د. أمل الكردفاني

"الفاتحة" "الفاتحة" -أحسن الله عزاءكم يا كناني.. سرادق العزاء قد دق في الساحة المقابلة للمنزل ، بذلك يكون الكناني قد خالف الموضة الجديدة والتي أصبح فيها الأثرياء يقيمون تعازيهم في الموت في صالات الأفراح الفخمة. ترتاح البرجوازية من تشتيت انتباهها في إعداد الطعام والشراب وتتكفل الصالة بكل شيء...
كشيوعي منشق عن الجماعة ؛ جلس الرفيق عابدون في أريكته الوثيرة بباحة مزرعته في سوبا.. الباحة تطل على أفق أخضر ممتد حتى النهاية. وقد استدعاني كمحام لرفع عدة قضايا اغلبها تتعلق بتركات وأراضي وخلافه... جلست اليه بكل احترام.. فأنا أعرف أنه أذكى مني كثيرا ، وأنني لن أستطيع ممارسة التجهيل المعتاد كما...
الباص السفري قديم جدا...كانوا يطلقون عليه فورد .. كل حديده يصرخ... لا مذياع ولا حتى زجاج يغطي النوافذ ، الباص الأزرق الذي تنتفخ مقدمته وتتكور جوانبه نصف تكويرة لتناسب حجم عجلاته ، عجلاته كانت هي الشيء الوحيد من هذا العصر. وأما كل مكوناته الأخرى فهي أناجيل صناعة المحركات البخارية... مع ذلك فلو...
يونس .. يتحدث بعصبيته المعتادة ؛ اسود نحيل لكن جلده متقشف ورمادي من قسوة عمله في مصنع الرخام: - انا عملت في مصنع الرخام منذ عشرين عاما... صمت كعادته فهو لا يكمل جملته أبدا.. الرجال الباقون يحدقون فيه في انتظار اكمال جملته لكنه يخفي عينيه تحت مظلة قبعته ومعطفه الجلدي الأسود وينظر بخط مستقيم الى...
قبل آلاف السنين ، كان هناك رجل، يعيش نصف عار في كهفه ، ورغم أن الحياة كانت قاسية جداً وملأى بالوحوش ، ورغم أن القبيلة لم تكن قد وجدت بعد ، ومن ثم فإن كل من يطلق عليه إنسان ، كان يعيش وحيداً ، رغم كل ذلك قرر هذا الرجل الوحيد الذي لا يكترث به أحد في عالمه المتوحش ، قرر أن يكتب عن نفسه ، لم يكن...
والقافزون من السفينة.. مثل يونس...لا يرون الحوت قادم...وذوو الطموحات العريضة .. وتجار المنابر .. بأفئدة مريضة... ومسرور سياف الخليفة.. رمى الماضي.. وامتشق اللسان تدلها بأفخاذ الوطن...الكل يرغب في مضاجعة الدواوين وعرش من خراب...وريحة دم الشهداء من أجل الحقيقة .. اختفت خلف السراب.. والسراب بذاته...
لقد كانت علاقة الأفراد بالسلطة سببا لنقاش طويل أفضى الى عدة نظريات لكل منها زاويتها في رفضها للقمع السلطوي. الاناركيون تطرفوا تطرفا بعيدا وهم يقصون السلطة باعتبارها شرا مطلقا ، الشيوعيون بدورهم أمنوا على سلطوية صاعدة بدلا عن سلطوية هابطة ، الليبراليون أكدوا على ضرورة تحجيم السلطة وتوسعة الحرية...
الديموقراطية أو حكم الشعب لذاته منهج أخذ بهرجه الخاص في المرحلة الراهنة. أغلب المؤلفات العلمية تعاملت مع الديموقراطية كأسلوب سلمي لتداول السلطة. هذا يبدو سليما لأول وهلة ، لكن لو تعمقنا في رؤية مظاهر الديموقراطية باعتبارها عناصر ، فيمكننا أن نكتشف بعدا جديدا لهذا المنهج وهو بعد نظري هام...
طق طق ... طق طق.. "يا عمنا... الأجرة".. فرقع الكمساري بأصابعه ، الرجل العجوز قال بفم خال من الاسنان: - مالك يا كمساري...اصبر الصبر طيب.. قال الكمساري: - أنا محصل ولست كمساري...انا اعمل في القطاع العام يعني موظف يا عمنا... مط العجوز فمه الكهفي مبتسما بسخرية وقال: - يعني عايز برستيج... غضب...
شد عمامته لتزداد ثباتا فوق رأسه ونهض والحشد يصفق له ؛ مع ذلك تقدم بخطوات ثابتة ووجه متجهم الى المنصة ثم أمسك بالميكرفون. القى نظرة على الحشد الصغير الذي لم يكن يتجاوز خمسة وعشرين شخصا بأي حال ثم قال: - يا عبد الدايم...انت أكثر من موظف ومن صديق.. أنت من أحبه كنفسي أو أكثر... هكذا قال لي المرحوم...
النبي الأول: ما قدم الشيطان من خير نفيس *** إلا بتزيين السعادة في الكؤوسْ يطرح النشوة ثم يجمعها معاً *** ثم يقذفها بأوهام الرؤوسْ فإذا بالكون وضاح السَّنَى *** وبوصل العشق قد زيجت نفوسْ أي فحيي حضرة الكأس بقربي*** فخبال الخمر في عقلي يجوسْ النبي الثاني: أي وحيي...
إذا كانت فلسفة الذات والموضوع قد استمرت منتجة لجدليتها حتى اليوم بطرفيها المثالي والحسي ووسطية البين ذاتية ، فكان من اللازم تأثير ذلك الديالكتيك على مفهومنا عن التواصل. وعندما اتحدث عن التواصل فلا أعني به اللغة المتكلمة بشكل حصري ، ولا النص ، بل أعني التواصل بمعناه الواسع ؛ ذلك التواصل الذي لم...
- الشمس سطعت بشدة .. أدخل الى غرفتك.. أعطته أمرا مباشرا مسبوقا بتبرير منطقي مقتضب. وعليه أن يملأ الفراغات بين التبرير والأمر بنفسه. لكنه لم يكترث لفعل ذلك. بل نهض من كرسيه تحت شجرة النيم الظليلة وعبر الى الفرندة المستطيلة التي تؤم ثلاث غرف على واجهتها.. ثم دخل الى غرفته سعيدا بأن قدميه استطاعتا...
ربما ما شدني لكتابات ساراماغو هو أنها تحكي قصة ؛تحكي فحسب؛ مسألة أن تطرح الحكمة باستعلائية كالكتابات الشابة الناشئة الآن وما بها من مباشرة تقحم شخصية المؤلف داخل شخوص مؤلفه هي ما أبعدني كثيرا عن تتبع الجديد لدى هذا الشباب الرائع والمتعجرف في نفس الوقت. ساراماغو يختفي تماما ويكتب قصة ، وعلينا...
هناك مسألة واجبة الحديث ، بل ربما هي سر من أسرار الابداع الأدبي ، وهي مسألة تعتمد على ذاك التداعي اللا إرادي للحكي ، ذاك الذي يجرف الكاتب معه بدل أن يجرفه الكاتب معه. الكاتب قد يبدو مفعولا به أكثر من قائد وفاعل. التداعي ليس كما يظن البعض مسألة تعتمد على مجرد اختلاق قصص . يمكنك أن تختلق عشرات...

هذا الملف

نصوص
934
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى