لا أدري لم غاب النوم عني هذه الليلة؟
تزاحمت الأفكار في رأسي كأنما هي صراع مجهد، يتناوب عامل التذاكر في حافلة النقل العام في ثمانينيات القرن الماضي،فأنا بحق ممن أدركوا قرنين من الزمان، يبدو أن لدي من المشاهد ما يجعلني أتمتع بنكهة السرد،هذه الليلة أدركني بعض القلق على الحديقة، أعمل في النهار معلما...
لم أجد في حياتي لعبة إلا تلك الحيلة من التخفي وراء الدلالات واختلاق تلك الحكايات ؛ بعضها من عالمي وكثير منها نسجه خيالي؛ أمسك بالقلم فأصوغها؛ في مرة قال لي يوسف ابن أخي جادو: عمي أنت حكواتي بارع!
انتبهت لمقالته التي أدهشتني؛ كيف له أن يربط بين الحكي والبراعة؟
ابتسمت له؛ انتبهت لكلمة ألقى بها وفر...
يبدو أن الحكي سيصاب بضعف الذاكرة؛ ذلك أن الراوي العليم قد ارتحل إلى الجهة الأخرى من ذلك العالم، تدثر بثوبه الأبيض؛ أشار بيديه إلى كل ذريته؛ جمعهم وأفضى إليهم بنظرات الوداع، أوصاهم بالحب؛ ترك البيت الكبير مطمئنا أنه أدى رسالته، في نسك الأولياء أتم شعيرة الصلاة؛ حوله الأطفال يتلون الآيات؛ أي قلب...
حينما كنت آتي القرية أجده يبيع الملوحة، لكنه وهب بسطة الأمل ، كل مرة يبيع البسمة مقترنة بتلك الأسماك التى اختزنها ليسترزق من ثمنها، الصبر ما أجمله من زاد!
كلمات لم أكن أدري معناها حتى غاب عمي مسعود وراء الصمت المطبق داخل المقبرة العميقة، زوجته امتهنت حرفته، تعطي بعض الليمون ممتزجا ببسمة طيبة،...
تحت هذا الركام من برد شناء يضرب البيت في غير توقف، كل الحجرات موصدة، الصغار ينامون في تلاحم كانما هم أعمدة خرسانية مائلة مشى الزمن فيها بمعاوله، اختبأ ديك الدجاج الذي ظل طوال الصيف يصيح بندائه طوال الليل، تارة يؤذن للصلاة، وأخرى يغازل الإناث القابعات في القن، لقد فقدت الحياة خارج البيت دفقها،...
تعد خاصية الانزياح في الشعر خاصة من أشهر الظواهر التي ارتكزت عليها الأسلوبية، ولن أتوقف كثيرا مع تعريفات الأسلوبيين، فليس هذا هو المقام الأمثل، والذي قصدوه بالانزياح يتمثل في خروج الأديب عن المألوف من تراكيب وأساليب اللغة، وبالطبع تنزاح الدلالة، ومن هنا يتولد الفن وتنتج المتعة، فعمدة الأمر أن...
د. سيد شعبان ، يلقي بنا في دوامة السرد العجيب المعجب ، وجبة دسمة من الموروث الديني والاجتماعي قدمها الكاتب في أسلوب بديع ، يضرب بجذوره في أعماق الفصاحة ؛ بيد أنه قريب جدا من فهم العامة دون السقوط في لغتهم الدارجة ، وهذا ما يميز أسلوبه عن غيره ؛ فللرجل معجم لغوي خاص يعرفه كل من يطالع قصصه تعرفه...
سرت في مدينتنا شائعة لم يعرف مصدرها، تناقلها الناس في لهفة، لقد وصلت إلى الأطراف في ساعات معدودة، يبدو أن أمرا ما يصعب تفسيره يلوح في السماء، كل آونة يتناقل الوشاة خبرا، لم يحدث مثل هذا من قبل، لعل جهة ما يسرها هذا؛ ثمة أقاويل ظهرت مؤخرا عن نملة تسكن بناية -في الواقع لم أعر انتباها لكل هذا حتى...
لقد مضى العمر ولم أتحصل على الأشياء التي تترامى إلى أذني من خلال أثير الإذاعة، لوحات الإعلانات تتحدث عن رغبات دفينة، كل هذه الأشياء تنتمي إلى عصر لا يعرفني بل إن حدث يلفظني كما فعل بآخرين لم تدون أسماؤهم إﻻ في أوراق الوفيات الصفراء، أحقا هناك بحر ونحن نغرق فيه، والناجي هو من امتطى ظهر الموجة ؟...
لا أدري سببا لذهاب النوم من عيني هذه الليلة ، أتيت بكل أيات الاستعاذة ، توضأت ، صليت ، ما أراني إلا مقبلا على حالة مرض أعرفها ، تعاودني كلما جاء ذكره ، أ بي مس من جنون ؟
نفس قلقلة وحالة من الوسواس القهري ، هو يتمثل لي في خيالي كأنما يمسك بكتاب " أصفر " إشارات ما أعرف كيف أفك طلاسمها ، القلق...
في هذه اللحظة تبدل كل شيء، صار المعتاد محالا، إنه يرى وجها آخر طالما كان يجده معه، إنها الدائرة تتسع تجمع أخلاطا من كل ناحية، ماذا حدث؟
هل كان زيفا ما عاش له؟
تنكرت له الوجوه، نأت بجانبها النفوس، في زمن العتمة تفقد الاتجاهات بوصلتها، يغدو العالم أشبه برجل فقد ذاكرته.
تذكر الوصايا التي ملت شفاه...
بالفعل كان حبا في زمن الكوليرا؛ أمضيت مائة عام في متاهة الجنرال معصوب العينين، سألت نفسي أكثر من مرة لم لا ينتهي موسم هذا الحب؛ للمطر سحاب يتتابع؛ والخريف موعد تتساقط فيه الأوراق، أما أنا ففي تلك المدينة أسعى، أفقد كل يوم أحد أصدقائي؛ بت وحيدا في كل شيء؛ أعاني العزلة ويقتلني الاغتراب؛ رغم كل هذه...
ما عدت أستقر على لقب؛ فكل الصفات المحببة إلى نفسي والتى امتلأ بها معجمي تتداعى إلي، كم أنا فقير في السرد!
لاضير فقد دارت الحياة بي مثل حجر في طاحونة عملاقة تربض جوار بيتهم، كان قطار الدلتا يتوقف هو الآخر عند جنة النخيل التى تحوط هذا البيت الرابض فوق تلة جادو تلك التى صعدها درويش بالناعسة حيث سلم...
خرج من بيته والدنيا أشبه بحبل يلتف حول رقبته، يضغط على صدره هم ثقيل ،نظر في وجوه ركاب الحافلة، كل واحد منهم يعيش في عالمه؛ عيونهم تتحرك كما لو كانت تنظر إلى شيء ما، الرتابة تستبد بهم، يترك غبار الحافلة أثره على وجوه المارين، تبدو في حالة من العبث، علها أشبه بمدبنة خرجت لتوها من تحت أنقاض زلزال...
سألني -والهم يكاد أن يقتله، الدمع يسبق كلماته، شفتاه تتحركان فتتداخل الأصوات كأنما هناك عدو يرقبه، ينظر في كل ناحية، القلق يستبد به- أي حرية تلك؟
المدن صارت أثرا بعد عين، إنها أشبه بخرابات تجري وتلعب فيها الجرذان، لقد أحرق نيرون روما وجلس يعزف على أوتار عوده ويشرب خمرا حتى الثمالة!
انظر هؤلاء...