د. سيد شعبان - الشارد في الزمن

في هذه اللحظة تبدل كل شيء، صار المعتاد محالا، إنه يرى وجها آخر طالما كان يجده معه، إنها الدائرة تتسع تجمع أخلاطا من كل ناحية، ماذا حدث؟
هل كان زيفا ما عاش له؟
تنكرت له الوجوه، نأت بجانبها النفوس، في زمن العتمة تفقد الاتجاهات بوصلتها، يغدو العالم أشبه برجل فقد ذاكرته.
تذكر الوصايا التي ملت شفاه حجرية من لوكها، ارتد إلى ذاته الهاربة منه دائما حيث التماهي في الآخر، يؤلمه ذلك الشعور بالذوبان في أتون النسيان.رزح تحت ثقل أوهام سعادة منقوصة فرضت عليه، مثل بائع العاديات لا يأبه بقيمة الزمن رغم أنه يعتاش على الندرة، الوهم سلسلة متصلة الحلقات، تبتعد الظنون ويتبقى شوكها، ليته أمسك بعقارب الساعة المصنوعة من شرايينه.
بدأ يفك نسج أحلامه المؤجلة، لقد غدت باهتة، الاحتياج والفقر يقتلان معاني الانتماء، إنه جائع لا تشبعه الأمانى، إنها ظنون تبيض وجوه وحوش الظلام ومن ثم تختال في شرنقة ذواتهم المنطوية.
يحتفي الناس بمن يملأ الدنيا صخبا، تعاطى الصمت تكأة؛ ففي التداوي به دواء لآلام مزمنة وجب أوان شفائها، الصغار يتعلقون بأثواب أمهاتهم عوض الضياع في سراديب الزمن، أما الآباء فيبسطون أياديهم لنتقي بها، تحفل كل المعالم بمن يزين واجهة أبوابها، الآن تبتسم الحوائط بالألوان المزركشة.
دبت فيه رغائب تناوش في لهفة؛ فبقية العمر تشرع في لحظة النهاية، شمس الشتاء يتيمة لا ظل لها، أندى الآمال ما كان حلم الصبا، بعث وراء الفجر ألف خيط قرمزي، ارتد حسيرا ومن ثم لاذ بالهرب في متاهة زمن معوج، كل الحوائط تميل إذ ضربها الوجع، أما هو فهيهات يمسك روحه أن تذرف نبضها حدادا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى