د. سيد شعبان - بهية.. قصة قصيرة

علي أن أجمع أشيائي، فالموعد اقترب، عقارب الساعة في صراع مع الزمن، يمسك بأطراف ثيابي، عمر ولدي ياله من طفل وديع!
ينظر إلي كأنما يستحلفني ألا أرحل، الدموع من عينيها تنبيء بما يدور في مخيلتها.
الرحيل؟
هكذا هي، تستشرف الآتي ، تمعن في التقصي، فأدق الأمور تعلل أسبابها، يلتهم الغلاء كل شيء؛ يحتاج الصغار الطعام والدفء؛ يغتال الشتاء أعمارنا.
هل آن لك أن تهجرنا؟
تلك هي الكلمة التى فاهت بها، من غيرها يقدر أن يأتي بتلك الآلام التى ظهرت في صوتها؟
وجب يا عزيزتي أن أدرك الطائرة
من يطعم تلك الفراخ؟
بادرتني وهل ستكون مثل طائر لا يرجو لعشه البقاء؟
- الغربان تحوم حولنا.
ألا يكفي أن تقيد زمنا ثم بعد تودع مثل ظل شمس الشتاء؟!
القطار يوشك أن يدخل المحطة ، تحيرت بين الأمرين، آه لو شفيت من ذلك القهر، كنت سأبقى معكم تحت سماء تظللنا، ولربما التقينا دموعا وشجى، لكن الفقر وليد القهر، هكذا حدثتني نفسي، في برهة تساءلت وهل سكون الغربة غير سجن أكثر إتساعا؟!
تصارعت الأفكار، آن أن أضع حدا لذلك القلق، علي أن أحزم أمري، هنا الأهل والوطن ، آه من تلك المفردة الأخيرة، ليتني ولدت بلا هوية ، بل لقد حسدت ذلك العامل الذي ينظف الشارع أمام بيتنا، كل صباح يترنم بحب "بهية" لا حديث لها غير جمال عينيها، وافترار ثغرها، حدثتني أنه رجل عاشق، يجيد صياغة الكلمات، أخبرتني أن أكثر مني تعبيرا، اقترب من لغة القلوب، رغم فقره، وبزته الصفراء، التى تشبه صفرة الموتى، ويده التى هي مثل أعواد القش المهترئة، لكنه يعطي لبهية ألف وجه للجمال، انتبهت لتلك الصورة التى عاودت ذاكرتي، الكناس وبهية، يا لها من مفارقة عجيبة، لم أنتبه أنه أكثر مني فهما، بل وأدق تعبيرا، يومها سألت عن زوجته هل حقا اسمها بهية؟
لقد أصابتني الدهشة، لم يتزوج بعد، ربما تكون حبيبته بهذا الاسم؟
قيل لي إنه درس الحب في الميدان، كان جنديا ، لكنهم أبعدوه ، كان يشدو ببهية مع مطلع الشمس، وساعة المغرب، قيل إنه مصاب بلوثة بهية!
تراني أقل منه؟
القطار يصدر صافرة القدوم، ما عادت غير ثوان معدودات، بعدها أشير لهما من النافذة ملوحا بشارة الوداع، كم أكره هذه المفردة، إنها مثل غول يجثم على صدري، الكثيرون غادروا جبرا، تركوا في قلبي حرقة، أيامهم معي صارت نهبا للوساوس، حتى الذاكرة تتأبى علي، تصر دائما أن تبقى معطلة، لم يعد لي منهم غير أطياف، مجرد شخوص تمثل ساعة التصبر.
عمر يصر أن يأتي معي، قبل أمه، ظن أنني لن أتركه.
أمسكت بي: ولأنها حازمة في مثل هذه المواقف، جذبت إليها أشيائي، علا نشيجها اختلطت دموعها بصوتها.
- ارحل !
- كفاك وكفانا ألما؛ غادر قبل أن تكون لنا ذكرى!
قدماي أصابهما العطب، ما عادتا تقويان على الحركة، كيف لي أن أتحمل هذا؟
إنني إنسان له قلب، ليغادر القطار، مايزال هناك موعد لم يحن بعده الرحيل، هكذا أجبتها.
البيت يلوح لي أكثر بهاء، إنها والدموع على خديها مثل وردة ابتلت بفعل قطرات الندى، لم لا أكون مثل حبيب بهية، ثم ماذا ؟
هل عجزت أن أكون مثله؛ ينظف وجه بهية؟
ابتسمت في سرور بالغ ، لقد آن !


1607422530208.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى