أ. عمرو الزيات - قراءة في دوامة النملة

د. سيد شعبان ، يلقي بنا في دوامة السرد العجيب المعجب ، وجبة دسمة من الموروث الديني والاجتماعي قدمها الكاتب في أسلوب بديع ، يضرب بجذوره في أعماق الفصاحة ؛ بيد أنه قريب جدا من فهم العامة دون السقوط في لغتهم الدارجة ، وهذا ما يميز أسلوبه عن غيره ؛ فللرجل معجم لغوي خاص يعرفه كل من يطالع قصصه تعرفه العين والأذن ، شأنه في ذلك شأن عظماء العربية مثل العقاد والمازني والرافعي والزيات ... وغيرهم ممن يعرف القارئ أسلوبهم حين تقع عليه عينه ، أو تسمعه أذنه .
قصة ( دوامة النملة ) تلخص طبيعة القرية في أجل صورها ، حيث الحكايات التي تنتشر سريعا ، وتكثر الأقاويل حولها والتفسيرات ، إنها القرية بفقرها الذي صوره الكاتب بـــ ( الرحى ) في قسوته وطحنه ، وهي أيضا من موروث البيئة الريفية الفقيرة .
من آيات الجمال في القصة – أي قصة – أن يختار كاتبها عنوانا معبرا ، وجاء العنوان كما أراد كاتبا ترجمانا للقصة ومعالمها ، ( دوامة النملة ) الدوامة توحي بحيرة أهل القرية ، وسرعة دوران الأخبار بها ، وتناقل الناس لتلك الأخبار ، ومعلوم أن الخبر – في القرية – يبدأ صغيرا ، ثم ينمو ويكبر ويزداد ، وتختلف روايته من أحدهم للآخر ، وقد عبر صديقنا عن ذلك في براعة ، ثم إذا أضيفت ( النملة ) إلي ( دوامة ) فذلك موضوع آخر ، ينقلك - أيها القارئ – إلى عالم من الامتزاج بالقصة ومعايشتها ؛ محاولا الكشف عن تلك النملة ، وعن الدوامة ، وهذا سر اختيار الكاتب لذلك العنوان والموضوع .
ثمة سمة لكاتبنا تتعلق بالخيال واختيار الصور ، والتي تعتبر – في رأينا – أداة سحرية يعتمد عليه الكاتب في التعبير عما يريد دون أن يتحدث كثيرا ؛ فهو يعلم أن كثرة الوصف يغلق الأبواب أمام القارئ ، ويمنعه من التحليق في سماءات رحيبة مع الكاتب كما ينبغي ؛ لذلك يتكأ الكاتب على التصوير ، ويترك لنا مهمة استنتاج ما يوحي به ، على سبيل المثال لا الحصر تلك الصورة البديعة:( الفقر الذي يرتدون سراويله الممزقة )
فقد عبر الكاتب عن البيئة التي مزق الفقر حياتها قبل أن يمزق سراويل أهلها التي تستر عورتهم ، ويا لها من حالة تمزق القلوب تمزيقا ، ويشعر الإنسان وهو يتخيل أهل تلك القرية بمشاعر يمتزج فيها الحزن بالعجب ، فتنهمر دموعه لهؤلاء الفقراء ، ويحاول المرء أن يمد لهم يد المساعدة .
والقصة – كما عودنا الأمير – لا تخلو من الرمز من بدايتها إلى نهايتها ؛ ولصاحبنا مقدرة على استخدامه سبق أن أشرنا إليها غير مرة ، وفي غير قصة ، ولعله هنا أكثر وضوحا وتنوعا .


1609050300690.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى