أعدك يا ميخائيل
بسلة مليئة بالعيون
لتوزعها بالتساوي على العميان
ليعلقوا ملابسهم على حبال الضوء
ليباركوا مصبات الأنهار
ويرتادوا الكنائس غير آبهين بوحوش العتمة
تهتز أعطافهم لأيقونة العذراء
العميان جيدون يا ميخائيل
ثيران هواجسهم ضخمة جدا
يفكرون في الخبز والنبيذ ومجالس الأنس
هم في انتظارك يا ميخائيل...
كان أخي إلاها سيء السمعة
محاربا قديما
قائد أوركسترا في ظلمة
الفراغ
من خبزه تأكل الحدأة والتنين
يزرع النساء في سريره الليلي
يملأ المدفأة بغصونهن
ومن هواجسهن يصنع حبالا طويلة
لاعتقال كناغر القلق.
كنت أيلا صغيرا في حديقته
مطوقا بالسحرة والنجوم
أنام في مرآة العائلة
يحرسني قديس من ورق الخيمياء
وفي...
من أجل الحقيقة وحدها
تلقينا كما هائلا من اللكمات
خسرنا قواربنا في نهر المسلمات
دحضنا قبعة الشماس
عادينا فلاسفة كثرا
تلبستنا لوثة ( فرلان)
فتحنا النار على نيتشة
في حانة يرتادها زرادشت بلباس جنائزي
طاردنا ألبير كامي بسبعة كلاب سلوقية
كان يبدو لنا مثل أرنب (مزدهر القامة)
كان محصنا بصخرته العبثية...
كلما أممنا البحر
هاربين من جحيم البغايا والصيارفة..
من خدع المهرجين ورماد المعنى.
هاجمتنا قافلة الدموع والنوستالجيا.
رفقا يا عمنا إسرافيل
الريح
تضرب قاربنا بعصاها الغليظة
مثل خادمة مقوسة الظهر
تلسع جباهنا بنبرتها الرجيمة
خذها بعيدا في سيارتك الليموزين
لتذرنا نتطوح في عرض البحر
تربكنا نواقيس...
إلى تنديار جاموس.
لقد ألهبت ذاكرتي تنديار الرائعة .
- كانت أمي ساحرة مذهلة
تضعنا على كتفيها في الليل
ثم تطير بنا مثل حمامة جيدة
في أعالي السماء
كانت الملائكة ترشقنا بالفواكه
والملابس الثمينة
كان الفقر أشبه بدينصور طائر
يلاحقنا لقطع رؤوسنا
والتهام الحمامة الجيدة.
كان عمنا جبرائيل طيبا للغاية...
أقترب كثيرا من سكة الحديد الأبدية
مخلفا ورائي وعلا من البرونز
يلتهم جزءا كبيرا من غصوني المتدلية..
قطيعا من الهواجس في بيت الإستحمام..
قلب حبيبتي في جرن الشماس..
مطريتي التي أهديتها إلى الملاك الأحمر
الملاك الذي يحرس حديقة مناماتي من الصحون الطائرة..
من ثرثرة سكان رأسي..
شبحا يهاجم دراجتي...
- لا أدري أين تذهب في النهار
قال جارنا الكفيف :
رأيتها تجري وراء جنازة لذيذة بطعم الفراولو
نسيت قداحتها الأبدية في كفن الميت
ألبوم ضحاياها في التابوت الأشيب.
وقال الراعي: رأيتها ترضع تنينا مسنا
تملأ أكياسا من اللهب الخالص
ثم تختفي في جحر مهجور
قال النادل :: رأيتها تطارد الغرسونة التي شربت...
ميخائيل
أين أنت الآن؟
صرت ضريرا يا ميخائيل
مثل يعقوب النبي
موحشا مثل مقبرة في الشتاء
بيتنا جثة هامدة
دراجتك حزينة جدا
وعظامها ملآى بصفير النقرس.
أرنبك الصغير التهمته العزلة
مصباحك السحري في قفص العتمة
وحدي دفنت ظلك في الحديقة يا ميخائيل
ظلك ذو الأبهة والكاريزما
إخوتك رحلوا إلى الأبد
لكن في الليل...
في فمه غراب ..
يدنو من ضفة نسيانه
رويدا رويدا..
مثل لقلق فر من عضة تمثال..
يحاول اختلاس مفاتيح الجنة
من عيني ممرضة مشمسة..
انه لا يمشي بل يطير
مثل خفاش ..
تصغي اليه شجرة كاليبتوس..
يرتاح الموتى تحت ظلالها اللذيذة
يتقاسمون أياما هشة بالتساوي..
نقودا مزيفة عثروا عليها
بين شقوق جماجمهم..
العاشرة...
كان أبي لا يضربنا بالكرباج عند ارتكابنا الهفوات وسقوطنا في فخ الشيطان.
كان يضربنا بالكلمات ضربا مبرحا بعد شحذها وايداعها مسامير حادة مقدودة من معدن الدلالة الجارحة. بينما أمي تقوم بتضميد بقع الكدمات الزرقاء المنتشرة على جلد الروح التي خلفتها لذعة كلماته الحارقة.
كانت عيونه تتكلم بقسوة وتلدغنا...
بعد طرد آدم وحواء من الجنة
وهبوطهما إلى الأرض
في منطقة الإسكيمو
حيث تجر عربتهما كلاب سلوقية من سلالة نادرة
حيث تتقاتل دببة المتناقضات
والعالم مجرد مكعبات من الثلوج المتجانسة
ماذا يا رب لو تدخلني يوما واحدا؟
أنا وريتا حبيبتي
ريتا التي إحترقت بالكامل
مخلفة أربعة أرانب جيدة للغاية
وكتابا صغيرا في...
كل ليلة
حين يفرنقع المصطافون.
ويرتق الناعون ثوب الجنازة.
حين يخلد إلى سبات عميق
مترو الأنفاق.
أرضع شبحا يتيما
يثغو مثل شاة ضريرة.
على قارعة الهامش.
كل ليلة
أجمع الضوء في سلال مثقوبة.
يتبعني سحرة كثر.
أكتفي بمزمار طائر الغاق
لأروض فهود الأسئلة الكبرى.
كل ليلة
مثل نسر هابط من درب التبانة
أسبي مائة...
** يخفي أنقاضه في بحة صوته.
يخفي ستين مترا من الفراشات النافقة.
يخفي رهابه اليومي من عشرة طوابق.
يخفي جسدا محفورا بالجدري
داخل جسده.
يخفي الفهد الذي يقرص شحمة أذنيه.
يخفي اللاشيء في ثقوب الغربال..
المياه العذبة بين فروج الأصابع.
قاربه المشرد في قاع النص.
يخفي ريش الأسبوع الفائت
في قفص ويتخابر...
عند الرابعة مساء.
سأشنق الفراغ مثل مهرج عبثي.
سأكسر العالم بالموسيقى.
سأحرر رهائن كثرا
من معتقلات الوراء.
سأدهس الغراب الرابض في نبرة القبار.
سأمزق خصيتيه بنابي الذهبي.
أجره بقاطرة ذهاني اليومي
إلى باص آهل بالمرتزقة.
أفتح النار على هواجس المعزين.
قارعي الطبول في الإسطبل.
اللصوص والصحون الطائرة...