أتسكع هذه الأيام في فضاء لاينتهي؛ ثمة أمكنة لما أحط بها خبرا؛ بنايات تعود إلى أزمنة سحيقة؛ سكنها أناس مثلنا وارتحلوا؛ يضرب الموت بمعاوله كل آونة؛ يمكث الحزن فترة ثم ينقضي؛ تخبرني أمي بحكايات عجيبة، عن صنف من البشر كانت لهم عيون تشبه حبات العنب؛ أنوفهم طويلة تقارب الشبر ونصف؛ أصابهم الصلع فتعكس...
الألوان الرمادية توحي بكثير من الملل، لم أستطع يوما أن أميز بين درجاتها، فيما مضى كان اللونين الأبيض والأسود هما ما أراه من عالمي المحيط، الآن ولجمال ذوقها صرت أتعرف على المزيد منها، هذا "تركوازي" وذاك "نيلي" ألوان "قوس قزح" السبعة تبدو رائعة فوق أشجار حديقتنا، وجب علي أن أرى الناس بتلك العين...
يتبادر إلى ذهن الكثيرين أنهما مترادفان يدل أحدهما على الآخر سيما وفي الأمر اتساع عند غير النقاد.
نعم السرد حكي ممزوج بملحة من تفرد تغني الأسلوب وتزين الكلام وتخايل به، فكل سارد يحكي وليس العكس؛ الحكي انطلاق قاطرة دون مراعاة لأنظمة السير، قد يهرف الحكاء ويأتى بما يود غير مأتلف أو مشذب فتشعر حين...
يحمد من المنازلات ما يكون بين أصحاب الأقلام من نقاش هاديء أحيانا وقد يثور فيذهب إعصارا في أحيان أخرى؛ سجال حول مفردة بانت عن موضعها فشردت أو ملحة إعرابية تأولها متأول على وجه آخر.
تلك صورة مصغرة لما يظن بأنه نقد، لكن الدوي ما كان من نقائض شعرية بين الفرزدق والأخطل وجرير، إنك واجد صخبا وحوارا...
علي أن أجمع أشيائي، فالموعد اقترب، عقارب الساعة في صراع مع الزمن، يمسك بأطراف ثيابي، عمر ولدي ياله من طفل وديع!
ينظر إلي كأنما يستحلفني ألا أرحل، الدموع من عينيها تنبيء بما يدور في مخيلتها.
الرحيل؟
هكذا هي، تستشرف الآتي ، تمعن في التقصي، فأدق الأمور تعلل أسبابها، يلتهم الغلاء كل شيء؛ يحتاج...
لاأزال ذلك الفتى الذي يبحث عن مواطن السرد وخفايا الحكي في عالم يمور إبداعا ويدفع بأكثر من اتجاه يتجاذب القاريء العربي؛ الوادي الخصيب بأهله وتياراته؛ في علاقة لن تنفصم عراها بحكم الجغرافيا والهوية؛ مما يعز في النفس أن نجهل أدب السودان الذي يغتني بحكايات وبسرد مغاير؛ كان أول ما تعرفنا منه شعر...
ما تزال العلاقة بين الشرق والغرب محورا هاما من تلك الجدلية؛ علاقة حربية وآونة اقتصادية لكن الأخطر فيها أن تكون فكرية تتخذ من الأدب إطارا لها.
تمثل الدراسات النقدية حول أدب الطيب صالح مجالا ثريا للتعمق في جذور الحياة السودانية وكشفا عن عوالم خفية لدي القاريء العربي الذي اعتاد القراءة لرواد آخرين...
كل شيء في هذه البلدة يوحي بالخرص؛ صمت ثقيل يطبق فوق أنفاسي؛ من بعيد يتناهي إلى مواء قط ونباح كلب؛ أغوص في الفراش؛ أتحين شروق الشمس؛ حين يأتي النهار تعاود الحياة مسيرتها؛ أسرع إلى هاتفي لألتمس خبرا جديدا؛ لاشيء، أدور في حجرتي وأبعثر أوراقي وأرتبها من جديد؛ أعلم أن الزمن لايتوقف؛ على الطرف الآخر...
لم تصلني إلا بعد فترة طويلة ، لقد كتبها وهو يودع كل أصحابه، لم يجد أحدا غيري يعهد إليه بأسراره، لم يشأ أن يغادر وكل هذه الأحمال على كتفه، أراد أن يتخفف منها، البوح كثيرا ما يخفف التعب النفسي، بل أحيانا يكون علاجا لآلام الجسد، أخبرتني أختي الكبرى : كان ثابت القلب، لكنه كان يمس جدران البيوت التى...
يبدو كائنا لزجا يضع أنفه في كل شيء، يتحاشاه كل من يتعامل معه؛ أطلقوا عليه الرجل الحرباء؛ تلك حقيقة حاول جاهدا ألا يعرفها أحد عنه؛ في الصباح يرتدي القناع المموه يقابل به زملاءه في العمل؛ يبتسم تلك الابتسامة اللزجة، بتبسط في الكلام ويتخفف من تلك الرتابة المنتشرة بين جدران العمل، يفتعل حوارا وراء...
يمثل لي الحكي كائنات عصية تتأبى بل هي جياد جامحات أعدو خلفها ولا أدركها؛ أتلمس طريقها فأتخفى عند منحنيات الطريق علني أمسك بعنانها، مرة وراء أخرى تلوذ بالهرب؛ أشرع سنان قلمي مسجلا ما قد يتبادر إلى عقلي من تلك الخواطر.
أتذكر القلم الرصاص الذي اشتراه لي أبي؛ بثلاثة قروش وحقيبتي الممتلئة بكتب...
ترى من يذرع الآن أرصفة القطارات جيئة وذهابا؟
فسباق المسافات الطويلة يعجز الجياد التي ضرب التخشب سيقانها،
في زمن مضى كنت أحد هؤلاء الذين لفظتهم الأمكنة العطنة إنها تعادي البشر والحجر؛ يتلمس مكانا آخر ويبحث عن بلاد أخرى؛ يجري وراء القطار الذي لايأبه بالراحلين؛ آلة نثير الصخب والزعيق؛ في دسوق كل...
دسوق لاتنام!
ترى من يذرع الآن أرصفة القطارات جيئة وذهابا؟
- فسباق المسافات الطويلة يعجز الجياد التي ضرب التخشب سيقانها،
في زمن مضى كنت أحد هؤلاء الذين لفظتهم الأمكنة العطنة إنها تعادي البشر والحجر؛ يتلمس مكانا آخر ويبحث عن بلاد أخرى؛ يجري وراء القطار الذي لايأبه بالراحلين؛ آلة نثير الصخب...
حين تسامع الناس بما حدث في بلاد العالم الآخر، انعقد في كفرنا الغافي وسط الدلتا مزاد غريب من نوعه؛ جاءت كل واحدة من النسوة بما لديها؛ تلك بثلاث بطات وأخرى بعنزة وثالثة ساقت خلفها قردا يتراقص؛ في السابعة مساء تجمع الرجال يتابهون أيهم سيكسب الرهان؟ إنهم لايدرون عما حدث غير أن المحمر ترامب يصارع...
ثمة أخبار تواتيني بها السموات المفتوحة وعبر أثير الإذاعات، أن النهر الذي كان منبع الحكايات صار غاضبا؛ أصابه هياج بل يقال إنه أخرج ماءه ليغرق الوادي من حوله، اختلط الجن بالبشر حتى صار الحجر بعيدا، رأيت طفلا يحمله أبوه خشية أن تغرق تلك العيون الغضة، أياد تتحرك طالبة النجاة، النهر ثائر والبشر...