د. السيد شعبان - شيرين.. قصة قصيرة

حين فتحت التلفاز وجدتها مضرجة في دمها؛ انتابتني الشكوك: هل هي؟

تعلن القناة النبأ العاجل!

في الزاوية أعلى الشاشة شريط أسود!

دارت بي الأرض؛ أمس كانت تكشف زيف المحتل، كما الغربان تطارد أفراخ الحمام؛ بل قل قمر أربعة عشر؛ في الحقيقة أجدها فارسة تصول في الميدان لا تمتلك غير لسانها والقلم الرصاص؛ جبان أنا هذا اعتراف وجب علي البوح به الآن؛ كثيرون هاتفوني؛ تبينت أنهم مثلي يحبون فروسيتها؛ يتوالى صوت المغني في حزن عله يقدم فيها واجب العزاء: "لست وحدك حبيبها"

يتابع غناءه "ربما أنا ربما أنت؛ لكنها أبدا لن تكون غيرها؛ هكذا حدثت نفسي!

ترآى لي طيفها؛ وجه عربي؛ شعرها الوردي مثل قرص الشمس ساعة الشروق؛ حاولت التعرف عليها مجددا؛ من بنات العذراء مريم؛ هكذا؛ عذراءان!

جنود تيطس طاردوا المسيح أدموا قدمه؛ جرعوه الضنى في طريق الآلام؛ من بيت لحم إلى الجليل حتى جبل النار؛ عائلة مطاردة كما وطن مستباح؛ يالحقد هؤلاء الخبثاء! يذكرني صغيري بمقتل الدرة!

محمولة يشغب دمها جرح أمة؛ ترى أي جناية ارتكبتها تلك الحمامة الوديعة!

يتجادلون أهي في الجنة أم في النار؛ ينتشي 'لابيد" طربا!

لأجل هذا! ترى هل أفلح القتلة في محو الحروف من الأوراق فبدت مشوهة؟

كانت دائما هناك؛ ترابط عند باب المغاربة؛ تنقل مأساة شعبها؛ ألم أقل لكم إن الغربان تطارد اليمام!

أغلقت التلفاز؛ فلا طاقة بي أن أجد نشرات الأخبار تخلو من وجهها العربي؛ تلك الابتسامة خجلى؛ حياء العذراء في خدرها؛ تربت على أكتاف اليتامى؛ تواسي الثكالى؛ بعدك يا سيدتي ما عاد في العرس جلوة!

يقهقه لابيد؛ يأتي أفخاي ليقدم واجب العزاء؛ هل نحن بلهاء!

أفتح خزانة الثياب؛ الأبيض دائما كان يليق بها؛ أحاله القتلة إلى حمرة قانية؛ يستبد بي الضجر؛ يدفعني السأم أن أمسك بالورقة والقلم؛ في زمن مضى كنت أجيد اللعب بالفرشاة والألوان؛ في غير انتباه مني تتساقط قطرات الألون؛ مسرعة تتراقص الفرشاة؛ أي أصابع تلك التي رسمت وجهها؛ هاتف غريب؛ كل الذين أمسكوا بالفرشاة جاءوا بصورتها؛ جميلات في المهد تمنى لهن الأباء أن يكن شيرين؛ مجذوب في كفرنا يتأوه حسرة؛ ينادي طيفها؛ أعدو خلفه يلتف حولنا الصغار بنات وبنين؛ الأمهات يبكين حسرة؛ في ثوبها الأبيض يزفونها إلى العالم الآخر!

يتردد صدى نزار في أذني:

"كفرت بالأقلام والدفاتر

كفرت بالفصحى التي تحبل وهي عاقر"

وحيدا أنتظرها؛ أرقب آخرين مثلي؛ ينبح كلب أسود؛ يأتي خفير الدرك في معطفه الأسود؛ ينعب غراب فوق شجيرة السنط؛ اختفت من كفرنا أبراج الحمام؛ سكنتها الأفاعي؛ ذبلت الوردة التي غرسها أبي، مايزال طريق الآلام تكثر به الأشواك!

لست وحدي من بكاها؛ في الميادين دوي؛ هتافات وأعلام؛ أوراق ومحابر؛ يمسك بفرشاة الألوان؛ تظهر في الصورة صاحبة الوجه القمري والشعر الوردي!

محمولة على الأكتاف يهتفون لعروس مدينة السلام؛ يحيا الوطن!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى