د. سيد شعبان

عجيب هذا الرجل، به لوثة لا ندري من أين جاءته؟ آثار كيي بالنار في وجهه الذي يشبه قرص عسل النحل، أخاديد حفرت في وجهه بسكين حمراء، ترى من أحدث كل هذه التشوهات في وجه ولي من أولياء الله؟ اقتنعت جهة عليا بأنه لا يستحق كل ما جرى له؛ رغم أنهم كشفوا ألاعيبه، كل ما حدث لا يمكن قبوله. حين يعجزون عن تفسير...
لاينفك الكاتب عن واقعه فهو متلبس به يعيش يومه بين فئات المجتمع وتباينات الأحداث؛ تؤثر فيه فيستجيب لها؛ تكون شخصياته من عالمه لايأتي بها من فراغ أو يسترق السمع إلى الغيب؛ هذا فران وذاك عامل تحويلة أو موظف في ديوان عام؛ تلك أنثى تحاول جاهدة اصطياد رجل أو هذا حالم بغد آخر يؤطره بالقيم والفضائل...
أوغلت في ممر النسيان فترة لم أستطع تذكرها، عادة تلازمني يحلو لي فيها الارتحال إلى أماكن تغيب عنها الشمس، حدثت فيها غرائب أتأسف أن لم يكن لدي قلم لأسجلها؛ ثمة أمر ظل يدور في ذاكرتي، حاولت أن أدعه يتسرب إلى الممرات الخلفية، يبدو أنه كان مثيرا لدرجة غير معقولة؛ حين ندون تلك الجذاذات نستبقي بقية من...
تتوارد أنباء من بلاد بعيدة؛ أن بقرة حمراء تجري في الحقول لا تترك أخضر إلا أكلته؛ فتذر الأرض وراءها خاوية على سوقها، تضخمت حتى صارت أشبه بفيل عملاق، عيناها تدوران بوميض مخيف، ذنبها يقارب ثلاثة أمتار، تشرب إناء يعدل خمسة أمواج من ماء نهر السند أيام الفيضان أو يزيد عليها قليلا، تدر لبنا محلى...
في حارتنا باب خشبي كبير، دار عليه الزمن، جعلته الفئران ملهى ليليا، كنت أخاف المرور جواره، عليه تصاوير مفزعة، تسكن الشياطين البيوت العتيقة التي هجرها أهلها، سمعت عنه حكايات روتها جدتي؛ يوما ما كان يضج بالحياة، نوافذه كانت مشرعة، البنات الجميلات كن يترآين من نوافذه، شعورهن السابحات مثل اغصان...
تناول الشيخ إفطاره المعتاد، يتبلعه كيفما اتفق له، لبن وجبن وشطيرة خبز، يزدرد كوب الشاي وينكت الأرض بعصاه التي لا تفارقه، يرسم ألف وجه ليوم نترقبه من حديثه حين تنثال كلماته، يحلو له الحديث عن عالمه المنقوش في ذاكرته، أنصت إليه، حين تشرق الشمس تذوب كتلة البرد التي تخيم فوق منزلنا الحجري، نحن هنا...
بات يدير في عقله ألف فكرة، تتزاحم الصور في مخيلته لفتيات يتمايلن أنوثة، عيونهن تضج بسحر وإغراء عجز أن يقاومه؛ ينظر مرة إلى صورة وجهه في المرآة وقد دهمه قطار العمر الذي لا ينتظر أحدا؛ في بلاد تعاند الجمال وترسم بإبرة صدئة وجوها وأقنعة مستعارة؛ ترك الزمن بصمة تجاعيده التي لن تمحى؛ أدلة اتهامه...
يشرب الشاي في المقهى الذي يحتشد بالذين يعيشون على الهامش؛ يتصفح جريدة الصباح؛ لاجديد فيها؛ كاد أن يحفظ سطورها؛ لايمل من قراءة الإعلانات المبوبة لعل وعسى يجد وظيفة خالية؛ يحدق بعينيه في المارين؛ أمواج تغدو وتروح في شوارع مدينة لاتنام؛ امرأة تحمل أرغفة الخبز وتهرول كأن قطارا يوشك أن يفوتها؛ فناة...
ألجأتني الحاجة إلى المرحاض ليلا-أعتذر إليكم؛ فأنا بهذا الكلام أجرح ذوقكم العام؛ حاولت ألا أخبركم بتلك الحادثة التي عرضت لي، كان لابد لي من ذكرها؛ فأنا مصاب بخرف الحكي مما يجعلني أتكلم كثيرا، ربما في المستقبل يجد الأطباء علاجا لتلك الحالة؛ لكنهم الآن منشغلون في علاج فيروس كورونا القادم من بلاد...
جسد لا شبيه له، جئت إلى هذا العالم بعين واحدة؛ تلك إرادة الله، تخيلوا حين راجعت الطبيب في مرة سابقة- ولم أحاول بعد ذلك؛ تخشب جسدي- أخبرني أن العين الثانية مغطاة بنتوء عظمي ومن يومها ولم تعد بي حاجة إلى هذه الكتل من لحم وعظم؛ ﻻ تبين لي ملامح محددة، أشبه بكرة يتقاذفها الصبيان في حارة تسكنها أسراب...
في المدينة العتيقة تشخص عيون عسس في وجوه المارين، مكلفون بتفحص الإبل؛ يترصدون ألسنة الشعراء الذين تتخفى مفرداتهم في بخور عتيق يتماوج عطره عند أم المساكين حيث آخر أثر لموسى الذي يسري الحلم به في الخروج الكبير، حدث ما يتوقعه القوم؛ حين تتشابك خيوط الليل يترقبون هلال القمر، لا يحركون غير تلك...
يتناول الكثير من كتّاب التاريخ في يومنا الراهن مصطلح ”سراسين“ بشكل خاطئ ومؤذي لسرد التاريخ، وجميعهم يكرّر عبارة ويكيپيديا في أنّ أصل مصطلح سراسين اللاتيني في وصف المسلمين غامض وغير معروف. ثمّ يكرّر البعض الآخر ما شطح به خيال الأميركي من أصل فلسطيني ”عرفان شهيد“ (عرفان قعوار) في ربط تسمية...
هذا أوان التفرح بما كان من شأنها؛ تتساءلون وما حديثها ؟ هذه حكاية لم تدونها الكتب الصفراء في بطونها إذ تركوها للعجائز يتندرن بها ليالي الشتاء الطويلة حيث الريح تلطم خدود البيوت. المترفون في المدينة يسرقون منا الأحلام والواقع، لم يعد لنا ما نعيش عليه، حجزوا لأنفسهم ولصغارهم كل شيئ، تلك كانت...
في كل مرة أتخفى: بائع ملح أو حامل كتب وثالثة بهلول ورابعة أبو قتب؛ تخيلوا كل هذه أقنعة أخايل بها في مسيرة السرد الذي تلبسني في حكي متواصل، أرهقني الرمز وأعيتني الحيلة وماأزال ذلك المسكون بحرقة القلم في بلاد تسكن الزمن؛ نعم هي عتيقة رغم ذلك الطلاء الذي تصبغ به وجهها والجمة التي تضعها على رأسها؛...
في الكون أسرار أهل الطريق لديهم منها الكثير لا يبوحون بها إلا لمن خلصت نيته، يعرفونهم بسيماهم، يتناثرون في الوادي والدلتا عقود جمان، يمشون بها، يفكون بعض ألغازها، شيخ مبارك يجوب الحارة عند منتصف الليل، يطرق الأبواب الغافية وراء السكون، يمسك بمفتاح منقوش عليه " لا غالب إلا الله" مخطوط من جلد عنزة...

هذا الملف

نصوص
482
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى