتسب أكثر إلى شيء ما في هذا الوطن : شجرة ؛ طائر او بركة ؛ باقة ورد ؛ اضواء ؛ سماء ؛ سحابة ؛ سنبلة . إشرب ! لا يمكن ان تصالح الحاضر ، ردم بينك و بينه ، أنت مغترب مستلب ، لا وطن لك إلا الارصفة والشوارع تذرعها ، لا شيء تنتمي إليه أو ينتمي إليك ، إنهم يفرغون فيك آخر رصاصة...
حِذَاؤُهُ فِي الْوَحَلْ ، وَضَفَائِرُهُ فِي السُّحُبْ ، عِبَاءَتُهُ فِي الرِّيحْ ، وَقُبَّعَتُهُ تُرْبِكُ الْفُصُولْ . لَا مَعْنِيٌّ بِمَا يَجْعَلُ الْأَغْصَانَ بَنَادِقْ ، وَالْأَعْوَادَ مَشَانِقْ ، لَا مَعْنِيٌّ بِصَلَوَاتِ الْمَوْتَى ، أَمَامَ اَبْوَابَ الْهَجِيرْ ، لَا مَعْنِيٌّ بِإِغْرَاءِ...
كَانَ الشِّتَاءُ بِلَا أَمْطَارْ ، وَالْمَدِينَةُ تَغْفُو فِي أَحْضَانِ الضَّجرِوَالْغُبَارْ ، وَكَانَتْ عُيُونُنَا مُتَرَقِّبَةً كَعُيُونِ أَبْقَارٍ عَجْفَاءْ . وَكَانَتْ التَّنَانِينُ تُطَارِدُنَا ،وَتَخِبُّ خَلْفَنَا عَلَى قَوَائِمَ مِنْ خَشَبْ ، وَالْعَنَاكِبُ تَسْتَدْرِجُنَا إِلَى فُوَهَةِ...
في ليلة صيفية ، طلب إجازة قصيرة ليستحم هناك ! أسفل السماء . أعطوه سُلَّماً ، نزل على شط البحيرة ، تخلص من ثيابه ، قفز داخل الماء ، وطفق يَسْبَحُ . وكان بين الأشجار الكثيفة من يراقبه ويترقب الفرصة ، لما أصبحت هذه الأخيرة سانحة ، سرق ثياب القمر واختفى .قطع القمر أشواطا في السباحة وكان عليه أن...
* إلى كل الشهداء الذين سقطوا في الكمائن متعثرين بفخاخ الموت مُتُعُثِّرُونَ بِفِخَاخِ الْمَوْتِ ، فِي دَهَالِيزِ الْمُدُنْ ، فِي الشَّوَارِعِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْبَحْرِ ، فِي عَتْمَةِ الْأَنْفَاقْ ، فِي الْفَنَادِقْ . يَعْتَمِرُونَ قُبَّعَاتِ الثُّلُوجْ ، كَالْعُشَّاقِ يُهَرِّبُونَ...
لَمْ نَكُنْ نَحْلُمُ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنْ نَكُونَ أَحْياءْ وَأَنْ تَكُونَ لَنَا فُسْحٌ لِلْفَرَحْ وَهَوَامِشٌ لِلْمَرَحْ . وَأَنْ يَغْفُو وَيَضْطَجِعُ تَحْتَ جُلُودِنَا الزَّمَنْ ، وَدُونَ أَنْ نَنْظُرَ في وَجْهِ الشَّمْسِ ، نُحَدِّدُ كَمْ بَقِيَ مِنَّا لِلْوُجُودْ. لَمْ نَكُنْ نَحْلُمُ...
كَانَتْ رِيحٌ خَفِيفَةٌ تُرَبِّتُ عَلَى رِيشِ قُبَّعَتِي، وَمَطَرٌ أَصْفَرُ يُلْعَقُ غَضَارِيفَ نَافِذَتِي ، قَارِعُ الْأَجْرَاسِ السَّمَاوِيَةِ يَعْبَرُ نَحْوَ النُّجُومْ ، وَعَرَبَاتُ الْخَرِيفِ تَعُجُّ بِسُرَادِقَاتِ الْمَوْتَى ، وَخُفَّاكَ يَسْتَوْطِنَانِ رِكَابَ السَّحَابْ ، وَعَلَى كَتِفِ...
مَتَى صَارَ هَذَا الْعَالَمُ أَضْيَقَ مِنْ سُمِّ الْخِيَاطْ ؟ وَمَتَى أَصْبَحَتْ هِذِهِ الْمُدُنُ مَوْبُوءَةْ ؟ آنَ لِلْبُيُوتِ الْكَئِيبَةِ الْحَبِيسَةِ فِي الْمَوَاخِيِر أَنْ تَتَنَفَّسَ الْبَحرْ، وَلِلْفَوَاجِعِ الَّتِي تَعُضُّ عَلَى نَهْدِ الصَّحْرَاءِ أَنْ تَنْتَهِي . آنَ لِلْحُزْنِ...

هذا الملف

نصوص
127
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى