د. سيد شعبان

تذكرت الطيب حين أحاطت بي ريح أمشير تدوي في خارج البيت زوابع تكاد تتساقط من هولها أشجار الحديقة، لم أسمع للكلاب نباحا، حين ابتدأ وحش الفولجا يرسل حمم ناره قتلت كلبتنا الصغيرة، ليلتلها بكيتها، ظلت تتأوه حين كانت في النزع الأخير ضرب كييف، ترى ماذا يتبقى من هذا العالم لو ضغط على زر الرادع النووي؟...
تناثرت أقاويل عن رجل يمسك بلوح خشبي من شجرة جميز عتيقة تربض عند ضفة النيل قبالة كفرنا زرعها الجرواني الكبير؛ يجري مشقوق الجلباب الكستور المخطط بزرقة تشبه لون السماء، يصيح في الكفر صباح مساء أنه مأمور بصنع سفينة كبيرة؛ فقد اقترب زمن الفيضان، تعصمهم من الغرق؛ لم يصدقه الناس فمن مر به رجمه بحجر أو...
في زمن مضى كانت الحيل تفوق التصور وتغلب المحال؛ الآن كل هذه الأشياء صارت من الأساطير؛ كثيرا ما كنت أحلم بأنني بلا حذاء؛ ساعتها أضرب أخماسا في أسداس من تراه سرقه؟ لم أجد تفسيرا لهذا الحلم العجيب، تكرر مرة ومرة وجدتني حين أصحو أتحسسه، لا أطمئن حتى تتحرك أصابع قدمي فيه؛ ساعتها أشعر بالأمان، أشد ما...
لم تمض بعد تلك السنوات الثلاثمائة؛ التسع الزائدة لن تأتي ربما لأن آلة الزمن مصابة بالعطب أو لعل الفأر الذي عبث بسد مأرب قد استهوته اللعبة فعاد مجددا يمارس هوايته في سرقة الأحلام الوردية. قيل إنه سافح في أكثر من مدينة؛ خرج من " أبو غريب" يلقي بشواظ من لهب، عراة هزأ بهم هؤلاء الذبن جاءوا من وراء...
يبدو أن مزيدا من الوقت يكفي لأخبركم بتلك الأزمة التي تناقل الناس أسبابها؛ ففي تلك النواحي لايمكن لأمر مثل هذا أن يمضي دون أن تتلقفه الآذان، يكتفون بكسرات خبز تعاركت مع الأيام ومن ثم يمضغون هذه الأقاويل؛ تعلمون أنني بعيد عن هذه الترهات منذ زمن، أسكن في بيت ناء، تمر بنا باعة الصحف مطلع كل شمس...
الطريق موحش،آنست بعض أمل،حلمت به الليلة الفائتة،ربما كانت رؤية مباركة ،هو يأتيني كل آونة،يمسك بيده كوبا من الماء صافيا،أكاد أرى وجهي فيه،هذه المرة لم بكن معه غير منديل ،لكن به بعض عقدات،شدت على شيء ما،حاولت أن أسأله أصابني الخرس،حتى ولو تفوهت ببضع حروف ما كان ليرد،ما تعودت منه على غير...
أبحث عن اسمي في قائمة الموتى، فثمة نعاة مطلع كل شمس ينادون على راحل، أخاف أن يفترسني هذا الغول؛ صدقوني أنتعل حذائي، أحضر بطاقة هويتي الممغنطة، أرتدي ثيابا رسمية؛ ربما أقابل أحد المسئولين، زوجتي هي الأخرى نسيت عطورها، ﻻ تشتري أدوات زينة مثلما تفعل ياقي النسوة ف المدينة المتخمة بداء النزق، لا تكف...
لا أدري ما الذي دهمني الليلة الماضية؛ طريق طويل غير أنه مسيج بهؤلاء الذين يسدون عين الشمس، لم أرتكب في حياتي ما يشي بأنني من هؤلاء الغوغاء الذين يبحثون عن رغيف خبز يملأ بطونهم، أعترف بأنني لا أمتلك حسابا مصرفيا، ليس لدي تطلع لأن أكون أحد الوجهاء، تفقدت حذائي فلم أجده؛ ترى هل سرق؟ يتكرر ضياعه كل...
مؤكد أننا جميعا مررنا بهذه التجربة؛ نسطر خواطرنا أو ندون نتفا من سيرتنا الذاتية؛ ننقد شاعرا أو نسرد مقالة؛ نرسل بأوراق ذات قلوب أصيبت بسهام الحب، كل هذا يذهب مع الريح تذروه، إنها نتف صغيرة في عمر الكتابة الأولى تمتاز بحلاوة البدايات الجميلة، لكنها سرعان ما تختفي بين طيات الزمن، قد يعثر أحدنا على...
اقترب الشهر من منتصفه، أدار الأستاذ عوض يده في جيبه،تلك كانت عادته حين تسأله زوجه عن بعض مال، كلما كانت قرارة الجيب ذات عمق دل ذلك أن المرتب قد أوشك على النفاد، التفت إليها قائلا: كم بقي على نهاية الشهر؟ أم خليل: لايزال الشهر على حاله! لا عليك ربما وضعت باقي المائة جنيه في مكان ما،هو كثيرا ما...
نثقل أنفسنا بتلك الألقاب المخايلة؛ أمير السرد وما يعلمه من نفسه القصور ومن بضاعته الكساد وأميرته تطرب للقب ملكي- وقد صار في المحروسة مما جرمته الجريدة الرسمية من وقائع الدهر وزهوة العصر. تراه عوض إمارة بسنان قلم وقد خلت المعارك من أسنة الرماح؛ تشدو وتختال تيها وما تظن أن وراء الأكمة ما يعجز...
لا أدري ما الذي جاء بطيف جدي الصاوي إلي هذه الليلة؟ هل اقترب رحيلي عن هذا العالم المسكون بالقلق؟ كنت دائما أتسمع حكاياته من أمي التى لم تبقى في ذاكرتها غير ومضات من حديث جدتي؛ مات منذ زمن طويل،ولأن الحكايات مثل وشم على جلد لا يمحو الزمن خيوطه،بقيت تلك السيرة ماثلة في عقلي أستدعيها وقتما...
إذا كان د.جابر عصفور قد رأى أن الرواية ديوان العرب المعاصر؛ بل وصف الزمن بأنه للرواية وحدها دون الشعر؛ فإن الكتاب قد تماهوا مع تلك المصادرة الفكرية وصاروا يباهون بفصولها، نسخ مكررة وكتابات يجتر بعضها بعضا، إنها فوضى التأليف وامتلاء الذات بوهم الإبداع. قليلة هي الأعمال الإبداعية التي تؤصل للفن...
ثمة إعلان في صحيفة يومية مزينة بصدور عارية وبخواصر تتثنى، بها أخبار عن صفقات هنا ومذابح تجري في بلاد أخرى، تعرفون أنني لا أشتري تلك الأوراق التي تمتليء بالوشاية والنميمة، إنها تهتم بعالم الأزياء وأدوات الزينة وقد تكتب عن الفن وسقطاته، يحلو لي أن أصفها بالمرأة الناشز عن بيت الطاعة، يراها كثيرون...
ولأن الشتاء لياليه طويلة، فالحكايات معادة، مثل كل الأشياء التى نقلبها على وجوهها ومن ثم نقنع بها، إنها دوامة تدور بنا، أعادتني كلماته إلى أيام التسكع في الطرق، مثل الجراء لا مستقر لها، البعض سيعجب من هذا الوصف، لا يهم، كل ما كان أن الذاكرة المعطوبة بدأت تستعيد بعض المفردات التي مضى عليها عمر...

هذا الملف

نصوص
482
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى