د. سيد شعبان

دقت الساعة معلنة منتصف الليل؛ تتحرك الوساوس والخيالات محدثة صخبا لايدري به إلا من تلبسته الظنون، ثمة حفيف لأوراق الشجر يترك فزعا، تموء في تلك اللحظات القطط الثلاث التي رزقنا بها؛ انضم جرو صغير إلى الكلبين الذين ضربهما العجز، عله يفلح في أن يأتينا بجديد، كل شيء هنا اعتاد الرتابة، يمضى النهار دون...
لعل بعضكم يتساءل: لماذا أكتب وأدون على حائط صفحتي كل هذه الكتابات؛ هل أنا مجنون؟ أم تراني أقضى على وقتي ومن ثم أشغله بسرد قد يمله القراء؟ مؤكد أن هذا في جملته صحيح؛ لكنني أكتب لأوجد معنى مغايرا؛ دفء مفرداتي يرتبط بوهج مشاعري، حلمت أن أغير العالم؛ وجدتها فرصة مناسبة لأنطلق من صفحتي؛ أن أكون معبرا...
أنت لن تضع قدمك مرتين في النهر، حاولت فهم تلك الحقيقة-سيما وأنا أسكن جواره- منذ جئت الدنيا، في ظني أنها مقولة خاطئة؛ فما زال النهر يجري وها أنا أسبح فيه، أدرت تلك الذكريات حين انتحيت جانبا، الآن بدت الحقيقة واضحة، فعلا الماء يتغير وكذلك أنا، انتابتني حالة من الخوف الشديد؛ دلسوا علينا في قاعات...
ثمة تفاصيل لم أعد أحيط بها؛ تدور في الزمن رحى الطاحونة، الصمت والقهر يتعاقبان في مشهد يتكرر في تلك النواحي، هل هو القدر فرض سطوته مثلما فعل بنا المرض؟ ربما تلك أشياء تظل عالقة في ذاكرة الآباء، نحن الصغار نتناساها لا نهتم بها، لدينا رغبات لما نشبعها بعد! متاهة ندخلها، لم يعد طعم للفرح بل نتشح...
بعد مرور هذه الأعوام، لا يزال بي حنين إلى التسكع في ممرات المدينة التى أحببتها، دونما وجهة أدع قدمي تتحرك في أي اتجاه، فالمسافات تلتقي أبعادها، كل ما علي أن أعاود السير، هاتف في داخلي (ابحث عنها في تلك المدينة، ربما تجدها وربما لا، كل ذلك مرتهن بقدر) أضعت عمري ولم أنل منه ما تمنيت، حياتي مثل...
آثرت في حديثي عن جماليات النص السردي هنا، أن أسلك منهجًا متكاملًا ، لا يعتمد مدرسة بعينها دون غيرها، ولايرجح مدرسة نقدية على غيرها، بل يعتمد على تذوقي لقصص من نوع خاص يغاير المألوف المعتاد، ويتجاوز حدود العصر؛ لذا لا أدعي زهوًا أنني سأقتله بحثًا بل هى قراءة محب للأدب عاشق للجمال ،،،، وكان منهجى...
صبحت هذا اليوم مغبرا بحرارة صيف ملتهب،تقول أمي : الشمس تتغذى على حطب القلوب اليابسة، تأكل ما تتركه النسوة من ركام وشايات يطلقنها كلما اجتمعن عند الفرن للخبيز، الليلة الفائتة تسللت إلى حجرة جدتي الطينية حيث بقايا رماد كان يتلمظ نارا، ولأنها غادرت الدنيا فما عاد أحد يطفيء النار غيري، أوصتني؛ ألا...
زارني ابن خلدون في بيت أبي الحجري؛ جاءني في عباءة من صوف شاة برقية؛ يحمل كتابه الأشهر" ديوان العبر والمبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" خففت إليه مسرعا؛ أحمل وعاء اللبن وكسرات خبز وقطعة لحم كانت أمي قد ملحتها واحتفظت بها في قازان فخاري تحسبا للشتاء، بسطت له...
يتبادر إلى ذهن الكثيرين أنهما مترادفان يدل أحدهما على الآخر سيما وفي الأمر اتساع عند غير النقاد. نعم السرد حكي ممزوج بملحة من تفرد تغني الأسلوب وتزين الكلام وتخايل به، فكل سارد يحكي وليس العكس؛ الحكي انطلاق قاطرة دون مراعاة لأنظمة السير، قد يهرف الحكاء ويأتى بما يود غير مأتلف أو مشذب فتشعر حين...
لا أدري كيف أصفه، عجزت أن أحدد معالم وجهه؛ يتماوج كماء البحر، بل هو ريح أمشير لا تأتي على شيء إلا وتركته عصفا مأكولا أو عهنا منفوشا، لا تعرف بطنه القرار، ولا يرفع ثوبه إلا للفرار، يبتسم في وجهك وقد يضحك ضحكة صفراء. له وجه أشبه برغيف الخبز المدور، تتدلى لهزمته ويتراخى منه الخدان، يقلد القرد...
أسرت إلى بهذه الحكاية نملة عجوز وجدتها تختبيء في خزانة جدتي خضراء؛ حدث ذاك حين كنت أبحث عن غطاء صوفي أتدثر به من ذلك الشتاء القارس الذي يحاصر الناس في مساكنهم فباتوا كأنهم أدخلوا كهفا سيمكثون فيه سنين عددا؛ مصابون بلوثة الخوف من مرض قادم من بلاد نمنم؛ تلك البلاد تزيف كل شيء؛ ربما كان هذا الوباء...
سأحكي لكم اليوم عن سر يخنقني، أخفيته عن نفسي، لا يعلم أحد عنه شيئا، كنت أبحث في سجلات العائلة التي اصفرت أوراقها، وجدت أنني هجين، جاءوا بي من بلاد بعيدة، ملامحي تشي بأنني نوبي؛ فقد كانوا يسرقون الأطفال من وراء أمهاتهم، يستدرجونهم بقطع الحلوى وشعر البنات، لا أعلم أمي من تكون، فقط وجدت وشما على...
احتارت منها الهدوم القديمة؛ أوسعتها رتقا وصبغا، كل يوم بل كل ساعة تقف أمام المرآة التي أكل الزمن حوافيها، تزيل بكمها ما غطاها من غبش، أحيانا تلبس الفستان الستان الأحمر؛ لتبدو النجمة الأولى في حارة الرمش، وآونة تمشط شعرها لتبدو فنانة، تعبت منها ناصية الشارع، بلا زينة تبدو كأن القرد ميمون مسخ...
انتفخت أوداجه وطالت لحيته في هذه العشرية التى ضرب أثداءها الجفاف؛ هل تراه يعاني مما يضرب الناس بسوطه؟ يجري الناس هلعا فثمة طاعون يهز العالم من حوله، أما هو فيمد رجليه ويتمطى في جلسة لا يحسن غيره إلا أن يقلده. أخذ يمد فمه الذي يشبه زلومة الفيل ويغمسها في قدرة المعلمة توحة التي تقف عند ناصية حارة...

هذا الملف

نصوص
499
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى