د. سيد شعبان - ولي الله..

ركب سيدنا حمارته المباركة؛ كل ما مسه تحل عليه فيوضات الرحمن؛ إذ هو وليه صاحب السر الخفي، طاف ببلاد الله؛ يقابل الدراويش في موالد آل البيت، يسكنون البر في تناسق عجيب، سيدي عبدالرحيم القنائي، البدوي ومولانا الحسين والطاهرة أم هاشم وسيدنا الدسوقي، عقد من در تنتظم حباته، يطول به السير أياما وليالي مطمئنا أن الطريق أمان؛ وهل يجرؤ واحد أن يمس طيف جلباب صاحب الحضرة؟
وجهه بدر التمام، يتدثر بعباءة، يضع خرجا على ظهر الحمارة، به عسل وخبز، هل هو العزير أحياه الله؟
أربعمائة عام وألف والناس في غاشبة، يتساءلون هل عاد الحجاج؟
والحسين دمه في كربلاء يروي ظمأه!
ربما، ففي الكون أسرار لا يعلمها إلا صاحب الملك،
يوسعون له في احترام، يضيفون الولي المبارك، يتطوح في خشوع الذاكرين، تعلوه مسحة من نور صاف، يوزع البركة في كل مكان؛ في هذه الأيام الناس بحاجة إلى ولي؛ يأخذ بيدهم إلى بر الأمان.
تنام عيون أكابر القوم عن خيط واهن يربط العبد بالسماء، يتعلق رجاؤه بيوم يتراقص فيه قلبه الأخضر كما اليمام، راية الولاية تغطي سماء المحروسة؛ بيد أن الأضغان تتجمع في متاهة الحيرة، تأكل بنيها، تطحنهم في باطنها، سيرك كبير والكل يؤدي فيه دوره: سياف يقطر الدم من يديه؛ واش يبيع ثياب العفة في سوق النخاسة، في درب الجماميز يجرون خلف مولانا؛ البطون فارغة والعقول ضالة، العيون يا سيدنا زائغة مشتتة، من يمسح على رؤوس الأيتام، بل من يدفأ العراة في ليالي الشتاء الطويل؟
يسرقون أحلامهم ثم يمنون عليهم بأرغفة خبز محشوة قهرا.
هذه آخر جملة، وجدت في كتابه المطمور ألقت به أمواج وصلتهم وقد مضت عليها ثلاث سنوات؛ يومها تجمعوا يمنون أنفسهم بالكنز، تحت وطأة زمن فقد شهيته للحياة.
ارتحل الطيبون سريعا، يتفل سيدنا عن يساره؛ يطارد إبليس بعصاه، تتزين أنثى تلتهب جمرا في ركن قصي من بيت تحوطه الخطيئة، يقرع سيدنا الباب، تخرج حية تتمطى، يلقي عليها عباءته، تخر باكية، يتمتم بورده النوراني، تغتسل في حضرته بدموع الندم.
يتسامع به أهل المدينة في بيوت تسكنها الزينة، رجال بلا خلف، نساء يضاجعهن الليل أنيس وحشة، يرمي بعضهم بعضا بألف جناية، هربت منهم السعادة ولم تسكن بعد أكواخ المعدمين، رجل مبارك في زمن الجحود، هل يدخلونه دارا تسكنها الشياطين؟
تساءل الدراويش،:
_يا سيدنا لا مكان هناك للصلاة. ابتسم في عفوية طفل لم يعرف يوما طريق الكراهية، تسلل إلى هناك، كيف ولحماره جلبة، وأين يبيت؟
توكل على ربه، انخلع من دنياه، طاف بالقصور يبتهل أن تعود السكينة؛ أطعموه الثريد، أمرهم أن يتطهروا من النهر ؛ يدعوا للفقراء الماء يجري، ينثروا في الشتاء حبات القمح، يبنوا أعشاشا للعصافير، وقال حاكم المدينة: مجنون يهدم العامر، يجرؤ في محضره الرعاع؛ أحضروه والحبال تخنقه، كلما رفعوا سوطا شلت أياديهم.
والناس ترجو الولي، تعبوا من الجري في متاهة تبتلع أعمارهم، تنادوا به سيدا، يهبهم الرغيف محشوا باللحم، يطعمهم من مسغبة ويحميهم من الأتابك، في المحروسة ألف سبيل تبنيه أم عباس، عين السيرة وبين السورين والعتبة الخضراء، مدد يا صاحب الحضرة، تنزل من السماء أنهار العسل، تمنوا والأماني خداع ورغيف الجوعى في خزانة عليها حرس من جن سليمان، تبعوه والطريق أشواك وجمر يلتهب.
بنوا له سردابا يدخله؛ يجعلون عليه ألف حارس، يخافون وجهه الطيب؛ يطعم الجوعى ؟
ومن هو ؟
نادى من فوق بوابة المتولي:
نحن الذين نمنع الشمس ضياءها، نهب أبناء الطريق الخبز؛ ﻷحل هذا يسبحون بمحامد سياطنا إذ تحفر أخاديد فوق ظهورهم.
يقول مولانا:
دجال يسرق الكحل من العيون؛ وفي الدفاتر ما خفي، انتهب سنابل القمح، بعثر النهر، أشاع في الناس الفوضى،اجلدوه أو انفوه، بل احرقوه في نار فضيحة لا تنتهي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى