فمُكِ الأرقُّ من القصائدِ كلِّها
ومن انبلاجِ الماءِ في الماوردِ
والأحلى من النثرِ الحزينِ أو المدوَّرِ
والأشفُّ من الأنينِ ومن زهورِ الشايِ والليمونِ
والأعلى سماءً في مدارِ القلبِ
والمنحوتُ من ماءِ النحيبِ الصلبِ
والمقدودُ من وترِ الغوايةْ
من أيِّ بحرٍ جاءَ كالعصفورِ لي يا نونُ؟
بل من أيِّ...
تلتقطُ الحَبَّ عصفورةٌ من يدي
مثلما التقطتْ كاميرا صورتي بغتةً
لأرى رجلاً قلقاً لستُ أعرفهُ وامرأةْ
ينظرانِ بحزنٍ عميقٍ إلى لوحةٍ في الجدارِ
يقولانِ من غيرِ أن ينْبسَا:
يا لهذا المساءِ الذي نحنُ فيهِ
قطارانِ من دونما وُجهةٍ
وصدى غامضٌ لنداءِ الشرايينِ...
يا حبُّ..
يا سرَّ شهوتنا المطفأةْ
يا...
لا شيءَ أكتبُهُ هذا المساءَ ولا
خصرٌ لأُسندَ ديواني عليهِ غدا
لا ماءَ في الوقتِ لا وردٌ على قمَرٍ
قطفتُ لامرأةٍ حتى تمُدَّ يدا
لنا اصطفاقُ الأيادي خلفَ واجهةٍ
من الزجاجِ.. بنا جرحانِ واتَّحدا
لنا حزيرانُ.. نجماتُ البحارِ لنا
والأغنياتُ.. أنا صوتٌ لها وصدى
نزعتُ أنهارَ هذي الأرضِ عن جسدي
يومَ...
القصيدةُ في شُغُلٍ عنكَ
إمَّا تنامُ الضحى كلَّهُ
وإمَّا تقومُ مبكِّرةً لحقولِ الندى
كيْ تشرِّعَ شبَّاكَ غرفتها وتلوِّحَ للطيرِ
أو لتناولَها القمحَ من فمها
أو لتسقي الزهورَ الصغيرةَ في أُصصِ النافذةْ
وتمشي على ساحلِ البحرِ
أو تعتني بالحديقةِ أو بالبحيرةِ
أو لتعدَّ الفطورَ لأولادها
أو تثرثرَ مع...
كالماءِ كنْ كالماءِ
لستُ بشاعرٍ يهذي
ولكن هكذا شخصٌ يقولُ لآخرٍ في الفيلمِ:
كنْ كالماءِ يا هذا
أخفَّ من النسيمِ ومن حبيباتِ الهواءِ..
لعلَّهُ بوذا أو بروسلي...
أقولُ لطائرٍ قربي:
أنا لا شيءَ يعنيني سوى حَدْسي..
كالماءِ كنْ كالماءِ يا جسدَ العبارةِ
كنْ أنينَ قصيدتي الحسِّي
لأكونَ صوتَكِ في...
إبتعدْ لأراكَ وأشتاقَ لكْ
وانطفئْ لتشعَّ على ساحلي
واقتربْ من نهاري الوحيدِ لأصبحَ
ظلَّاً لأركاديا في الجدارِ
أو امرأةً في المجازِ المفخَّخِ
أو شجَرَاً فائضاً عن يدَيكَ
كما فاضَ عن جسدي قمرٌ بابليٌّ
وعنكَ الفلَكْ
*
هل التنصُّلُ من خطوي ومن خطأي
يكفي لأنسى؟
وهل لو فيكِ من حَبَقي
شيءٌ.. يطيرُ دمي
مثلَ الغبارِ..؟
وهل لو صخرةٌ بفمي
تصيرُ وردةُ هذا القلبِ منفضةً
لما يخطُّ النهاريُّونَ في الحدَقِ؟
كم شاعرٍ جاءَ من قبلي..
كم امرأةٍ
يمشي بها القمرُ المجنونُ للغرقِ
تنسلُّ من وشمها كي تقتفي أثَري
فراشةٌ.. في غيومِ...
لو تأمَّلتَ دمعَ الغيومِ الخفيفَ
لعشرِ دقائقَ قبلَ الخروجِ من البيتِ
كنتَ وجدتَ القصيدةَ أو أختَها
صُدفةً في الطريقِ..
فراءُ الثلوجِ على كتفيها
وضحكتُها في الحقولِ
وفي قلبكَ الجمرةُ الناصلةْ
لو لمستَ فراشةَ هذا النهارِ
لفاضَ الصدى من يدِ امرأةٍ
ولضاقتْ بنفسجةٌ في سياجِ القرى
باشتهاءاتها الناحلةْ
*
ثمَّةَ مطرٌ خصوصيٌّ في قلبي لا يشبهُ هذا المطرَ
وقصةٌ لن تُروى إلاَّ على ضوءِ دمعةٍ من رخامٍ
ثمَّةَ شاعرٌ ينظرُ في صندوقِ قلبهِ
فلا يرى سوى وردةٍ من دخانٍ
ثمَّةَ عاشقانِ يجلسانِ في مقهى على البحرِ
ولا يتبادلانِ سوى الابتساماتِ الغامضةِ
ثمَّةَ بحرٌ يهدرُ في صورةٍ على الجدارِ
لا يعرفُ كيفَ يخرجُ...
لا بدَّ من ماءٍ لآخرِ نجمةٍ
نبتتْ كزهرِ الملحِ في ندَمِ الثرى
لا بدَّ من عطرٍ سماويٍّ لكي
يرمي على وجهي القميصَ لكي أرى
لا بدَّ من نثرٍ تربَّى في يدٍ
كحفيفِ أغنيةٍ وعاشَ على السُرى
لا بدَّ للعنقاءِ في عينيَّ أن
تخضرَّ ثانيةً وتُشعلَ مرمرا
لا بُدَّ من صلصالِ (وردٍ) صُبَّ في
كأسٍ ل (ديكِ الجنِّ)...