السماء المترهلة تنحني فوق الشجرة كبحرٍ منكسر
...والغيم تحول لأبواب مهجورة من الهواء والدمع
جرحٌ وحيدٌ غائرٌ في العدم،غائر في جسد حبيبي البعيد...
والغيب القديم عال فوق ميزان الحياة،لا يزِن عمري إلا بالوجع...
أطيورٌ أم أطفالٌ تلك الأشلاء المعلقة في فم الشمس؟
...النهر ساعة رملية بين كفي والأرض...
كنا نمشي معاً على أرصفة من ماء...
نتبادل الجرح ،القبل،رغيف السحاب،ولحمنا الممزق...
ولا نعرف وجوه العرافين...
نمشي جنوباً باتجاه شجر التفاح وغابات أطفال الجياع...
ونمشي شمالا باتجاه العتمة،أشلاء الفراشات والغرقى...
ولا نعرف أقدام العابرين من حدود الشام نحو بغداد...
نمشي لأننا تعبنا من موسيقى...
تركوا البحر وحيداً يجرف الشجر بفمه المالح...
وناموا طويلاً بين الصخور الزرقاء...
تركوا الماء زجاجاً منكسراً في عين الرؤيا...
وقالوا:"الأرض تصبح أعلى من السماء،كلما انحنى الهواء على دمعة الغاردينيا"...
ناموا طويلا ومرَّت بينهم خناجر شفافة كالريح...
وتركوا سلاسل الشمس الذهبية فوق عتبة الموت...
أسبوعان مر يا أخي على انكسار الجرح بيننا إلى ياسمينة مريضة.
أسبوعان أنا وأنت بعيدان عن شفة البحر والبحر البني بعيد عن منزلنا الحجري.
بعيدان أنا وأنت والشمس تتقلص بيننا لِلؤلؤة صفراء، رماها الزمن في فم غراب أبيض.
بعيدان يا أخي إلى أن نلتقي،نلتقي ولا نلتقي،الضوء عتمة والعتمة نقطة دم سوداء على...
أعبر الأشياء من ريح إلى أخرى،أعبر الأشياء من صمت لآخر،لا أذكر كم من المرات قبّلته ولم أقبّله بل قبّلت عين الشمس،ولا أذكر كم من المرات عانقته ولم أعانقه بل عانقت جمال الله.
أعطاني فمه وهو كان يمر بهدوء كريشة نار تائهة فوق البحيرة.
أعطاني يده وهو كان يفكك أعصاب البحر بأوتار أصابعه الملتهبة.
كان...
القمر المريض قرع جسدي بالسكين، فانشق الضوء لرمل فضي...
دُفن البحر في الصحراء وانحدر فوق لحمه الشاحب أقواس دمعي المتجمد على خدِّ السماء...
الليل يكشف عن فمه للبئر،البئر تتعرى لمرايا النار...
ودم الطيور يختلط بدم الياسمين،القمر المريض يبكي...
حفرت قبري بأسناني ورفع الله غطاءه عن جفن الحديقة...
قناع طحلبي فوق وجه الفجر والفراشات تغطي حمرة البحر بالدمع…
الورد يجرح الريح والماء المعتم في عيون المدن البعيدة…
وأشجار البنفسج تُبصر خُطى ظل الحمائم الحزينة…
في مديح الزمن،خنجران مصلوبان في حنجرة البئر الحية…
وفي مديح الندم،مسماران مغروزان في لحم الذاكرة المتحجرة من الألم…
وأصوات تتمتم عطشى”متى...
في المستشفى الأزهار المريضة تمرغ فمها في الهواء/
الهواء يمرغ أنفاسه في سريره العشبي الذي رتبته الرياح/
الرياح تتعرى بخوف أمام النار/النار تكسر مرايا الدخان/الدخان وجوه مجروحة بالعدم/العدم وحش أسود ينام في نهر دمي/دمي بحر غرقت فيه أطفال أيامي الآتية والأطفال دفنوا جنب كون وجهه.
في المستشفى الشمس...
تئنُّ الطيور، لن أكشف عن نفسي إلا في قبري المفتوح بين يدي الريح...
دم الأزهار فوق البحيرة وداخل دخان الغابات، تئن الطيور...
من جرح الشمس بالخنجر؟
الماء أم الصخرة؟
لا أدري...
هبط نيزكاً دافئاً فوق عنقي الصغير...
هذا فمه،شعلة نور فوق دم النار...
لن يأتي؟
نعم ولا...
من جرح الغاردينا في شفة المطر...
حينما تطبق السماء شفتيها فوق النار ...
تصعد أنفاسي كالفراشات الميتة نحو الغيم القطني...
وينسال من دمي وحل أرجواني ...
وكأنَّ الشمس تعفنت داخل جسدي من قُبل أمي الباردة على جلدي الرطب....
لحن يعاند لحنا،وردة تعاند وردة،خيال يُعاند خيالا...
صمتٌ يعاند صمتاً،ألم يعاند ألماً وأنا أُعاند دموع أبي...
قرص واحد من القمر لا يُشفي...
قرص واحد من الشمس لا يُشفي...
قرص واحد من الغاردينيا لا يُشفي...
قرص واحد من السماء المحشوة بتربة القبور الفارغة لا يُشفي...
أقرع بابا...
أكسر بابا...
أنام على إيقاع أجراس عظامي المعلقة في الغيم الأسود...
قرص واحد من البحر المكسور في البئر لا يُشفي...
قرص واحد من...
إن الريح تبكي كنرجسة على ضفة النهر...
والنهر يبكي كطير على شفة غيمة ترتجف...
السماء تحمل الفراشات كسنابل ملونة على وجه الشمس...
وقصائدك كون فضي يحمل العالم الرمادي على وجه القمر...
إن الأشجار تبكي كالأعشاب التي لا تنمو إلا في عمق البحر...
وامتداد البحر يبدأ من هدوء أنفاسك وصولاً لأثر قدميك في...
صوتك الليلكي من الأعلى يجرحني...
دمعك المتجمد كبنفسجة بيضاء فوق القرآن يجرحني...
عيناك التي شربت السواقي وصدى دموع الأسماك على إيقاع أنين الريح تجرحني...
يداك التي طوت الغابات والأنهر الحليبية فوق وجهي تجرحني...
وتفاحة الله الزرقاء التي سقطت في يد الطين جرحتني...
مرآة الله التي تكسرت فوق لحمي...