د. سيد شعبان

حينما كنت آتي القرية أجده يبيع الملوحة، لكنه وهب بسطة الأمل ، كل مرة يبيع البسمة مقترنة بتلك الأسماك التى اختزنها ليسترزق من ثمنها، الصبر ما أجمله من زاد! كلمات لم أكن أدري معناها حتى غاب عمي مسعود وراء الصمت المطبق داخل المقبرة العميقة، زوجته امتهنت حرفته، تعطي بعض الليمون ممتزجا ببسمة طيبة،...
حين انتهى من رواية" ثلاثية غرناطة" مثل أبو عبدالله الصغير أمامه؛ حين مر بهذا المكان تذكر كل هذه الأحداث... الباب ما يزال موصدا؛ تقف على جانبي السور خيول وجنود يرقبون كل شيء. ترسل راشيل أو ماري أو غيرهما سفنا تقتحم البر تنزل الرايات الخضر فتحيلها حمراء تنزف! أصوات لا يتبين مكانها لكنها تتوالى...
لم يتبق مكان يحتمي به الصغار؛ تتربص الوحوش بمداخل المدينة، تقذف السماء بكتل من النار، يتساءل طفل :هل في الجنة حليب وكسرات خبز؟ هناك سأجد أمي، لقد اشتقت إليها؛ منذ شهر لا أجدها. أبحث عن قطتي التي اختفت، عائد أخي ذهب بعيدا، يرسل إلي نصف رغيف، كل الصغار يبكون، لم تعد معلمة الفصل تحكي لنا عن...
لو كان النقد مجاملة وقرابة لمات الإبداع عند أول بادرة، تلك مقالة تستوجب أن نضع تحتها خطوطا عراضا وألا نمر دون أن تسترعي الانتباه، لعل العارفين بمقالتي يدرون خلفية ما أستدعى أو أكتب؛ معاذ الله أن أكون موقظ فتنة أو أنفخ في جمر يوشك أن يخمد، مجال الإبداع يتسع لكل ذي قريحة يخلص لفنه، ولا يحتاج شهادة...
بدأت أشعر بالحياة تدب في شراييني؛ منذ فترة غادرت العالم الذي تسكنه الجن، كنت في غيابة لا تشرق فيها شمس ولا يختال بها قمر،فالأبواب مصابة بالخرس، ألف واش يبلغ عن همسة الليل؛ تنام النساء في مخادع تلتهب جمرا؛ لكن الرجال بها عنة؛ لو يقبل مولانا القاضي لأجاب كل واحدة أن تخلع ربقتها،كنت فاقد الذاكرة،...
جاء في الكتب العتيقة أن كائنا غريبا سيخرج من جوف النهر؛بدأ العرافون يضربون الودع؛ فقد اقترب زمانه! أقسم أحدهم بأنه بعين واحدة؛ إصبع إبهامه أطول من قرن الخروب؛ أسنانه منشار عم شنقار! تلك حكاية ؛ تطوع أحدهم وأخبرنا بوصفه؛ رأيته؛ كم كان طيب القلب! يتغدى بشطيرة خبز ووعاء لبن من بقرة حمراء فاقع...
لم تصلني إلا بعد فترة طويلة ،لقد كتبها وهو يودع كل أصحابه،لم يجد أحدا غيري يعهد إليه بأسراره،لم يشأ أن يغادر وكل هذه الأحمال على كتفه،أراد أن يتخفف منها،البوح كثيرا ما يخفف التعب النفسي،بل أحيانا يكون علاجا لآلام الجسد،أخبرتني أختي الكبرى : كان ثابت القلب،لكنه كان يمس جدران البيوت التى...
مؤكد أن ما أخبرني به ذلك الرجل الطيب قد حدث؛ بت أتساءل وماذا بعد؟ علي أن أغادر تلك المدينة على وجه السرعة؛ ثمة أخبار ترد من وكالات الأنباء أن التماسيح تخرج إلى الشاطيء؛ حين اتصل بي صديقي صبري شوقي أكد لي هذا؛ إنهم يبتعدون عن النهر؛ لم تعد السفن تشق ماءه؛ حين وضعت رأسي على الوسادة مستجلبا النوم...
تبدو الملامح باهتة فلا يكاد يعرف واحد من أهلها، يتمطى الناس فيما بين بابها وبين الزاوية، إنه صباح يوم لايشبهه صباح مضى عليهم من قبل؛ لقد ضرب المحروسة زلزال تراقصت منه البنايات، ثمة أقاويل بأن عفريت من الجن خرج من جوف النهر، تعدو القطط السوداء وراء العصافير، انتبه عم جاب الله لمفتاح الخزانة، ترى...
صبحت هذا اليوم مغبرا بحرارة صيف ملتهب،تقول أمي : الشمس تتغذى على حطب القلوب اليابسة، تأكل ما تتركه النسوة من ركام وشايات يطلقنها كلما اجتمعن عند الفرن للخبيز، الليلة الفائتة تسللت إلى حجرة جدتي الطينية حيث بقايا رماد كان يتلمظ نارا، ولأنها غادرت الدنيا فما عاد أحد يطفيء النار غيري، أوصتني؛ ألا...
يظهر والله أعلم أن وراء التلة التي تحيط بقريتنا قوم يختلفون عنا؛ حدثتني أمي أن عيونهم مربعة تعلو رؤوسهم؛ تتدلى من أنوفهم حلقان وأشكال عجيبة؛ يوقدون نيرانهم منتصف كل شهر؛ طعامهم يأتون به من جوف الأرض؛ يقال ديدان وحشرات، لم أرهم غير مرة أو مرتين؛ هذه الأيام بدأوا يتسللون إلى شوارعنا وأزقتنا؛...
في الحقيقة ليس لدي ما أكتبه، سطا ليلة أمس لص على بيتنا، شرع يعبث في الأشياء عرفت هذا وقد تناومت،من الحكمة أن يحافظ الإنسان على حياته حتى ولو سلبه اللص بطاقة هويته؛ لم يكن طالب مال ولا قطع ذهب فنحن ولله الحمد نعتاش على راتبي الذي لا يكمم فمي سواه! نسيت أن أخبركم أن موظف البريد عطل صرفه حتى إشعار...
حاولت الفكاك من أسر الإبداع في بلادي فأعجزني، أكتب وأسرد وأنا متدثر بعباءة المحروسة؛ تستطيع أن تميز تلك الحالة من الوهج والتأنق من غيرها بعدة سمات تتقارب فيما بينها؛ إنها مزيج من اليمين واليسار أخرجت لنا كتابة تستطيع أن تقول حين تقرأ إنها عربية بنكهة مصرية؛ فهذا سرد الرافعي ممزوجا بالعقاد مجتمعا...
تظهر اللوحة مشهدا لم يفطن إليه معظم الذين توافدوا على المعرض، كان حلمها أن يلتف حولها المعجبون، تمتلك موهبة مزج الألوان، تمسك بريشتها في مهارة، تسجل أدق التفاصيل، معلمة الفصل شجعتها، أثنت على الظلال التي تتماوج، ترسم بيد أما الأخرى فمختبئة خلف طيات ثيابها، لم تعجزها، يعابث الهواء خصلات شعرها،...
أخبرتني جدتي أن لكل شيء أوان، حصاد الزرع وموت الإنسان؛ نهاية الحكي حيث تضرب القطة السوداء باب البيت في ظلمة الليل والسماء تقذف بكتل نار من برق يتبعه رعد، حتى بنت بهانة انتهى حالها معنا؛ لا أدري لما قال سببا، كان منشرحا في القعدة، منبسط الوجه، يرتشف قطرات من كوب الشاي الذي يتسلى به حتى ظننته...

هذا الملف

نصوص
490
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى