نمر سعدي

إبتعدْ لأراكَ وأشتاقَ لكْ وانطفئْ لتشعَّ على ساحلي واقتربْ من نهاري الوحيدِ لأصبحَ ظلَّاً لأركاديا في الجدارِ أو امرأةً في المجازِ المفخَّخِ أو شجَرَاً فائضاً عن يدَيكَ كما فاضَ عن جسدي قمرٌ بابليٌّ وعنكَ الفلَكْ *
في يفاعتي كنتُ أعلِّقُ صورةً لمادونا على بابِ خزانةِ ملابسي.. امرأةٌ تشعُّ على كواكبَ قلبي الليليِّةِ.. يجلِّلها حزنٌ ناصعٌ وجمالٌ ورديٌّ وأشياءُ أخرى.. كانَ ثمَّة رجلٌ بلحيةٍ شقراءَ يستندُ إلى يدها وتحتَ الصورةِ قلبٌ أحمرُ بسهمٍ أبيضَ على طرفٍ منهُ حرفُ الألفِ.. كنتُ قبلَ الذهابِ إلى المدرسةِ...
هل التنصُّلُ من خطوي ومن خطأي يكفي لأنسى؟ وهل لو فيكِ من حَبَقي شيءٌ.. يطيرُ دمي مثلَ الغبارِ..؟ وهل لو صخرةٌ بفمي تصيرُ وردةُ هذا القلبِ منفضةً لما يخطُّ النهاريُّونَ في الحدَقِ؟ كم شاعرٍ جاءَ من قبلي.. كم امرأةٍ يمشي بها القمرُ المجنونُ للغرقِ تنسلُّ من وشمها كي تقتفي أثَري فراشةٌ.. في غيومِ...
يقولُ الشتاءُ لسيِّدةِ الأربعينَ وشاعرِها: ناولا حبَّةَ القمحِ عصفورةً جائعةْ واقطفا كرزَ الحُبِّ من جنَّتي واحملا سلَّةَ الليلكِ الأنثويِّ وطوفا على الأرضِ.. لُمَّا غبارَ السنينِ بعينيكما واتركا في العظامِ مساميرَ بردِ الصباحِ وقولا: نحبُّ الشتاءَ ونكرهُ بردَ كوانينهِ فيهِ نكتبُ أحلى القصائدِ...
أقولُ لناقدِ الايقاعِ: خمسُ نوارسٍ أو خمسةٌ عندي سواءٌ.. إنَّ حارسةَ السنابلِ والندى أنثى فأنِّثْ ما تشاءُ البحرَ قوسَ الليلِ لبلابَ البحيرةِ كاحلَ الوردِ أقولُ لمن تقولُ: أكتبْ قصائدكَ القصيرةَ فيَّ... كيفَ بمعزلٍ عن كلِّ ما في القلبِ منكِ قصيدةً لقصيدةٍ أُهدي؟ *
لو تأمَّلتَ دمعَ الغيومِ الخفيفَ لعشرِ دقائقَ قبلَ الخروجِ من البيتِ كنتَ وجدتَ القصيدةَ أو أختَها صُدفةً في الطريقِ.. فراءُ الثلوجِ على كتفيها وضحكتُها في الحقولِ وفي قلبكَ الجمرةُ الناصلةْ لو لمستَ فراشةَ هذا النهارِ لفاضَ الصدى من يدِ امرأةٍ ولضاقتْ بنفسجةٌ في سياجِ القرى باشتهاءاتها الناحلةْ *
ثمَّةَ مطرٌ خصوصيٌّ في قلبي لا يشبهُ هذا المطرَ وقصةٌ لن تُروى إلاَّ على ضوءِ دمعةٍ من رخامٍ ثمَّةَ شاعرٌ ينظرُ في صندوقِ قلبهِ فلا يرى سوى وردةٍ من دخانٍ ثمَّةَ عاشقانِ يجلسانِ في مقهى على البحرِ ولا يتبادلانِ سوى الابتساماتِ الغامضةِ ثمَّةَ بحرٌ يهدرُ في صورةٍ على الجدارِ لا يعرفُ كيفَ يخرجُ...
لا بدَّ من ماءٍ لآخرِ نجمةٍ نبتتْ كزهرِ الملحِ في ندَمِ الثرى لا بدَّ من عطرٍ سماويٍّ لكي يرمي على وجهي القميصَ لكي أرى لا بدَّ من نثرٍ تربَّى في يدٍ كحفيفِ أغنيةٍ وعاشَ على السُرى لا بدَّ للعنقاءِ في عينيَّ أن تخضرَّ ثانيةً وتُشعلَ مرمرا لا بُدَّ من صلصالِ (وردٍ) صُبَّ في كأسٍ ل (ديكِ الجنِّ)...
أُحدِّقُ في بؤبؤِ العينِ أو في يدي مثلَ عرَّافةٍ فأرى وجهَها أحدِّقُ في خرزِ الليلِ أو في نجومِ النهارِ وفي وَحمِ القلبِ أو سدرةِ المنتهى أُحدِّقُ في الشِعرِ أو في فواتيرِ هذي الحياةِ وفي قلقي الهشِّ من كلِّ شيءٍ وفي أوجهِ الناسِ أو في سرابِ المها أُحدِّقُ في النقدِ حينَ يقولُ: أما آنَ أن...
مُذ كنتُ أفسدَني جمالُكِ فانجرَرْتُ وراءَ قلبي وانحدَرتُ من الفراديسِ المضاءةِ بالجمانِ وهِمتُ في وادٍ بغيرِ بصيرةٍ أو نمتُ كالضلِّيلِ يوماً فوقَ دربِ الرومِ أو أُدرجتُ في الصندوقِ لمْ أتركْ سوى شبحِ القصيدةِ في قرارِ البئرِ وانسلَّتْ يدا قلبي هناكَ من التماعاتِ السيوفِ ومن دبيبِ الجندِ...
لكِ موجتانِ صغيرتانِ وشعلتانِ امتدَّتْ الصحراءُ دونهما ولي جسدٌ يحنُّ لضلعهِ ولِمَا اشتهتْ تفَّاحةُ الفردوسِ منكِ.. كأنهُ بذئابهِ يعدو أمامي كوني لهُ بريَّةً أولى ليسعى فيكِ أو ليُعيدَ ماءَكِ للينابيعِ القصيَّةِ واشتهاءَكِ للظلالِ وموجتيكِ إلى مصبِّ دمي وصوتَكِ للمَحارةِ والأنينِ وشُعلتيكِ إلى...
لي أخوةٌ في شمالِ القلبِ.. جنَّتُهم مفقودةٌ.. سقطوا من أجلها صرعى يستنبتونُ من النارنجِ غصَّتهم ويشربونَ من الفَسقيَّةِ الدَمعا يستحلبونَ وصايا صخرةٍ هَزلتْ كانت بسفرِ المراثي مرَّةً ضرعا قالَ المسيحُ: سماواتٌ ستحضنهم وتنحني بحنانٍ تُطعمُ الجوعى هل يسألُ الطفلُ فيكم أمَّهُ سمَكاً يوماً.. فتعطيهِ...
كمْ الحنينُ خصوصيٌّ.. كمْ الحلُمُ كقُبلةٍ ضيِّقٌ.. عارٍ.. كمْ الندَمُ كصرخةٍ واسعٌ.. أعمى.. كمْ القلقُ مراوغٌ وأليفٌ في شراستهِ كثعلبٍ راحَ بي في الليلِ يلتصقُ كمْ الوجودُ سرابيٌّ.. كمْ العدَمُ *
من لي بمرآةٍ أراكِ الآنَ فيها تُولدينَ وتخرجينَ إليَّ كامرأةِ المزاميرِ الحديثةِ من رذاذِ زجاجِ قلبي... تُنقصينَ العمرَ زنبقتينِ ثمَّ تمدِّدينَ قصيدتينِ على الأريكةِ عندَ منتصفِ النهارِ وتتركينَ بكاءَ زينتكِ الوحيدةِ في يديَّ وتخرجينَ لصيدكِ اليوميِّ عابقةً بعطرٍ غامضٍ ما بينما وحدي كطيرِ سمندلٍ...
(بعدَ مشاهدتي لفيلم عن حياةِ الشاعرِ الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا تأثرت بمشهد يقتادُ فيه جند فرانكو الشاعر ومن معه من الثوَّار للزجِّ بهم في شاحنة عسكرية ونقلهم في فجر ذلك الصيفِ الغرناطيِّ إلى منطقةٍ وعريَّةٍ حيثُ يُطلبُ اليهم الترجل من الشاحنة والمشي مسافة قصيرة ثمَّ يصيح بهم الجند بأن يركضوا...

هذا الملف

نصوص
104
آخر تحديث
أعلى