د. سيد شعبان - الإسكافي في دسوق!

حين كنت ذلك الشاب الذي امتلأ قوة؛ اتسعت أحلامي حتى رأيتني أعدو خلف القطار ومن ثم أدركه، ينظر إلي متعجبا السائق؛ مشجعا لي على ذلك يتغافل محصل التذاكر، ومن ثم أشعر أن الفتيات قد انبهرن بي!
حالما بأن واحدة أو أكثر سترسل إلي بنظرات إعجاب؛ في إحدى المرات نفذت جنيهاتي؛ فأنا لا أمتلك حافظة نقود-ولعل هذا استمر رغم أنني تجاوزت منتصف القرن- كثيرا ما تساءلت عن جدوى أن يمتلك أحدنا رصيدا مصرفيا؛ في الحقيقة هؤلاء يقدمون لعموم الموظفين راتبا ومن ثم يخادعونهم بتلك المغريات تتراقص أضواءها عبر شاشات التلفاز؛ نسوة يثرن البليد، يدفعنه أن يخرج مافي حافظته!
لم تفلح واحدة في أن تجعلني أخرج جنيها؛ لأن حافظتي دائما مثقوبة؛ كانت أمي تعدو عليها مدعية أن الفأر الذي يسكن قن الدجاج يقفز في منتصف الليل ومن ثم يلتهم راتبي؛ لا أدري لما يأتي أول كل شهر؛ بت أتساءل أي ذكاء يمتلكه ذلك الفأر؛ على أية حال لم يعد لدي حذاء جديد؛ أتعجب من كون أصابعي تتراقص غير عابئة بمن ينظرون إلي في سخرية؛ في مرة تبرع عم حباظة ذلك الإسكافي الذي يفترش مدخل محطة القطار في مدينة دسوق بأن يصنع لي زوجا منها، حين يئس مني توسل أن يصلح تلك الفرجة؛ ادعى أنه يحبني؛ في مكر أدركت أنه يريد دعاية لنفسه؛ سوف يضع خاتمه على حذائي؛ تعلمون أن ركاب قطار المدينة التي يقصدها آلاف المريدين يتباركون بالسيد الدسوقي ولأنني معروف في تلك المدينة التي لاتنام فستكون تلك دعاية لاتقدر بثمن؛ كانت أمي رحمة الله عليها تخيرني أنه مبارك لذلك كانت تهب من يؤمون مولده قدورا ممتلئة من الفول النابت وأرغفة البتاو الشهية محشوة بالسمن البلدي!
وجدها حباظة فرصة لأن يتسامع به هؤلاء؛ مؤكد أنه سيصنع آلافا من أزواج الأحذية؛ غير أن شيطانه هداه إلى يقدم زوجا لابنة الخواجة؛ كثيرون سكنوا بلادنا؛ أرمن وطليان وفرنساوية؛ علم أن حفيدة الهر جاءت متخفية إلى دسوق؛ حيث يحلو لها أن تسكن بعيدا عن عيون الحلفاء؛ صنع لها حذاء محلى بالياقوت-وتلك خدعة من عماشة بائع عظم الهرابيد-تتبختر به في شارع المحطة.
حين رأته تراقصت فرحة؛ بانت خصلات شعرها الأصفر؛ التاث عقل المريدين؛ تهافتوا على رؤيتها؛ فريقها يقطر عسلا؛ شاعر الربابة غنى لتلك الغزالة؛ ومن يومها في دسوق عرف حباظة بعاشق حفيدة الهر!
لم يرض الدراويش هذا؛ جاءوا بورقة مختومة تلك من السلالة الهاشمية؛ كثيرون يدعون هذا؛ على أية حال أقاموا الدنيا ولم يقعدوها أنى لحباظة أن يدور في خلده أن ترضى به ابنة الأشراف ناهيك أن تكون حفيدة الهر الذي رويت عن حروبه العجائب؛ ومن يومها في دسوق يتناقل الناس حكاية حباظة الإسكافي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى