د. سيد شعبان

يعتبر البعض الإمساك بالقلم هواية أو ترفا لهؤلاء الذين يعيشون في أودية الفراغ، لايدرون أن السرد مشقة إذ هو انتماء بالحرف وشغف بالحياة أن تكون أجمل، ولايعني هذا إلا أن تكون الصورة التي ترسمها بريشتك تحمل توقيعك، لاأحد يجبرك أن تكتب، وإلا كان قرار إدانة وأداة اتهام، جمال السرد أن يأتي دون تفعل أو...
جاءت القطة -بعد غياب قارب ثلاثة أشهر- يجري وراءها ولداها؛ إنهما يثيران دهشة لا تقاوم، أي جمال يحوطهما! صغير به صفرة تختلط ببباض، والأخرى خضراء كأنما هي صبغت بربيع الأرض! حين اختفت كل هذه المدة تسللت الفئران إلى بيتنا؛ تترك فوضى في كل مكان، كانت أمي تتساءل أي بئر ألقيت فيه؟ تتهم الكلب الأحمر بأنه...
تلك الحكاية لم تسمعوا بها من قبل، ربما لم يحن بعد أوانها أو لعل الساحر الذي جاء قريتنا لم يترك لأحد مفتاح السر لهؤلاء الذين ابتلوا بضعف الذاكرة جراء العيش في أبنية عتيقة تاهت عنها الشمس، على أية حال حين نمت مبكرا كان الليل كافيا لكي تتسرب الحكاية إلى فراشي الذي تكدست فوقه أغطية الشتاء، مثل لي...
ربما ينال مقالي من الاعتراض ما لا قبل له به؛ لكن الكاتب وقد اعتاد مخالفة الشائع وسلك في مذهبه النقدي وجهة الصواب التي قد لاتروق للكثيرين؛ ولما كان معرض الكتاب على الأبواب فهي سوق لهذه الكتابات المتراصة على أرفف دور العرض والتي تجذب الفتيان وتستحوذ على الأضواء في مهرجان عرس الثقافة العربية؛...
نازعتني نفسي النوم مبكرا،تلك عادتي التي تلازمني منذ دبت قدمي على هذه الأرض،أحيانا تبرز لي في منامي خيالات وأهوال،أجساد بلا ملامح محددة،رجال بأجنحة،نساء مقطعة الأثداء،أطفال لهم لحى،بقرة تحمل عنزة،إنها صور عجيبة،جهدت أن أفهم منها شيئا. هذه الليلة على أية حال أسلمت وجههي لله،أغلقت النوافذ،أوصدت...
قال لي ذات يوم: لم تفلح في شيء إلا في هذه الحكايات؛ تخيط منها ثيابا للدراويش ، ترسم لوحة لعالم يقبع في خيالك؛ حذار ياولدي أن تمس عتبة مولانا السلطان؛ سيفه باتر وسجنه مغارة في جوف الجبل؛ حذار أن تخرج من الباب الذي يتحدث عنه الخرس؛ يومها لم أع ذلك؛ ومتى يأتي ذلك الطائر الذي يخوفني منه؟ وهل سيتكلم...
حين فتحت التلفاز وجدتها مضرجة في دمها؛ انتابتني الشكوك: هل هي؟ تعلن القناة النبأ العاجل! في الزاوية أعلى الشاشة شريط أسود! دارت بي الأرض؛ أمس كانت تكشف زيف المحتل، كما الغربان تطارد أفراخ الحمام؛ بل قل قمر أربعة عشر؛ في الحقيقة أجدها فارسة تصول في الميدان لا تمتلك غير لسانها والقلم الرصاص؛...
البعد يورث في القلب جفاء وفي العقل مسارب للنسيان، اتسع الجرح وابتعد الأهل، إنه الزمن يفعل ما يحلو له، تاهت الحكايات في زحمة الحياة المغلفة بالأنين والوجع، جاءت النهاية مبكرا، لقد صارت الأشياء معكوسة، انفلت عقال النساء، شاخت ظهور الرجال، كأن القيامة على بعد خطوة، حاولت مرارا أن أكتب عن الأحلام...
يربض في مغارة تحفها أشجار كثيفة، يخرج منتصف الليل عند الدقيقة العاشرة؛ يفتح كتابا أصفر بليت حواشيه؛ يمسك بسبع حصوات ويتمتم بكلمات غريبة؛ يلقي بها في النهر؛ يدفع الموج بسمكة لا رأس لها، عند الضفة الأخرى عنزة مشقوقة الأذن اليسرى؛ قطة خضراء أعلى النخلة العجوز؛ تأتيه السمكة التي بلا رأس فيمد يده في...
كعادته نام مبكرا؛ فالشتاء يستدعى الخمول؛ يحتاج الطعام والحساء ينفث دخانه فتستدفيء منه بطون الجوعى، كل هذا صعب في زمن الحروب حيث الأسواق تعاني الكساد والباعة يمنعهم المطر من أن يفترشوا الأرض. توسد ذراعه وحاول أن يغمض عينيه، تتابعت مشاهد من حياته مثل شريط سينمائي تعرضه قناة الذكريات، تدوي الريح...
يكتفي بقطعة جبن قديمة ونصف رغيف مقدد، لا يمد رجليه في الظل، تركته حين ضربه خريف العمر، هكذا الأشجار تموت واقفة، دمعت عيناه وابيضت من الحزن، يغلق عليه باب حجرته الطينية، الفقر معرة، والسؤال مذلة! مضت أيامه التى كانت ربيعا، تخيلوا كان يمتص ضرع البقرة صباحا ومساء، لقد صار وجهه أحمر، أمي كانت تقول...
ركب سيدنا حمارته المباركة؛ كل ما مسه تحل عليه فيوضات الرحمن؛ إذ هو وليه صاحب السر الخفي، طاف ببلاد الله؛ يقابل الدراويش في موالد آل البيت، يسكنون البر في تناسق عجيب، سيدي عبدالرحيم القنائي، البدوي ومولانا الحسين والطاهرة أم هاشم وسيدنا الدسوقي، عقد من در تنتظم حباته، يطول به السير أياما وليالي...
التخفي وراء الأبواب المغلقة لن يجلب النور للعينين،تلك حكمة قرأها لأحد حكماء ما وراء النهر الذي يفيض عسلا والذي ينبع من تلك الجبال البعيدة. من يومها بدأ يشتري أغراضه من هؤلاء المارين على الأبواب،أجسادهم النحيفة،عيونهم التى تشبه حبات البازلاء، حتى نساؤهم وشعرهن المنسدل خيوطا سوداء؛ لكنها فيما بعد...
المتابع لكتابات الدكتور سيد شعبان الإبداعية يلحظ فورا وبغير عناء لغة أصيلة ، وعبارات متينة ، ومفردات عجيبة فى مقالاته وفى قصصه القصيرة على حد سواء ، وقد اختط أديبنا لنفسه فى كتابة القصة القصيرة خطا سرديا متفردا لم يأت من فراغ إنما هو نتاج موهبة فطرية تعمقت وتأصلت بالدراسة المتخصصة والقراءة...
حين كنت ذلك الشاب الذي امتلأ قوة؛ اتسعت أحلامي حتى رأيتني أعدو خلف القطار ومن ثم أدركه، ينظر إلي متعجبا السائق؛ مشجعا لي على ذلك يتغافل محصل التذاكر، ومن ثم أشعر أن الفتيات قد انبهرن بي! حالما بأن واحدة أو أكثر سترسل إلي بنظرات إعجاب؛ في إحدى المرات نفذت جنيهاتي؛ فأنا لا أمتلك حافظة...

هذا الملف

نصوص
499
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى