أحماد بوتالوحت

لم أجَدْ كأساً أسْتَجِيرُ بِهَا مِنْ ضَجَرِ الْحَاضِرْ ، ولم أجد طريقاً ، أَجْدُلُ منه حَبْلَ مشنقتي ، فَاخْرِجْنِي يا غَدِي !مِنَ الغموض كَيْ أَرَى مَا سَأَكُونْ ، اخْرِجْنِي من كُمُونِ الْوُجُودِ لآخد شَكْلِيَ الأَسْمَى وَأَحْيَا. أيتُهَا النهايةُ !يَا مَدْحِيَ الذي سيأتي من رماد الكلامْ ،...
سأَلْحَم هَذِه السُّبُل المَطْعونَة بالخُطَى والسَّنابِك وَحُدَاء السُّحُب سَأَنْثُر الطُّرُق أَمَامِي وَأَنْتَعِل الزَّمَن والعُشْب والأَرْصِفَة . سَأُشْعِل مَزيداً مِن أَعْواد الثِّقابِ لِأُحْرِق قُصاصَات أَصَابِعي لِأُضِيء لِلْيعَاسِيب الكَفِيفَة وَالضَّجَر المُتَثائِب خَلْف الخَرائِب ...
أيُّها الحُزْن الأزْرَق ، يا أَرَق الأسِرَّة والْمَرايا ، مَن يقْدِر أن يحْمِلكَ غير حَمامَتَيْن من النَّبيذ . أيها الحزن ! كَبِرت دَاخِل أنْفاقٍ لها طَعْمُ الطُّيور المُحَنَّطة ، صَفَعَتني أرْصِفة الوطن ، ومَشَت القَناطر على جُثَّتي ، أظافِرِي تَقَصَّفت في مَعارِك الطُّفولَة ، وَطارَت يَاقَات...
لا شَيْءَ يُوقِفُ نَزِيفَ الأَحْزَانْ ، كُلُّ شيْءٍ يَبْعَثُ عَلَى الأَلَمْ : رَائِحَةُ البُنِّ في الفِنْجَانْ ، الحِبْرُ عَلَى الأوْرَاقْ ، الشِّعْرُ فِي أمْسِيَات المَنَافِي ، الكُتُبُ المكْسُوَةُ بِالطَّحَالبِ وَالغُبَارْ ، الظِّلَالُ تَتَثَاءَبُ عَلَى دِهَانِ الجِدَارْ ، الفَرَاشَاتُ...
كانَ الشِّتاءُ عابِر سَبِيلٍ فَحَسْب ، وَلَا ضَوْء في الأُفُقِ يَهْدي الطَّير إلى سَقِيفَةٍ . عَظَايَا تُفَتِّش بَيْن أَقْمِشَة الضَّباب عَنْ دِفْءِ الشَّمس ، رُؤُوس تَسْقُط مِنْ عَل ، مُضْرَجَة بِسُخَامِ قُبَّعاتِها . قطارات تَرْكُض في الحُقول مَصْحوبَة بِمُوالِ السَّنابِل ، مَساءٌ ثَمِلٌ...
يَسْتَوْقِفُنِي عَلَى قَارِعَةِ الْأَحْلَامْ ، حَامِلاً جِرَابَ السَّفَرْ ، فِي صُرَّتِهِ خُفٌّ ، وَبَقَايَا تِينٍ مُجَفَّفْ . كَانَ يُشْبِهُ قِشَّ الْفُصُولْ ، أَوْ بَقَايَا أَزْمِنَةٍ تَحْتَرِقْ ، لَمْ يَعُدْ فِي ظِلِّهِ الَّذِي مَالَ عَلَى الطَّرِيقْ ، إلَّا فُضْلَاتُ قَمِيصٍ مِنْ خِيشٍ ،...
حِذٙائِي مُوحِلٌ كٙالأٙرْصِفٙةْ ، جٙوْرٙبِي داكِنٌ كٙسٙحٙابٙةٍ مُمْطِرٙةْ ، شٙعْري مُهْمٙلٌ تحْتٙ سٙنابِكِ الرِّيحْ ، أٙحْزٙانِي مُتٙهدِّلٙةٌ عٙلى كتِفِي ، كٙضٙفٙائِرِ الغٙجٙرْ ، كٙالصّٙمْغِ عٙلٙى لِحٙاءِ الشّٙجٙرْ . أمْتٙارٌ من المٙحٙارِمِ لا تٙسٙعُ دُمُوعِي . ثمّٙةٙ رٙبِيعٌ فِي عُيونِ...
صَلْصَلَةُ أَجْنِحَة الرِّيح توقِظُ ، من الأَسِرَّة ، النَّوافِذ ، وَتَدْفَعُ السَّتائِر نَحْوَ الفُضُول . إلى الغُرْفَة يَدْخُل الضَّوْء لَابِساً قِنَاعاً مِنَ الثَّلجِ وَالمِلْح ، وَتَحْتَ شَجَرةِ الضَّوْء تَطْرِفُ عُيونُ الكَراسِي . المِشْجَبُ فِي الرُّكْن يَشُدُّ علَى تَلَابِيبِ المَعَاطِف...
أنا مَرْفَأٌ لم تشرب أرصفته المُتَرَهِّلَةُ غير ملح الدموع ، مُتْعَبٌ أنا ،من حَمْلِ قُصَاصَةِ هذه الأمكنةِ كَأَسْنِمَةٍ مِنَ الغُبَارِ والجوعِ والعطش ، إِلَى الْجَحِيمِ أَيَّتُهَا المدن المسْكُونَةُ بِلَيْلِ النَّعِيبِ وَتُفِّ الأظافرْ ، الجراد يَلْتَهِمُ رماد الحقولِ والذُّبَابُ يَتَسَافَدُ...
حزني يُضِيءُ تحت سًقْفِ القمرْ ، وَدَاخِلَ قلبي تَخْتَلِجُ طُيورٌ حمراءْ ، وَفِي ذَاكِرَتِي ، مَطَرٌقديم يَسِيرُ بين الجُثثْ . سَأُؤَجِّلُ جُنُونِي قَلِيلاً وَ مَوْتِي قليلاً ، وَسَأَذْرُعُ شوارعك الرَّثَّة يا وطني ! رَافِعاً أغصَانِي كَالْبَيَارِقْ ، وَسَأَرُجُّ عظام قصائِدِي كَأَجْرَاسِ...
فِي مَمَالِكِ الغبار والضَّجَر ، شجرٌ يَعُضُّ عَلَى نَوَاجِذِ الحجر ، وأرصفةٌ تفتح نوافذها لِأَحْذِيَة الريح والمَطرْ ، وَقِطَارٌ يَعْبُرُ نحو الجنوبِ مُوشَّى بالدم والأنين ، وأنت تجهش بالأسى على خرائط المدن المَنْسِيَة ، مَيِّتٌ منذ زمنٍ بعيد ، وَهَا أحزان الْكَرَزْ تَسَّاقَطُ من سقف عينيك ،...
أَيُّ شَيْطَانٍ بَارَكَ هَذِهِ الْقُرَى الْمُخْتَنِقَةِ بِالضبابْ !؟ قُرُى ، خَذَلَتْهَا الْخَنَادِقُ وَالْبَنَادِقُ وَالْأَسْوَارْ ، وَمِنْ جُيُوبِ الْأَرْضِ تَضَوَّعَ الدَّمُ وَالدَّمَارْ ، وَفِي الْأُفُقِ نَاقُوسٌ يَخْتَبِرُ الْكَلَامْ ، فَيَتَرَجَّلُ عَنْ لِسَانِهِ الصَّدَأُ وَالْغُبَارْ ،...
أَرْبَعُونَ عَاماً وَعَلَى ظَهْرِهَا نَكْدَحْ ، أَرْبَعُونَ عَاماً وَفِي بَحْرِ عَرَقِهَا نَسْبَحْ ، أَرْضٌ لَا تُنْبِتُ إِلَّا تُرُوسَ السَّلَاحِفْ ، وَأَكْوَاخَ الْعَبِيدْ وَعَرَبَاتِ الْغَجَرْ . مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةْ ، وَبُؤْسٌ يَنْثِرُ ظِلَالَهُ حَوْلَ الْأَظَافِرْ ، وَذُبَابٌ يُغَطِّي...
ـ حمودة! أأنت صاحبها ؟ ! ـ والله ، يا أستاذة ،لست أنا ! ـ أهذه هي هدية رأس السنة الميلادية ، يا عفاريت ! كلفت المعلمة " سعيداً" ليتعرف على صاحب الفَسْوَةِ . - (جيفة) chrogne حشر سعيد أنفه بين الياقات وَشَمَّ جِلْدَ الأقفية ، وأخيراً طلعت " الحزقة" من جلباب "حمودة " ـ ماذا تغديت اليوم يا حمودة...
آلِهَةٌ تُيُوسٌ ، تَعْتَمِرُ قُبَّعَاتِ خَسَارَاتِهَا ، تَتَسَكَّعُ بَيْنَ أَفْخَادِ الْأَسِرَّةْ ، تَارِكَةً أَثَرَ أَحْذِيَتِهَا عَلَى الْأَقْفِيَةِ الْمُهَلْهَلَةْ ، أَيَةُ خَسَارَةٍ هَذِهْ!؟ أَيَادٍ تُدِيرُ مَرَاوِحَ الْجُوعْ وَأَعْوَادَ الْمَشَانِقْ ، وَتُبَارِكُ رَمَادَ الْفُصُولْ ...

هذا الملف

نصوص
127
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى