وقد قلتُ أنّي قد سلوْتُ عن الهوى
ومن كان مثلي لا يقـول ويـكـذبُ
عنترة ابن شداد
(1)
أفكّر في ما يَهُمُّ
وما لا يَهُمُّ
وما كنتُ إذ يتناثر حولي ضجيج أصمّا
إذَنْ سوف أذرع كلّ الشّوارعِ..
و أطوي امتدادَ المزارعْ
وأغرس في كلّ أرض مشى فوقها الناس سَهْما...
نحن لا نبحث عن وقت يباب
مذْ تلاقيْنا على أرض لنا
في جسمها البائس ما يشُبهنا
علنا نحيا كما لوْ أننا
نرفض للأبناء توريث الضباب
فالسنون القحْطُ
أو ما قد مضى منها
وما ينذر بالإتيان في عقم مريبْ
لا نرى في كفها ماءً لظمآن
ولا في جيبها تمْرًا لجائعْ
أنها تمضي إلى لاشيءَ
تمضي مثل ثوْر مثخن بالحزن
منهوكا...
كلُّ أغنيةٍ لم تعِرْ شفتي
زقزقاتٍ وهمْسًا ورعشةَ نـايْ
لا يرجّحُها الوزنُ في كفّتي
لا تباركُ أنغامَها أذنايْ
إنّني مثلُ بحرٍ بلا ضِفّةِ
كيفَ تسلمُ من بلَـَلٍ ضِفّتايْ
شمعَةَ السُّهْدْ تنزفُ في غرفتي
وأنا لم تُفجّرْ كلامي أنايْ
كي أقولْ:
ها أنا الآنَ أعْبرُ هذا الصّراخْ
وهو يلغي هدوءَ الشّوارعِ...
هلْ لي خِيارٌ كي أنامْ
لأريحَ طين الرّوح حين يضيق بي تعبي
ويٌنسدل الظلام ْ
وأغيب عمّا لا يريح النّفس نصفَ دقيقة
أو ساعة ً
أو ساعتيّنِ طويلتيْنِ
لا لغـْوَ يحـْثو رمْل صمتِهما...
ولا أبوابَ تُفتحُ للضجيجِ وللكلامْ
وأنامُ كي نثقَ المدينةُ
في سكوتي عن شواردِها
وتحلم بالسّلامْ
لكأنني...
القادمون من القبورِ
حياتهم ذهبتْ وواروهم
ـ وقد ماتوا ـ الترابْ
فمن الذي
سيهيئ العمُرَ الجديـدَ لهم
ويمنحهم تراخيص الإيابْ
فالأرض قد ضاقت
بمن همْ فوْقَـها أحياءَ
إذْ شاختْ وفارقها الشبابْ
لا شرفةٌ لي
في أدانيها وقدْ
أفضتْ أقاصيها إلى مدّ سرابْ
فكأنها ستزول بعد غدٍ
ويرْمِيها...
لمْ يكُن لي يقينٌ
بأنْ أترنّح في عنفوان الكهولة كالدّلْوِ
الدّلوُ في الماءِ
الماءُ في البئرِ
البئرُ في الحقلِ
الحقْل في السّهْلِ
والسهْل ينْزل من جبَل غير ذي شجَرٍ
ثمّ يعْلُو إلى جَبَلٍ من غمامْ
عندما حرّكتني رياح الكلامْ
لمْ أقُلْ صدّقوني
ففي ما مضى
كان للماء لوْن...
سَلامٌ منْ جنُوبٍ يشْرِبُ العَطَشَا
على وَسَطٍ كَظِيمٍ
ليْسَ ميْسُورًا ولا وَسَطَا...
عَلى أفْياءَ مَجْرَدَةٍ
عليها السّوس كان سَطَا...
على الشُّطَّانِ جائعَةٍ
إلى مَوْجٍ بلا زَبدِ
على بحّارَةٍ ظَمِئُوا
إلى بحْر بهم بَطَشَا...
على الفَلاّحِ والمَلاّحِ والكَدّاحِ في بَلَدِي...
على نَمْل...
الشجن الأول:
ما أنا إلاّ الذي قد كنتُ...
نايًا في صفير التعب المنسابِ في طقس جنوبي
لي حروف في كتاب الكدحِ...
كان النفق الأسْوَد خصمي وحبيبي
لا أراه الآن ، إذ أفنى ألوفـًا وألوفـًا ثم ماتْ
فلماذا
يتراءى المنجَم السّطحِيُّ مفتوحًا على كوْن ولا
تتراءى أذرع تسحب ممن نزقوا حبل...
الخيول التي تدخل البحرَ
يعرفها الحوتُ من عَهْدِ نوحْ
والخيولُ التي
تتوضأ بالدّفء في حَوْض ماءِ فسيحْ
قبل أن تتَمطّطَ سِـيقانـَها
وتـُكـَحـَّلَ أجفانـُها
بالضياء المُمَدّد في أعْيـُنِ اللاّزَورْدْ
وهي سبّاحةٌ بين جزْرٍ ومَدْ
ومدى زُرقةٍ لا يحُدْ..
بعدَ حِين ستخرجُ للبَرِّ كي تستريحْ...
لم تكْبُ أغنية على شفتي
ولا زلّ القصيد..
لم أرتجلْ لغْوا يحاسبني عليه غد بليد
فأنا وريثُ كتابتي
وأنا أسير ربابتي
وأنا الذي ذبح النشاز
من الوريد إلى الوريد
لي نملة في القلب
أتركها إذا فرَكتْ حبوب النبض
تفعل ما تريد
لي ما أقول إذا كتبتُ
وما كتبت لكي أقولَ هوى جديد
وأسير بين الناس
يلتحفون أمنيةً...
كـلّمتني الأرضُ:
قـُلْ للطّـين لا تـَعرضْ على الصحْراء ماءً
خوْفَ أن يـُصبح غـوْرًا أو سرابْ
فأنا مُـذْ جاءني آدمُ مطرودا من الجـنّة
لم أهربْ بذاتي من خرابْ
لأرى دوني خرابْ
دوْرتي منتظـمهْ
ولي القـوّةٌ..
لي ما لا يُـرى في كوْكبٍ غيْري
ولي في ما تـرَوْن...
سأرسُمُ ذئبًا على ورقي
ليرصدَني الذّئبُ في كلِّ حرفٍ ومعنى
وقد يتربّصُ بي حين أَعْنَى
ليُنشبَ أنيابَهُ الدّمويّةَ في قلقي
فإنْ كان لا بدَّ من أن أُبرِّئني منه وهو الشّقيْ
سألغيه من فكرتي في القصيدةِ مبنًى ومغنى.
محمد عمار شعابنية
هل تحطّين على قلبي
كما النحلة إن حطّتْ على الزّهرةِ
أوْ كالماء يجري
في عروق الشجرَهْ ؟
أنا لا أكتم إحساسي
فلي كم تصنع الأحرُف من معنى
ولي أزمنة منتظرة
لي فِناء ُ القلبِ
إذْ أهرب من ضيقٍ يُسجّي راحتي ارتاح فيه
وأنقّي لغتي من مفردات مضجره
كي أرى العالم في أمنيّتي
صورةً ناصعة ترقص في مرآتها
ومَضات...