لودي شمس الدين

الظلُّ خلف البحيرة يجرف الريح... الريح زهرة شر مريضة... الصخر رماد... الرماد صخر... المرأة فقدت ظلها بعد شمس وغياب... الغياب النجاة... الغياب الغرق... الغياب الصخب... الغياب الهادىء... الغياب الآمن... الغياب المرعب... الغياب السقوط... سقطت قليلا في فم الغيمة/غابت... سقطت قليلا بين يديّ...
الليلك الأزرق يمتص أعصاب الريح... الريح تتحول لأيام من لحم ونار... الوقت يتكسر بلا ضوء وصوت... ويهبط فوق فم يمامة مريضة.... اليمامة تبكي خلف الزمن ... والزمن يهبط بفوضى... فوضى الجمال المجروح... الأمان المجروح... الوهم المجروح... الدمع المجروح... الظل المجروح... الصمت المجروح... الغيب...
عيناك شمسان محفورتان على وجه الريح... يداك زمنان من الأمان يكبر عمري بينهما كطفل ماء.. وصوتك كون يكور الحياة على هيئة ليلكة زرقاء... رقص أمام النبع ،رقص فوق الرمل ورقص في النار... مثل دموع النور ترقص عيني أمام وجهك... وجهك العارف كل لغات الفراشات والورد... الشجر أمام ظلك رماداً أخضر كريستالي ...
القمر ثابت في عينيك... نورٌ يهدهدُ نوراً والشجر يكبر... البحر هادئ فوق فمك،والماءُ يغسل ماءه من ماءِ يديك... الريح تخلع عني صوتي،وحناجر الطيور تشرب الريح ودموعي... مطرٌ يجرح شفتي والوقت... والوقت مثل خشبٍ عتيق يضيع في النهر... العتبة الأولى للعالم جسدك الناعس تحت الضوء... والضوء أول صورة حاملة...
وجهك بحر... وعيناك شرفتان أطل منهما على نفسي يا أخي... وجهك بحيرة نور... وعيناك نجمتان معذبتان من النار والموسيقى... لا فرق بين لغة الماء وصوتك الدافىء.. لا فرق بين جسد الريح ويديك الصلبة... لا فرق بين كآبة الطيور ودموعك المريضة... ولا فرق بين نشيد الموت وبُعدك يا أخي... لا تبتعد عني، كيا لا...
القمر الأحمر يغرق في البحر... والبحر فوق قدميك تِلالا من النار... مائة زهرة من الريح قطفتها لعينيك.. وأنت تدير وجهك نحو مسالك العذاب اللامتناهية... وألفا نجمة لصقتها فوق عنقك الدافىء.. وأنتَ تُعلّم روحي على صلاة العشق... أنت حبيبي،العائدة يديك لمرايا النور وكؤوس الرحمة... أنتَ رجلي،العائدة أصول...
القمر وجه للملاك المريض... والسماء جرح لفم الزمن... أبواب البحر خلف السحاب مغلقة... وثمة بكاء أبكم في تنهيدة الموسيقى... الفراشات تحدق في التراب والحجر يضحك... الطيور تنام فوق النهر والشجر يشرب نخب الريح... القمر وجه للنار الفضية... والسماء قُبلة لذاكرة الدموع... عندما يموت الماء،تصبح عيون...
أنا ونفسي ضِدان،نلتقي لِنفترق بعد شمس وماء... فلماذا إذن؟ أدور بأصابعي حول البئر... لمذا إذن؟ أحفر في جسدي غابة ونهر؟ لماذا إذن؟ أفتح في قدمي باباً يفض نحو الغياب أهذه الحياة؟ خمسُ مدائن للدمع وقرية للموسيقى؟ أهذه الحياة؟ طائرُ وحيد للظلِّ الخفي وفراشة واحدة للجمال الموجوع؟ لودي شمس الدين/ لبنان
كان لعينيك صوت ناعم كالماء،والماء يجرح... كان ليديك وجوه رقيقة وخطيرة كالنار،والنار تجرح... وكان لوجهك أغانٍ دافئة كالمطر،والمطر يجرح... الوردة يئست من الشمس يا حبيبي... الشمس يئست من السماء والسماء يئست من الطيور... كان لشفتيك خناجر صغيرة كالسنابل،والسنابل تجرح... كان لصوتك أحلام قصيرة كالزمن...
السماء المترهلة تنحني فوق الشجرة كبحرٍ منكسر ‎...والغيم تحول لأبواب مهجورة من الهواء والدمع جرحٌ وحيدٌ غائرٌ في العدم،غائر في جسد حبيبي البعيد... والغيب القديم عال فوق ميزان الحياة،لا يزِن عمري إلا بالوجع... ‎أطيورٌ أم أطفالٌ تلك الأشلاء المعلقة في فم الشمس؟ ...‎النهر ساعة رملية بين كفي والأرض...
كنا نمشي معاً على أرصفة من ماء... نتبادل الجرح ،القبل،رغيف السحاب،ولحمنا الممزق... ولا نعرف وجوه العرافين... نمشي جنوباً باتجاه شجر التفاح وغابات أطفال الجياع... ونمشي شمالا باتجاه العتمة،أشلاء الفراشات والغرقى... ولا نعرف أقدام العابرين من حدود الشام نحو بغداد... نمشي لأننا تعبنا من موسيقى...
أتأمل نفسي على المرآة... ووردة تجرح عيون الخيال... أتأمل نفسي على المرآة.. والقمر يجرح فم العتمة... أتأمل نفسي على المرآة... والحمائم فوق نهدي تناجي الله... أشرب الريح كأساً... أشرب البحر كأساً... أشرب الضوء المخملي كأساً... أشرب ظلي العاري فوق البيانو كأساً... أشرب ألمي الناعم داخل أعصاب كلماتي...
تركوا البحر وحيداً يجرف الشجر بفمه المالح... وناموا طويلاً بين الصخور الزرقاء... تركوا الماء زجاجاً منكسراً في عين الرؤيا... وقالوا:"الأرض تصبح أعلى من السماء،كلما انحنى الهواء على دمعة الغاردينيا"... ناموا طويلا ومرَّت بينهم خناجر شفافة كالريح... وتركوا سلاسل الشمس الذهبية فوق عتبة الموت...
أسبوعان مر يا أخي على انكسار الجرح بيننا إلى ياسمينة مريضة. أسبوعان أنا وأنت بعيدان عن شفة البحر والبحر البني بعيد عن منزلنا الحجري. بعيدان أنا وأنت والشمس تتقلص بيننا لِلؤلؤة صفراء، رماها الزمن في فم غراب أبيض. بعيدان يا أخي إلى أن نلتقي،نلتقي ولا نلتقي،الضوء عتمة والعتمة نقطة دم سوداء على...
أعبر الأشياء من ريح إلى أخرى،أعبر الأشياء من صمت لآخر،لا أذكر كم من المرات قبّلته ولم أقبّله بل قبّلت عين الشمس،ولا أذكر كم من المرات عانقته ولم أعانقه بل عانقت جمال الله. أعطاني فمه وهو كان يمر بهدوء كريشة نار تائهة فوق البحيرة. أعطاني يده وهو كان يفكك أعصاب البحر بأوتار أصابعه الملتهبة. كان...

هذا الملف

نصوص
63
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى