الليلة الأولى!
أمسكت بي أميرة الجن، أخدت تتقرب إلي، تميس دلالا وترجو محالا؛ وما كان ذلك إلا أن أشمر عن ساعدي وأجهز على مأمون سياف الرشيد، انتابتني الشكوك فيما تريده، هل حلا في عينيها المقام في قصر السلام؟
أما تراه شغفت بالملك وبهرها العز في بلاط بني العباس، صاحت البومة الحكيمة قائلة:
مسكين أيها...
بدأت الوشايات تتناقلها شفاه الناس في كفرنا، فهم في زمن الخواء يقتاتونها بدل أرغفة الخبز الشهية؛ يسكنون علبا مميكنة، يدبون على الأرض بأحذية مرصودة؛ يعبثون مع نسائهم في ليال محددة، يدعون أن الجنون بلغ منتهاه، ربما أكون الوحيد في هذا البيت، الذي لم يصب بعد بتلك الحالة، سيذهبون بي إلى السرايا...
حين انتصف الليل صعدت إلى سطح منزلنا الحجري، ذلك الكائن وسط الصحراء تحفه هضاب وتحوطه كثبان رملية، ثمة هاتف دعاني إلى ذلك الصعود، تخفيت عن عيون زوجتي فقد اعتادت منذ فترة أن تغلق باب البيت الكبير بالمزلاج والقفل، تخشى علي من هؤلاء الذين يطوفون بالليل والناس نيام، مرة تربط قدمي في حجر، أخرى تطعمني...
تحية تقدير للناقد البارع عمرو الزيات حيث حرك رغبتي؛ لمطالعة هذه القصة عندما قرأت تعليقه، ولاسيما أنها عمل مغاير لكل ما سبق من أعمال للدكتور سيد شعبان.
تتجلى عبقرية القاص في مدى قدرته على انتقاء، واختيار بدائل أسلوبية بعينها، وتشكيلها وتوجيهها وجهة بذاتها؛ لتعبر عن مشاعره، ومدى قدرته على التأليف...
مرت أيام لست أحصيها؛ فقد أصابني داء النسيان، لاأدري ما الذي جاء بهذه المرأة إلى ذاكرتي؟
حين كنت أبحث في ديوان العبر؛ وجدت صورتها كما أوردها لسان الدين ابن الخطيب، هل تراه ذكرها في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة؟
يقال إنهم أحرقوه حيا، لعلهم جاءوا بأشيائه من كتب وأوراق وجعلوها وقودا لناره؛ لكم...
ولأن السيد(م) دائما يلتفت حواليه، كل نظرة من العابرين الذين يقابلهم في طريقه إنما هي تلصص عليه، يظن أن الجميع يشيرون إليه ومن ثم يعدون عليه خطواته،يحصون كلماته،ثيابه موضع انتقادهم،كلماته تثير سخرياتهم،لون حذائه الباهت ونعله المنكسر،الجميع لاهم لهم إلا السيد(م) وأحواله، هكذا ظن بنفسه الظنون...
على غير عادة انتابت عم مخلوف حالة من شجاعة عارمة، فابتدر زوجته أم الخير وقد تثاقلت في نومها، اليوم سوق ويوم يسبتون تأتيهم مطالب الأطفال مشرعة على أسنة من الحاجة التي لا يصلح معها التعلل بضيق اليد، وليتخلص من كثرة مطالبهم ببعض فاكهة، باع أمس نصف إردب من خزين القمح؛ الحصاد على الأبواب فلا يمنع من...
حين أمسكت بالقلم لأكتب، كنت أشاغب به، تماديت في تلك اللعبة حتى خلتني ساحرا!
غير أنني لطول ملازمتي للكتاب واطلاعي على فنون السرد سرت أشتاته في ثنايا عباراتي، ربما كان القلم حلمي يوم درجت في دروب قريتي الأثيرة، حين تفتحت عيناي على الحقول تترامى والحيوانات تتهادى غدوة وعشية، كان أبي رحمة الله عليه...
يركب أتانه صباح كل يوم متوجها بها إلى البندر، فلديه مهام لايعلم بها أحد، تجري به في زهو، يفرد رجليه يتدلى منهما نعل أشبه بمركب العربي منسي الذي انفرد قلعه تضربه الريح كل مكان، في كفر مجر أحلام تبخرت مطلع الشمس، عدلان حظه عاثر، تناطح طاقيته السحاب؛ في جيب صداره مليم وخمسة صاغ، لاعمل له غير أن...
أما سر ما أخفيته والذي تساءل بعضكم عنه، حاولت تكتمه صعب علي أن أظل هكذا معنى بما أنطوي عليه من خفايا، لدي أوراق ومحبرة، أحتفظ بفرشاة ألوان أرسم بها لوحات جميلة؛ فتاة ذات شعر منسدل تعابث وجه القمر ؛ أنا رجل آخر، لي هوية مزدوجة؛ تستطيعون أن تقولوا خفاش أو وطواط أو حتى عنكبوت؛ أجيد الشيء وضده، أضحك...
يبدو السارد راقصا فوق صفحات كتبه؛ يرواح في ثنايا الحروف والمفردات يضع نصب عينيه قارئا يتتبعه وينتظر لحظة ما يمسك به متلبسا، فالكتابة كما هي إبداع وتميز تبدو في مجملها حالة ترصد مع سبق الاتهام!
ولايلزم الكاتب أن يصرح بكل ما في ثنايا ضميره؛ يغدو مكشوفا فجا؛ كما أن عليه ألا يلغز حتى يعسر فهمه؛ وهو...
اللف وراء لقمة العيش أتعب جسدي، متى أرتاح من الطريق؟
كل الناس تنام سعيدة وسط أهلها إلا أنا، تب علي يا كريم من البهدلة، بياعة حلوى شعر البنات وأمشاط العرايس وفلايات للصبايا؛ خمسة وخميسة وسبح وعقود خرز، أدب في الشوارع وأنط من حارة لحارة قرد بهلوان، من زمان وهذه مهنتي، حفيت واتعميت وظهرى انحنى،...
سؤال حاولت كثيرا الإجابة عليه، في كل مرة أراوغ وأقدم غير مافي نفسي؛ فالبوح اتهام وتجن، كتبت مقالة عن السرد عند المنحنى الخطر، تبلعت حبوب الشجاعة وأبنت عن بعض الدلائل من حياتي بله من آرائي، تراجعت بعد؛ لأن السرد لابد له من غموض شفيف يغلف الجمل والعبارات، لو وضح لصار مملا، ثمة فرق بين السرد...
حينما كنت صغيرا - وما أزال هذا الطفل الذي خرج إلى الدنيا عاريا وضعيفا وأسود الوجه، وقل ما شئت فيه من البلايا- حلمت بأن الجنة بها جمال وخيول، وأنني قرد يقفز فوق سلالم خشبية ويركب أرجوحة تطير به إلى سور جهنم، لكنني وهذا في الحلم أعود مسرعا؛ فجسدي لا يقوى على النار!
ظل هذا الخاطر يدفعني بعيدا، مضت...
بكل تأكيد هذا العالم مثقل بالأحزان التي غطت جميع جوانبه، لست معنيا بكل هذا فلدي هوايتي المفضلة؛ أن أرتشف قطرات الشاي وأحيانا أطالع وجوه المارين من أسفل نافذة حجرتي المنزوية في تلك البناية القديمة والتي تزكم رائحة الرطوبة الخارجة-من بين شقوق جدرها- أنفي، أعايش الخيال كل ليلة، فلدي ما أفعله سخرية...