د. سيد شعبان - خريف الجرو

كل شيء في هذه البلدة يوحي بالخرص؛ صمت ثقيل يطبق فوق أنفاسي؛ من بعيد يتناهي إلى مواء قط ونباح كلب؛ أغوص في الفراش؛ أتحين شروق الشمس؛ حين يأتي النهار تعاود الحياة مسيرتها؛ أسرع إلى هاتفي لألتمس خبرا جديدا؛ لاشيء، أدور في حجرتي وأبعثر أوراقي وأرتبها من جديد؛ أعلم أن الزمن لايتوقف؛ على الطرف الآخر من العالم صخب وهياج؛ لادخل لي بكل هذا؛ إنهم يتعاركون على من يأكلنا؟
يملؤني شعور بالغثيان من ذلك العالم الذي يحيط بي؛ يبدو أن شيطانا يسكن في التفاصيل؛ في كل خبر تكمن خفايا كثيرة.
يزحف الشتاء في غير رحمة؛ تساقطت أوراق الأشجار في خريف باهت مثل طعام الليل الفائت توالدت فيها" بكتريا التخمر" لكن أمي كانت تخادعلنا- من فقر- فتوقد تحتها نارا.
تعتصر فوقها حبة ليمون صفراء.
في الليلة الماضية تداخلت الأحلام؛ فأر أسود يرتدي ثوب أنثى ويتراقص به فوق رأسي؛ منظره مخيف لدرجة أنني أمسكت بالعصا وحاولت أن أضربه بها؛ للأسف الفئران تدور عيونها في حركة دائرية أو هكذا اعتقدت.
في أثناء ذلك سمعت طرقا على باب البيت الخارجي؛ صوت واهن يسري في هدوء الليل.
من ثقب بالباب رأيتها تتبعه، امراة ناشرة شعرها؛ دهنت وجهها بأصباغ عدة؛ عيناها تبرزان كأنها فرت من هول معركة؛ انتبهت لاشيء هنا يثير الحياة.
جاءنا جرو نأتنس به، يبدو أنه يتيم؛ فلو كانت أمه على قيد الحياة ما تركته نهبا ليد الزمن تفعل به ما تشاء؛ هكذا فعلت أمي معي- أنا وأخي- دارت دموعها عنا أخفت أحزانها حين ارتحل أبي إلى ربه مسافرا في رحلة يكون نهاية طريقها يوم القيامة.
كثيرة هي الكلاب التي خرجت عن طوق الطاعة؛ تمردت وصارت تنبح علي، سأعتني به؛ ألقنه قواعد الأدب، حتى يتبعني علي أن أعوده الجوع، فما عاد سمن ولاشحم ليملأ بطنه.
ترى هل سيأتي كما الفأر في ثنايا الحلم؟
أي ثوب سينتقي من الخزانة؟
اعتدت في ليلة العيد أن أنظف ملابسي؛ ألملم شعثها وأصلح ما تهرأ منها.
لم أعتد شراء الجديد؛ راتبي يتضاءل كل عام؛ يلتهم التضخم كل شيء؛ لن أحدثكم عما حدث لي؛ أردت شراء قطعة ذهبية لأقدمها إلى الفتاة التي اختارتها لي أمي؛ كل شيء لابد أن يمر من بين يديها؛ غير معقول أن أتزوج تلك الفاتنة والتي لم أر وجهها حتى الآن؛ لابد أن أهبها ذهبا وبضعة ثياب جديدة؛ ثم يأتي مولانا ويسجل ذلك في كتابه المبارك.
دارت أصابع يدي في سيالة جلبابي الذي لم يعرف غير الهواء سكنا، عثرت على كسرة خبز وحبات من فول؛ يبدو أن الفأر الذي زارني في الحلم جعلها مخزنا له، أو لعله يشتهي أن يرى فتاتي؛ تبعني الجرو الذي قطعت أمي ذيله؛ أخبرتني حين فعلت ذلك: كان أبوك يحرص أن يجعله شرسا لا يطعمه ليلا؛ حتى لاتمتليء بطنه فينام ومن ثم تعدو الثعالب على حظيرة الدجاج.
سبقني ذلك الجرو ليشهد ذلك العشاء المعد؛ مؤكد أنه سيحظى بعظم وافر، تجمعت القطط السمان.
حدث ما لم أكن أتخيله: لقد سبقني ذلك الفأر وطلب يد فتاتي؛ واعدها خزانة قمح وعددا لابأس به من الثياب القرمزية؛ أمهرها إسورة من ذهب كان قد اقتنصها من يد ابنة ترامب؛ هذا أمر يثير شهية القاريء؛ لقد بدأ يهذي؛ رغم أن إيفانكا تمتلك خصرا رائعا؛ استلبت بعينيها آبار النفط؛ على أية حال ما عاد أحد يحفل به ولا بابنته؛ إنه خريف مذهل سيشهد حفلات راقصة؛ انتبهت على صوت الديك ذي العرف الأحمر يؤذن لصلاة الفجر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى