د. سيد شعبان - عم جاب الله!

يكتفي بقطعة جبن قديمة ونصف رغيف مقدد، لا يمد رجليه في الظل، تركته حين ضربه خريف العمر، هكذا الأشجار تموت واقفة، دمعت عيناه وابيضت من الحزن، يغلق عليه باب حجرته الطينية، الفقر معرة، والسؤال مذلة!
مضت أيامه التى كانت ربيعا، تخيلوا كان يمتص ضرع البقرة صباحا ومساء، لقد صار وجهه أحمر، أمي كانت تقول: عجل لباني، حين كان يمشي تشعر أن الأرض تهتز تحت قدميه، شعر رأسه يغطي أرنبة أنفه، لم تعد امرأة إلا وتمنته زوجا لابنتها، بالتأكيد ستلد عجلا بشبه أباه.
عم جاب الله لم يجد واحدة تصلح له، لقد عاش الوهم أنه وحيد زمانه يلعب بالعصا فيغلب كل من في الحلبة عند زواية الكفر، يستلقي على قفاه وبضع رجلا على أخرى، يمتلك بقرة تحلب خمسة أرتال من اللبن، عنده حمار حصاوي لا يكف عن النهيق؛ يسابق الحمير، يجري مثل الخيل.
شيء آخر امتاز به عم جاب الله لديه ولع بمعابثة النساء، رغم هذا لا يمتلك الرغبة في المرأة، يقال إنه بخصية واحدة، يبدو أن ذلك صحيحا؛ لا زوجة له حتى الآن!
لا يعرف النقود فحياته تقوم على المقايضة، يبتاع حاجياته: المعسل، وعلب التونة مقابل بيض الدجاج. كلاب تتعارك وأنا في وسطهم أحاول الهرب؛ بعضهم مصاب في فمه، والآخر بلا ذيل، تعوي طوال الليل، اختبأت منها، لكنها أصرت أن أكون وسط تلك المعركة، على كل وجدت بابا مفتوحا دخلت منه، تبعني كبيرهم، أخرجني بالقوة، صاروا ينهشون لحمي اليابس، حين لم يجدوا ما يشبع بطونهم تركوني، بدأت أتحسس جسدي، ينز دما!
بدأ يسر بحكايته:
إنني ضعيف واهن لا قدرة لي على المقاومة، عشت زمنا أرعى شياه أبي العجوز، حتى إذا ما سمنت وزهت، سلبها مني إخوتي، والآن أنا بلا عمل، أجوب الأمكنة الفاسدة، أبحث عن كسرة خبز، عن امرأة تسترني، سمعت جدتي تقول: المراة تستر عورة الرجل؛ تلبسه مثل ثوبه، وما حيلتي وأنا لا ثوب لي؟
أمضيت عمري أبحث عنها، تأبت علي كل بنات حواء، أو لعلني لا أصلح لمثل هذا، عراك الكلاب صباح هذا اليوم أخافني وأثارني، كنت قبل منشغلا بعلة جسدي، يبدو أنني شفيت منها، كانت جدتي حين يعضني كلب ضال؛ تنزع بعض زغبه وتحرقه ومن ثم تضعه على موضع الجرح.
هذه واحدة، أما الثانية فقد دبت في غريزة حب المرأة؛ كان عراكهم حول كلبة شهباء، اختفت حالة التبلد عندي، صرت شغوفا بالأنثى.
لا أدري ما الذي جعلني أتمثل العم جاب الله؛ ربما لأنني منزو في بيت أبي الحجري الذي تركه لي؛ مؤكد أن الآباء حين يرحلون يذرفون الدموع على صغارهم؛ كلاب تنهش وثعالب تتربص؛ وها هو عم جاب الله يزوروني كل آونة؛ طبعا يأتي كوميض البرق؛ الليلة الفائتة نبحت كلاب أبي؛ خرجت فإذا رجل معمم له لحية بيضاء يخفي وجهه؛ غرس شجرة زيتون ثم بعد اختفى؛ أثر حماره وبقية ماء لأروي الشجيرة!
ترى لم زارني؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى