د. سيد شعبان - نيرون يبني روما!

سألني -والهم يكاد أن يقتله، الدمع يسبق كلماته، شفتاه تتحركان فتتداخل الأصوات كأنما هناك عدو يرقبه، ينظر في كل ناحية، القلق يستبد به- أي حرية تلك؟
المدن صارت أثرا بعد عين، إنها أشبه بخرابات تجري وتلعب فيها الجرذان، لقد أحرق نيرون روما وجلس يعزف على أوتار عوده ويشرب خمرا حتى الثمالة!
انظر هؤلاء الجوعى، الأطفال بلا قدمين، تلك طفلة تمسك بدميتها، أخرى تختبأ داخل إطار السيارة، لقد هذأ بنا العالم، تحجرت القلوب، لقد أحرقنا بلادنا، ضيعنا الحلم الوردي، يا سيدي نحن عبيد لمن غلب!
استدرت أتلفت، وأنا مثلك مهموم، الألم يعتصرني، لقد أخلفت موعدها معي، ينفطر قلبي ألا تأتي؟
يا لوضاءة وجهها، ولحمرة خدها، ومياسة قدها!
أصابه الذهول من ردي، نظر في وجهي محملقا، بانت الحيرة عليه، تساءل : أنت هو؟
أعرفه جيدا، لقد كان -وما يزال- لاقط أذن، موهن عزيمة، لكم أحتقره ، يصنع من الوجع مشروبه اليومي، كاذب حتى في كذبه، حين غادر بصقت على أثره،يا للأسى، يجعلون من الخراب وسيلة تشف!
الآن بدأت ألوك الحكاية القديمة، اليمامة والثعلب، كلما نظرت أعلى شجرة الجميز التى تربض جوار سور البيت الخارجي مثل حارس ليل عتيق،تقف شامخة ولكن في بعض حنو تعطى ثمارا شهية، الثعلب صنع وقاره ؛ ارتدى معطفا أبيض،أمسك بالورقة والقلم، رسم فوق جذع الشجرة حبات القمح، نثر بعض الورود، أعد أريكة، ظل يمني نفسه باليمامة، الجوع مخادع، والهوى غالب، إنه يصدر صفيرا يتماوج بالقلب، انخدعت البلهاء، طارت ، حامت حول الجذع، أوشكت أن تقترب، الثعلب سال لعابه ، جمح به الخيال ، ظن نفسه يهيم أعالي الشجرة، من بعيد كان النسر برقبهما، هل يعقل أن يضيع الصيد؟
من بعيد تحركت بوارجه، المياه الدافئة تصلح لليالي الشتاء، تحرك مثل قيصر، ألقى براجمة سملت عين الثعلب، لله ما أتعسه!
وهل بقى لليمامة حبات قمح!
لقد أنبتت رؤوس الشياطين أشجارها، مدن ملح غاض ماؤها ، السوس نخر كل العروش، البطون المنتفخة ترتع فيها الديدان، ليالي الشهوة والعربدة انقطعت عنها مياه الطهر، لقد منعت السماء القطر، من بعيد ، جاء بعرجته، له عين واحدة، ثوبه أكل الدهر عليه وشرب، عاود سؤاله: متى القيامة؟
أشرت إليه العيد في تل أبيب، دبي ستضيء أكبر شجرة "كريسماس" العمائم السوداء ستطوف بالبيت، الأجراس ستدق لمن يراقص الموناليزا في ساحة القديس، اللعنة لمن يقترب من البيت، لن تقربه العمائم السوداء، النفط أجل!
ولمن تقرع الأجراس؟
المجد للخصر وليس للقلم، المغنى يتماوج مع دم اليمامة التى استباحه القيصر، الليل تأوهات وعربدة، لا ضير فهناك من يعطي ألف مبرر، كل الطرق تؤدي إلى بوابة نيرون، وهناك باب زويلة تتدلى منه الحبال، بوابة المتولي موصدة، يكفى أن يكون باب الفتوح مشرعا؛ لتدخل منه القيان!
لم يمت الشريف ، عاش ممجدا، كل الجند يقودها لورنس، لقد اقتربت "زفتى من ميت غمر"
الحكاية أنني اصبت بالحمى، لقد احترق عقلي، صرت الآن مصابا بالخرف، لن أخاف منه، في المرة القادمة سأخبره أنني استرددت وعلي، سأتبعه، ولربما أكون هو، المجد له ، السعادة ترفل في ثوبه.
يا لوضاءة وجهها ، ثوبها تحركه الريح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى