أكره تلك الغيمة السوداء
كما أكره القطرات..
المتسللة من أوردة المدينة.
احتلني الشيب
وأنا اطارد اللقمة
من مدينة إلى مدينة
ومن شارع لآخر
ومن قمامة إلى قمامة
ومن فم لفم
اعرف كيف يسرق الأغنياء لقمتي
واعرف ان قمامتهم تكفي لاطعام جيوش الفقراء
فدعني ياصديقي
أتلصص من فتحات النوافذ
وثقوب الأبواب
واحشو...
منذ كان الجوع يقطع امعاءنا كالزرنيخ
والشوارع تأكل اقدامنا كالجراد
وياقاتنا تتهرأ على رقابنا كلحاء الصفصاف
كانت الأرغفة ترقد ضجرة
على موائد الطغاة
وكؤوس النبيذ
تبحث عن شفاه قرمزية
والعيون الباردة
تترصد أفواهنا كالآفاعي
منذ كانت الارصفة شظايا
وعواصف الرب المرعبة
تعبث بأكواخنا الصغيرة
وأغطيتنا...
1.
أبي حزين
شفاهه ترتجف
ويصارع الابتسام
فقد همست له أمي
وأشارت إلى السقف
الذي يذرف دموع الشتاء
2.
كل يوم
يدور أبي حول شجيرته الصغيرة
يرشها بالماء
وحين تتفتح البراعم
يشرق وجهه فرحا وفخرا
يغرقها بالماء حباً
فتصفر اوراقها
و تتساقط
وبعد أيام يقتلعها
ويعرض جذورها المتعفنة أمامه
ويضرب عن الطعام
3...
هذه الأظافر للقلع
والرقاب للحبال
والالسن لتنظيف القادة
وإلأقدام لمطاردة الخبز
فتعالي معي
نجمع ما تبقى من أعضائنا
نعبؤها بطرود
ونرسلها لأي طاغية
نكتب معها رسالة استنكار.
هذه الثقوب....
لشم العفونة
ولعق السموم
وسماع الانين
والصراخ في المقابر
فتعالي معي
كي نغلق تلك الثقوب
بقار التبغ
ومتاريس الحزن...
يكاد قلبي يقفز ليقف لصقها .. جميلة ، شفافة . والأهم ان كل شيء فيها مدور.. أكتافها ، عجيزتها ، نهداها , رأسها ، فمها بل حتى خصلات شعرها . دار رأسي بأفكار شتى ، وبدأت أتمتم بكلمات ، يقينا أنها لا تفهم منها شيئا . وهذا ليس مهما . فالمهم عندي أن تفهم أنيها هي المقصودة ، على أقل تقدير ، و إلّا سأكون...
الدقائق التي تسبق الغروب، يعمه الاِرتباك، يستبد به خوف ،يتقلص فيه اكثر من جانب،ويصل إلى هاوية الخذلان ، وكأنه يودع شيئاً عزيزاً ..مبهما. يسارع إلى مقهاه المفضل حيث يتوسط شارع الأطباء، ليرقب كل حركة ،ويفحص كل خلجة ،ويحلل كل صوت.. سيارات وزعيق ومرضى ، رجل مجنون يرمي الزبد من فمه، قدح شاي لم يزل...
لم يظن أن تثار كل تلك الغوغاء في رأسه الصغير المحايد. ولا هذا الوجيب الطاريء، الذي غزى قلبه واهتز له صدره ..فمنذ أيام كان يستلقي على فراشه مطمئنا ،يحرك جسده برخاوة تامة ، يخرج إلى حديقته الصغيرة ، يرش الماء على شجيراته.،ثم يغسل قدميه، ويعود ليلقي جسده في اي مكان..ليس هناك ثمة شيء يسترعي انتباهه...
اشارت لي بنت الجيران
تلك القابضة على الجمر
الحالمة برائحة الانسان
القابعة خلف السور
الحائرة بين الحظ
وبين الفنجان
اشارت لي ولا أدري
أكانت تدفعها الرغبة
أم يدفعها عصف البركان
وأنا ذو الشبق المزمن
والرأس الشارد
المحشو بالعهر وبالهذيان
القابض على قلبي الأثري
الغارق بالياس وبالكتمان
اشارت لي...
الدقائق التي تسبق الغروب، يعمه الاِرتباك، يستبد به خوف، يتقلص فيه اكثر من مكان، ويصل إلى هاوية الخذلان، وكأنه يودع شيئاً عزيزاً ..مبهما، يسارع إلى مقهاه المفضل حيث يتوسط شارع الأطباء، ليرقب كل حركة، ويفحص كل خلجة، ويحلل كل صوت.. سيارات وزعيق ومرضى، رجل مجنون يرمي الزبد من فمه، قدح شاي لم يزل...
السلطة العظمى ،ثقل الهموم ،ثقل المهمة ، جبروت النفس ودموعي التي تنهمر على شعبي وأنا في قاع مشبع بالمكائد. أنا …حين أقف أمام ضميري فلا أجدني الا مثلا صارخا للخبث والكراهية .
فأنا خيمة البركات المقدسة ،أرادة شعب ،أمجاد أجيال وسيف قبائل .
خطاياي مغمورة داخل نفسي وعارية امام المضطهدين ..رهبتي...
فيما كنت ارقب السماء
والحزن يتنقل في عروقي
كثري متخم …..
يهز قلبي كالخريف
ومخالبه تتجه إلى القلب
براعمي التي أغلقت افواهها
وأيقظتها عواصف الشتاء
بدت عيونها الكئيبة
كمغارات اثرية
أضلاعي التي حلمت بعطر الياسمين
تحولت إلى قلاع محطمة
ولم تزل ذراعي
الموشومة بنقوش جاهلية
تومئ إلى السماء وتصرخ :
إلهي...
لم يشغفني هذا المقهى الهادىء ولا زبائنه الذين يتهادون، كأنهم على موعد مع استرخاء ابدي ،فطالما مررت به دون أن التفت اليه ، وكأنه غير قائم ، لكن الذي أثار لدي الرغبة في الوقوف والتسمر أمامه :هذه المراة ،وهي تلاصق الزجاج ، بشعركستنائي، ومعطف اسود وحذاء عال تحركه برتابة هادئة لذيذة، والبخار المتصاعد...
زوجتي غريبة عني، فهي لم تعرف شيئا عن طفولتي وصباي ، ولا اعتقد انها ستعرف مهما حاولت أن أوضح لها . بل حتى لو قرأت لها حياتي سطرا سطرا . فهي لن تدرك ماذا تعني لي تلك الطفولة البريئة المعذبة العذبة ، القاسية اللدنة . لم يكن بامكاني أن أفسر لها ماذا يعني ان يحتويني الشارع منذ طلوع الشمس حتى المغيب ...